مع الغزو التركي لسورية… هل تستعيض أميركا بـِ «داعش» عن أكرادها المخذولين؟
د. عصام نعمان
أخيراً فعلها رجب طيب أردوغان. غزا سورية في شمالها الشرقي رأس العين بعدما غزاها، السنة الماضية، في شمالها الغربي عفرين . خطته المعلنة المنطقة الآمنة ترمي الى السيطرة، في مرحلتها الأولى، على ما لا يقلّ عن 450 كيلومتر مربع من أراضي سورية على طول حدودها مع تركيا. أغراضه المضمرة ثلاثة:
أ تدمير قدرات مجموعة من الأكراد السوريين المتحالفين مع أميركا لإقامة كيان منفصل عن الحكومة المركزية في دمشق، وقطع تعاونهم مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي المصنّف إرهابياً لدى دول حلف شمال الأطلسي الناتو .
ب استخدام المنطقة الآمنة العازلة في شمال شرق سورية ورقة لتأمين مشاركة وافرة لتركيا في استثمار النفط السوري الغزير في باطنها.
جـ نقل نحو مليوني مهاجر سوري مقيمين حالياً في تركيا إلى المدن والبلدات والقرى الواقعة ضمن المنطقة الآمنة وفي محيطها.
باستثناء أطراف محور المقاومة الذين سارعوا الى التنديد بالعدوان التركي على سورية، اكتفى معظم دول الإقليم والاتحاد الأوروبي وأميركا بالاعتراض على ما فعلته تركيا وليس معارضتها، وبالحؤول تالياً دون صدور قرار في مجلس الأمن الدولي يندّد بفعلتها. لذلك كله دلالات لافتة:
أولاها، انّ تركيا ما كانت لتقدم على غزوتها السورية لولا ضوء أخضر من أميركا تجلّى بسحب قواتها من الشمال السوري.
ثانيتها، أنّ قادة منظومة قوات سورية الديمقراطية قسد الكردية تمسّكوا بموقف الحوار مع أميركا رغم أنها خذلتهم، ما يوحي بأنّ إدارة ترامب طمأنتهم بأنها ستكون وسيطاً بينهم وبين تركيا من أجل التوصل الى تسوية سياسية للنزاع.
ثالثتها، انّ روسيا دعت وتدعو الى مفاوضات عاجلة بين تركيا وسورية لتدارك التداعيات السلبية للغزوة التركية من جهة، ولإنقاذ ما كان جرى التفاهم عليه في مؤتمري استانا وسوتشي بين روسيا وإيران وتركيا، من جهة أخرى.
رابعتها، انّ دول الاتحاد الأوروبي اعترضت على الغزوة التركية ولم تعارضها مخافةَ ان ينفذ أردوغان تهديده بفتح الأبواب أمام المهاجرين السوريين للهجرة إليها، وانها تأمل تالياً بتسريع إجراء مفاوضات بين الدول ذات الصلة بغية التوصل الى تسوية سياسية للنزاع.
خامستها، انّ اشتباكات ميدانية وتجاذبات سياسية متطاولة ستأخذ مداها قبل ان تتوصّل الأطراف المعنية، الإقليمية والدولية، الى تسوية مقبولة للنزاع، ذلك لأنّ سورية لن ترضى بأقلّ من استعادة وحدتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني، ولأنّ أميركا و إسرائيل ستكونان جادتين في محاولات تطويل أمد الحرب بغية استكمال عملية تفكيك سورية وتقسيمها.
في سياق مساعي أميركا، ومن ورائها إسرائيل ، لتفكيك سورية واستنزاف إيران وسائر أطراف محور المقاومة على أراضيها، يجري التحضير مجدّداً لتفعيل دورٍ لـِ داعش تستعيض به أميركا عن حلفائها الأكراد المخذولين. ذلك لأنّ لـِ داعش وجوداً فاعلاً في الأطراف الشمالية الشرقية لمحافظة دير الزور السورية، كما له وجود بشري لافت في مخيمات أقامتها القوات الأميركية في محافظتي الحسكة والرقة لإحتجاز أسرى داعش وعوائلهم، وأسندت حراستها الى حلفائها من الأكراد السوريين. فقد صرّح مسؤول العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الكردية عبد الكريم عمر انّ قسد تعتقل 12 ألف رجل من داعش ، وانّ بين هؤلاء 2500 الى ثلاثة الآف أجنبي من 54 دولة، هذا ناهيك عن عوائل أسرى داعش في معتقل الهول وغيره من المعتقلات التي لا يقلّ عدد معتقليها عن عشرين ألفاً.
الى ذلك، تسعى إدارة ترامب، نتيجةَ ضغوط قوية من مجلسيّ الكونغرس، الشيوخ والنواب، الى التوصل لتسوية مع السلطات التركية تبقى بموجبها المسؤولية عن إدارة مخيمات معتقلي داعش وعوائلهم في محافظة الحسكة في عهدة العناصر الكردية والسورية المتعاملة مع الأميركيين. كما تسعى إدارة ترامب الى الحدّ من اندفاع القوات التركية الى عمق محافظتي الرقة والحسكة وذلك بغية عدم سحق قوات سورية الديمقراطية قسد المتعاونة معها، ولإدامة قوات مناوئة للحكومة السورية ومتحالفة مع أميركا في مناطق شرق الفرات حيث مكامن النفط والغاز.
هذه الترتيبات العسكرية الميدانية التي تسعى إدارة ترامب الى تثبيتها تلقى، بطبيعة الحال، ترحيباً من إسرائيل التي ساءها كثيراً تخلي واشنطن عن حلفائها الأكراد وتخوّفت تالياً من انسحاب هذه السياسة التراجعية على سائر حلفاء أميركا في المنطقة. وإزاء الضغوط المتزايدة في الكونغرس على إدارة ترامب لتقليص عملية سحب قواتها من سورية، وربما لاحقاً من العراق، قامت وزارة الدفاع البنتاغون بانتهاز حادثة الهجمة الصاروخية على ناقلة النفط الإيرانية قبالة ساحل مدينة جدّة على البحر الأحمر، لنشر ثلاثة الآف جندي أميركي إضافي في السعودية على ان تتحمّل الرياض النفقات المترتبة على ذلك!
إسرائيل المتحسّبة لتنامي قوة إيران العسكرية ونفوذها السياسي في غرب آسيا، لن تكفيها التدابير والترتيبات الأميركية سالفة الذكر. وسائل الإعلام الإسرائيلية تضجّ بنقد لاذع لخطة نتنياهو في مواجهة إيران وقوى المقاومة العربية وتؤكد فشلها. نتنياهو، المنشغل بتدبّر مصيره السياسي بعد إخفاق تحالف أحزاب اليمين في الانتخابات الأخيرة لإبقائه في السلطة وإنقاذه تالياً من حكم قضائي بالسجن، لم يتأخر في إدراك تداعيات تقلّبات ترامب الشخصية والسياسية على أمن إسرائيل ووجوب استدراك المزيد من المخاطر الأمنية، فباشر على عجل مقاربةً مغايرة لمواجهة إيران قوامها مضاعفة التوظيف في صناعة الصواريخ البالستية الدقيقة، الدفاعية والهجومية، لتفادي الإعتماد على دعمٍ عسكري أميركي في المنطقة آخذ بالإنكفاء.
غير انّ كلّ هذه التدابير والترتيبات والتحوّطات المستجدة لا تغني أميركا و إسرائيل عن متابعة التوظيف في الحرب الناعمة بما هي عقوبات اقتصادية وفتن طائفية وحروب أهلية ودعم لتنظيمات إرهابية مهمتها نسف الإستقرار بتدويم الاضطرابات الامنية. وعليه، فإنّ خيار العودة الى توظيف داعش وامثاله من تنظيمات الإرهاب المسلّح سيكون عنوان الهجوم الصهيوأميركي المتجدّد في الصراعات التي ما زالت تعصف بسورية والعراق ولبنان وفلسطين المحتلة واليمن.
… وفي مقابل خيار داعش وأمثاله، تبقى المقاومة هي الخيار والنهج الأكثر فعالية في مواجهة أعداء الأمة.
وزير سابق