تكريم الفنان شربل فارس في صربا بعنوان «خمسون عاماً من العطاء – اليوبيل الذهبي» وزير الثقافة: عرفنا أعماله نحتاً وتلويناً خلال فترة احتلال العدو «الإسرائيلي» لجنوبنا
النبطية – مصطفى الحمود
كرّم اتحاد بلديات إقليم التفاح، والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي، ومشروع «تراثيوم مكنز الذاكرة»، و»جمعية بيت المصوّر في لبنان» وجمعية «الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت»، الفنان شربل فارس، باحتفال أقيم في محترف الفنان شربل فارس في بلدة صربا في النبطية، تحت عنوان «خمسون عاماً من العطاء – اليوبيل الذهبي»، برعاية وزير الثقافة محمد داوود داوود وحضور شخصيات وفاعليات ومهتمين.
وفي كلمته قال وزير الثقافة محمد داوود: نحن هنا في «واحة الدقاق»، مرتع الفنان التشكيلي شربل فارس وخلوته الفنية الفكرية، غني، ثري مسار فناننا المكرّم، صبي كروم العنب والتين والزيتون، وبيادر البركة وعبق الطيون، المسلوخ من ظلال السنديان إلى ضجيج المدينة، المتمرّد، على خطى «خليل الكافر» و»يوحنا المجنون» في كتابات جبران، الحالم بالثورة وتغيير العالم. نكرّم اليوم فناناً ملتزماً بالجذور والألوان، فنوناً تشكيلية، رسماً ونحتاً، من معرضه الأول في تلك البيروت 1973 إلى الكويت، محطّة فنية، إلى تتلمذه على يد الفنان ناظم إيراني، إلى قواقعه اليوم، وقبل الأمس، وتحوّله إلى واقعية، أراد عبرها التعبير عن قضايا العصر وهواجسه والهموم.
وتابع: عرفنا أعمال شربل فارس، نحتاً وتلويناً، خلال فترة احتلال العدو «الإسرائيلي» لجنوبنا، من خلال أعمال أدان فيها وحشية الغاصب، ومجّد الروح المقاومة، دفاعاً عن الكرامة والأرض ومعاني الشهادة. نفتتح اليوم معرضاً تشكيلياً، خارج مألوف الأمكنة «واحة الدقاق»، نشر فيها الفنان أعماله، في هدأة الطبيعة وسكون الإيحاء، ويسعدني أن أزيح الستار عن منحوتات تمثل وجوه مبدعين من بلادي، السيدة فيروز سفيرتنا إلى المجرات، أحد أجمل رموزنا اللبنانية، بالتكامل والتناغم مع الأخوين رحباني، صاحب كتاب «النبي»، الذي طاف الأرض وترجم إلى لغات العالم، ويطبع منه بالملايين في الولايات المتحدة، إلى شوشو ـ حسن علاء الدين، ومن ينسى «المسرح الوطني» والثنائي حسن وشريكه المخرج والمؤلف نزار ميقاتي، وآخرين أمثال روجيه عساف وفارس يواكيم ومحمد كريم، وأعمال كثيرة استلها شوشو من همومنا اليومية، فشاهد جمهور المسرح «آخ يا بلدنا» و»تحت الصفر» و»طربوش بالقاووش»، وحوالي ثلاثين عملاً، ضجت بها الصحافة والرأي العام، من العام 1965 حتى 1970.
وألقى الزميل كامل جابر كلمة باسم الجمعيات، فقال: في عيد عطائك شربل فارس، يخبو الكلام، ويستحي المطر، كيف لا، وقد هلّ مهرجان موقظ الصخر من كبوته، من دوزن الطين وأنطق الحجر، وعلى إيقاع أنامله زغرد اللون، وفوق شعاع ريشته رقص الشجر. شربل فارس، بين يراعك وإزميلك وريشتك، عاشت الذاكرة القروية والوجوه التي أحببت، وعبر المقاومون والشهداء والمبدعون ورجالات العلم والفكر، بل عادوا ليرسّخوا من جديد، يا لصلصالك أحيا من أحيا، وحبرك جلجل الخيل والسير، فأيّ محراب أنت سيده، عند عتباته يتفتق الجمال، وفوق شباكه يحط القمر، في يوبيلك الذهبي وبعد خمسين حولاً من الإبداع، هلّ فيها مطرك غزيراً صيفاً وشتاء، نهنئ أنفسنا أننا عبرنا في زمانك، فتكحلت أعيننا بجمال أنت صانعه، وحاكت ألبابنا كريمات الدرر.
وألقى رئيس اتحاد بلديات إقليم التفاح بلال شحادة كلمة، فقال: يجمعنا المشهد والألوان والحجر والشجر والريشة والإزميل، تحملها كفّا فنان غرق في روعة الألوان والغبار الجميل، ليرسم لوحة تحمل وطناً ووجوه أناس وتراباً مضمّخاً بالعطر والحنين، ليمسك بصخرة، فيجعلها جمالاً ونحتاً، لمشهد يهاجر من صلب الصخر إلى القلوب الوالهة للروية.
أضاف: الفنّ هو روح وعصارة تجربة عريقة من اللون الجميل، اللون الذي يرسم الجدارية للوحة تشكيليّة، تستمطر في غمامات ألوانها هذا الإبداع، من قلب الفنان شربل فارس، وشربل فارس اسم ورمز وعنوان، تستطيع أن تدخل معه، ولكن لا تستطيع أن تكون مكانه، له فرادته، التي لا تشبه إلا وجهه وقلبه، يجدل اللون خمائل، ويجعل من الصخر مشهداً آخر، لا يمكن لك، إلا أن تراه بكلّ زواياه، تنتشر عند أنامل تجدها في كفّي الفنان المحتفى به.
وقال متوجهاً إلى المحتفى به: نكرّم اليوم فناناً عريقاً في حبّ الريشة والإزميل، عندما نكرّمك، نكرّم أنفسنا، لأن الفنان هو ممثل كل القلوب، والوطن هو الفنان، والفنان لا ينتمي إلا إلى القلوب، كلما وجدت صورة الوطن الموحّد بجيشه وشعبه ومقاومته، الفنان يجمع الوطن، ينام قرب ألوانه، الفنان هو الطابع البريدي إلى قلوب الناس، هو الحاضر في الوجدان روحاً ونصاً.
وألقى رئيس جمعية «الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت» ميشال روحانا، كلمة، فقال: الفنانون لا ينظر إليهم من زاوية الإبداع فقط، إنهم أبطال التاريخ، إنهم نجوم من وجدان الشعوب والحضارات، فنانو الكلمة والأدب والشعر واللون والنحت والمسرح، إنها لغة صلاة، تنفعل بالجمال والخيال والماورائيات، كأنهم اختيروا من فوق، رسل هداية إلى الخير والحقيقة، كيف لهذه المواهب إذا اجتمعت في شخص المكرّم اليوم، فهي الدليل والبرهان على الرقي الحضاري والتطور الفكري وأكثر. وأعرب عن سرور الجمعية بمشاركتها بتكريم أحد أعضائها، الذي نفتخر بإنجازاته وعطاءاته في الفن والثقافة.
وألقى إبراهيم شمس كلمة باسم المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، فقال: خمسون عاماً من الجهد والعمل الدؤوب المضني، كرّس خلالها حياته لخدمة قناعاته، التي آمن بها، وناضل من أجلها، وهي حرية الإنسان وعيشه الكريم. هو شربل فارس ابن صربا، هذه البلدة الطيبة الجميلة من جنوب لبنان الحبيب، اتسم بروحه الطيبة وتواضعه الجم، المقرونة بعنفوان الثورة على الظلم والقهر، ومناصرة كل دعوة أو تحرك ضدّ الاستبداد والمطالبة بالحرية. مارس مهنة الصحافة كاتبا وناقدا فنيا، فكان لقلمه المرهف وإزميله المطواع، شأن هام في عالم الفنّ التشكيلي والأدب.
أضاف: هو عضو بارز في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، وكان ولا يزال رئيساً للجنة الفنية فيه. وله الأيادي البيضاء، في إقامة المعارض الفردية والجماعية لفنانين وفنانات لبنانيين، باسم المجلس وقد أقام هو لنفسه العديد من المعارض.
ثم ألقى المحتفى به كلمة، استهلها بالقول: خمسون عاماً ولم ينته بعد مشواري الفنّي الطويل، بل وكأنه يبدأ اليوم، هناك الكثير لأقوله نحتاً ورسماً وكتابة، خمسون عاماً وأعود إلى هذه البقعة الطيبة، حيث نحن الآن، أعود لأحط فيها رحالي، ألملم فيها أذيالي الملوّنة وبسماتي وآهاتي المتحجرة، أعود إلى ملجئي الأخير وملاذي الوحيد المتبقي لي، وعلى منكبي جعبة محشوة بالنحت والرسم والكتابة، أركع على ترابها أتلو صلاة الإنسانية بالإزميل والفرشاة والقلم، على كل السامعين والمشاهدين على اختلاف عقائدهم ومشاربهم الدينية وتوجهاتهم العلمانية.
أضاف: خمسون عاماً وتعود بي الذاكرة إلى هذا الكرم العتيق، كرم «النقابة» هنا، الذي كان دنياي الوحيدة، تحده صخرة شرقاً، وسنديانة غرباً، وعوسجة شمالاً، وقامة جدي الفلاح أبو أسعد الملقب بـ»الدقاق» جنوباً، وشمس معلقة فوق جبهة سمراء وسطاً.
وتابع: أنا في الخامسة من عمري كنت ألفّ وأطوف، ها هنا، أحاول تجاوز هذه الحدود إلى الأفق المستحيل، أركض في الثلم، الذي رسمه محراث جدي، وفي أديم هذه الأرض، ألملم الحجارة الرطبة وأشكل منها بيت بيوت ومن الصخرة والسنديانة والعوسجة محراثا صغيراً، ومعولاً أصغر منه، ومن الشمس المعلّقة أحلام طفولة ملونة.
وأكمل: وفي السادسة من عمري، اقتلعوني من تربة هذه الأرض الربيعية، ونصبوني في أسفلت المدينة الأسود، وهناك بدأت رحلة الهجرة والتهجير، وهناك تكونت الذات المتمردة الثائرة، مشفوعة بحنين العودة إلى الجذور، وها قد عدت بعد خمسين عاماً، وفي داخلي فلاح صغير لم يكبر بعد.
وأردف: كانت رحلتي الطويلة، بل غربتي الطويلة، سجلت فيها ثمانية عشر معرضاً فردياً في لبنان والخارج، وعشرات المعارض الجماعية، وسبعة وثلاثين نصباً ومنحوتة كبيرة، توزّعت في الساحات اللبنانية وفي الخارج، وفي جولات حصدت فيها الجوائز والتنويهات والميداليات المحلية والعالمية من معرض «إيقاعات» مراهق أوائل سبعينيات القرن الماضي إلى معرض «وجه بلدي» في الحرب اللبنانية، إلى «نهوض» المقاومة في وجه الاحتلال «الإسرائيلي» إلى حرف «النون» وتجليّاته الصوفية والرمزية إلى معارض «العولمة» وأصدائها الكارثية الدموية، وصولاً إلى «الراقصة والحصان» حيث يسقط الفارس والخيال وتحتل الراقصة مسرح الحياة، مستطرداً: في كل هذه المعارض، رسماً ونحتاً وتركيباً وتجهيزاً وأنصاباً، كان الفلاح الصغير البسيط يطلّ برأسه متمرداً موثقاً المحطّات الساخنة شاهداً وشهيداً.
وختم: أعود اليوم إلى حقلي، أعتزل فيه، أكثر إصراراً على إكمال مشواري الهادئ نحتاً ورسماً وكتابةً، لكن اسمحوا لي أن أهدي اليوبيل الذهبي، وكل الجوائز والميداليات إلى جدي وجدتي ووالدي، الذي رحل باكراً، وإلى والدتي الكادحة المكافحة في تربية أولادها اليتامى، إلى زوجتي قبلتي وملهمتي، إلى ابنتي وأحفادي، الذين في أحلامهم يغفو المستقبل.
ثم قدم داوود وشحادة لفارس وسام التميّز والإبداع المذهّب باسم اتحاد بلديات إقليم التفاح، كما منحته جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت وسامها التقديري الخاص، وميدالية مذهبة باسم الجمعيات والأندية التي كرّمته.
بعدها، تمّت إزاحة الستار عن ثلاث منحوتات لعمالقة الأدب والفنّ والمسرح في لبنان: جبران خليل جبران، فيروز وحسن علاء الدين «شوشو»، من أعمال المحتفى به، وجال الحضور في المحترف.
وجرى توزيع مغلّف يحتوي على «بلوك» من طوابع «سندريلا» الخاصة تمثل ثماني لوحات من أعمال شربل فارس الزيتية والمائية، إضافة إلى ستّ بطاقات بريدية تحمل أعمالاً متنوعة لشربل فارس بين الرسم والنحت، منها المنحوتات الثلاث التي أميط اللثام عنها في مهرجان التكريم.