الجيش السوري يصل الحدود مع تركيا شرقاً وغرباً ووسطاً… وأردوغان يتراجع عن مواجهته الحريري يربط موقفه من مبادرة باسيل بالنتائج… و«القومي يدعو للانخراط في مواجهة الغزو التركي

كتب المحرّر السياسي

ارتسمت ملامح مشهد إقليمي جديد على إيقاع الموقف الحازم لسورية وحليفيها الروسي والإيراني في مواجهة الغزو التركي، وربط المعركة بعنوان رفض الانفصال والاحتلال، فتموضعت قيادة قسد وراء الجيش السوري مرتضية ما قدّمت لها دمشق من استعدادات للاعتراف بخصوصيّة تحت سقف وحدة سورية وسيادتها ورموزهما، الأمن الواحد والرئيس الواحد والعلم الواحد، وما عدا ذلك يقبل النقاش. وعلى الضفة المقابلة تبدلت اللهجة التركيّة فتحدث الرئيس التركي رجب أردوغان عن الاستعداد لتقبّل انتشار الجيش السوري في عين العرب، بعدما قال مستشاره أول أمس، إن الجيش التركي سيواجه أي تقدّم للجيش السوري نحو الحدود. وكان القرار السوري المدعوم من إيران وروسيا مفاجأة عربية دولية، أكملت مشهد القوة الذي ظهر عبر إسقاط إيران للطائرة الأميركيّة التجسسيّة العملاقة، وعملية المقاومة اللبنانيّة في أفيفيم، وهجوم أنصار الله في أرامكو. وكما تلعثم الأميركيون ارتبك الخليج ووقعت تركيا بالحرج ذاته الذي واجهته في معركتي حلب وإدلب، بين مواجهة تخسر فيها كل ما بنته مع روسيا وإيران أو التاقلم مع معادلة لا مفرّ من قبولها.

في الميدان، كان الجيش السوري يواصل انتشاره في الوسط على محور الرقة، وفي الشرق على محور القامشلي، وفي الغرب على محور منبج. وفي السياسة كانت إيران تعلن تحسن العلاقات مع الإمارات، وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعرض وساطته بين الرياض وطهران.

تبدو الحرب التي بدأت للتوّ، وكأن الجميع صار يعرف نتائجها، ويتعامل على أساس هذه النتائج. فالقرار الذي يحسمها كان معلوماً، لكنه كان مستبعداً حتى وقع، وهو قرار سوري مدعوم من روسيا وإيران للتقدّم نحو الشمال، وفرض أمر واقع على طرفي النزاع الكردي والتركي، الانفصالي والاحتلالي.

لبنانياً، كان اجتماع الأحزاب الوطنية في السفارة السورية لإعلان موقف تضامنيّ مع سورية في مواجهة العدوان التركي مناسبة ليطلق الحزب السوري القومي الاجتماعي بلسان رئيسه فارس سعد الدعوة للانخراط في مواجهة الغزو، باعتباره عدواناً على الأمة وشعوبها وقواها الحيّة والمقاومة، بينما على المستوى السياسي بقيت مبادرة وزير الخارجية جبران باسيل محور التفاعلات السياسية الحكومية، حيث ربط رئيس الحكومة سعد الحريري موقفه النهائي من المبادرة بنتائجها، متحدثاً عن عدم ممانعته بزيارة باسيل لسورية إذا أدّت إلى عودة النازحين وتسهيل تجارة الترانزيت اللبنانية عبر سورية بينما شن ثنائي حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي هجوماً عنيفاً على باسيل طال رئيس الجمهورية ببعض شظاياه.

أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي فارس سعد، أننا معنيون بأن نخوض مع سورية معركة الدفاع عن الأرض والسيادة والكرامة. وبأنّ هذا العدوان التركي يرمي إلى احتلال مناطق سورية، على غرار احتلال العدو «الإسرائيلي» لفلسطين والجولان وجنوب لبنان.

وخلال زيارة تضامنية قام بها «لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية» إلى مقرّ السفارة السورية في لبنان، استنكاراً للعدوان التركي على الأراضي السورية، أشار سعد في كلمته الى أننا في حالة حرب بمواجهة العدوان التركي الغاشم، ودعا كلّ القوى الحزبية والشعبية في أمتنا إلى الانخراط في هذه المواجهة المصيرية. واشار إلى أنه منذ بدء الحرب على سورية، وتركيا بدعم أميركي و»إسرائيلي» ومن بعض الأنظمة المتخاذلة، تخطط وتمهّد لاحتلال أراض سورية بعنوان ما يسمّى «المنطقة الآمنة». والدعم الذي قدّمته أميركا للتنظيمات الكردية الانفصالية كان جزءاً من هذا المخطط، حيث تقاطعت وظيفة التنظيمات الكردية الانفصالية، مع وظائف أدوات تركيا «داعش» و»النصرة» وكلّ التنظيمات الإرهابية، وهيّأوا جميعاً لهذا العدوان التركي الوحشي.

وأكد جازماً بأن الخيار هو مقاومة العدوان، وكما انتصرت المقاومة في لبنان بدعم سورية، فإنّ سورية ستنتصر ومعها كلّ قوى المقاومة. وها هو الجيش السوري وبقرار القيادة السورية بدأ مهامه في الشمال السوري دفاعاً عن سيادة سورية ووحدتها وكرامتها. فتحيّة الى هذا الجيش البطل المقدام ومعاً سائرون إلى النصر الأكيد.

وعلى وقع المستجدات العسكرية في شمالي سورية، عاد الانقسام السياسي حول العلاقة مع سورية ليظلل المشهد الداخلي، مع تهديد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في خطابه الأخير بقلب الطاولة على القوى التي تعمل لإجهاض العهد الرئاسي وضرب الاقتصاد اللبناني، في إشارة الى الاشتراكي والقوات والذين يدورون في الفلك الأميركي السعودي من تيار المستقبل و14 آذار.

وإذ شنّ حزبا الاشتراكي والقوات وبعض المستقبليين هجوماً عنيفاً على باسيل رافضين قراره المنفرد بزيارة سورية، بقي الغموض يلف موقف رئيس الحكومة سعد الحريري من زيارة سورية، ما فُسّر على أنه عدم ممانعة. إذ اقتصر رده على كلام باسيل بنقطة سبب خروج القوات السورية من لبنان وليس بقرار الزيارة، مقرناً موقفه من الزيارة بنتائجها.

وقال الحريري في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي «دم الرئيس رفيق الحريري أعاد الجيش السوري إلى سورية. إذا اراد رئيس التيار الوطني الحر زيارة سورية لمناقشة إعادة النازحين السوريين فهذا شأنه، المهم النتيجة، فلا يجعل النظام السوري من الزيارة سبباً لعودته إلى لبنان، لأننا لا نثق بنيّات النظام من عودة النازحين، وإذا تحققت العودة فسنكون اوّل المرحّبين». وأضاف «البلد لا تنقصه سجالات جديدة، والهمّ الأساسي عندي اليوم كيف نوقف الأزمة الاقتصادية. واذا لم يحصل ذلك، ستنقلب الطاولة وحدها على رؤوس الجميع».

أما رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط فاتهم باسيل عبر «تويتر» دون أن يسميه بتزوير التاريخ. وقال: «تنهبون البلاد وتدمّرون الطائف. تريدون تطويع الأمن كل الأمن لصالح احقادكم الى جانب الجيش».

واستكمل الاشتراكي هجومه على باسيل بمواقف عالية السقف أعادت الى الاذهان المشهد السياسي غداة حادثة قبرشمون، ويحاول الاشتراكي بحسب مصادر سياسية لأسباب ومصالح خارجية توتير الاجواء وتظهير الانقسام الحكومي حول الزيارة والضغط على رئيس الحكومة وإحراجه لكي لا يغطيها، ما يدعو الى التساؤل بحسب المصادر عن حقيقة الدور المشبوه لرئيس الحزب الاشتراكي والقوات بسعيهما الدائم الى تعطيل أي قرار وطني يحقق مصالح لبنان الوطنية والاقتصادية، دونما تقديم اي خيارات بديلة لإنقاذ الاقتصاد ومعالجة أزمة النزوح بعيداً عن الانفتاح على سورية!

وحمل وزير الصناعة وائل ابو فاعور على باسيل بشدة خلال مسيرة «الاشتراكي» في ساحة الشهداء قائلاً: «تقلبون الطاولة على مَن؟ أنتم تحتكرون الطاولة ومَن عليها وأنتم أعجز من أن تقلبوا طاولة وأنتم عاجزون عاجزون عاجزون، تذهبون إلى سورية لتتوسّلوا الرئاسة، هناك مَن قال لكم إن الرئاسة تمر من دمشق، وآن الأوان لأن يقول لكم الشعب ارحلوا». وأضاف رداً على كلام باسيل: «لا تستحقون أن ننتظركم على ضفة النهر ولا على ضفة بستان صغير في قبرشمون». واللافت أكثر أن هجوم ابو فاعور لم يوفر رئيس الجمهورية بدعوته للاستقالة بشكل غير مباشر!

ولدى سؤال الصحافيين أبو فاعور أثناء عودته الى الجلسة عن مواقفه في التظاهرة قال: «ما قلته في التظاهرة لا يساوي 10 في المئة مما قلته في الجلسة قبل مغادرتي». وسُئل الوزير سليم جريصاتي عمّا اذا كان أحد من وزراء التيار قد ردّ على خطاب أبو فاعور، فأجاب: «لا أحدَ يستحق الرد». فيما لوحظ انشغال باسيل بشرب الشاي والحديث مع وزير الشباب والرياضة محمد فنيش طيلة مدة حديث ابو فاعور في الجلسة، كما حاول الوزير القواتي غسان حاصباني دعم الموقف الاشتراكي إلا أن وزراء التيار بحسب مصادر «البناء» استشعروا نية الاشتراكي والقوات استدراج التيار الى سجالات تدفع بالحريري الى رفع الجلسة وتظهير جو الانقسام حول سورية، وبالتالي دعوة الحريري الى صرف النظر عنه فآثروا عدم الردّ.

كما علمت «البناء» أن ابو فاعور طلب من الحريري تضمين كلمته في محضر الجلسة غير أن الحريري رفض عازياً ذلك الى أن الجلسة هي للموازنة فقط.

كما قال حاصباني إن الوضع في لبنان لا يحتمل زيارة سورية ولا الخروج عن الإجماع العربي واستعمال ملف النازحين كشمّاعة، محذراً من التداعيات السلبية لأي انفتاح على سورية ما يعرض لبنان لعقوبات. داعياً للاكتفاء بالقنوات الحالية للتواصل مع سورية التي لا تنتظر أحداً من لبنان ليخبرها بما يجب أن تفعله بشأن النازحين.

من جهته، قال وزير الدفاع الياس بوصعب لـ»البناء» «إننا لم نلمس اعتراضاً من رئيس الحكومة على زيارة سورية، وهناك وجهة نظر طرحت في الجلسة الماضية أنه فليذهب أحد الوزراء بمعزل عن مواقف الآخرين، كما لم يعترض أحد على ذهاب بعض الوزراء في الحكومة الى سورية ولم يُطرَح ذهاب جميع الوزراء أو وزير باسم الحكومة»، مضيفاً: «اذا كانت هناك حاجة لأن يقوم أي وزير بزيارة سورية لمصلحة لبنانية تتعلق بالنازحين او بالاقتصاد فلا أحد يمنعه لأن العلاقات الدبلوماسية مع سورية ليست مقطوعة».

في المقابل أشار وزير التربية أكرم شهيب لـ»البناء» الى ان «مجلس الوزراء هو مَن يقرّر أمر الذهاب الى سورية وليس أي وزير آخر، واذا اراد وزير زيارة سورية فتكون بصفته الشخصية وليس بصفة رسمية او حكومية، لأن ذلك يحتاج الى قرار من مجلس الوزراء»، ولفت الى أنه «اذا أراد باسيل زيارة سورية موفداً من رئيس الجمهورية كرئيس للتيار فهذا أمر آخر لكن التوافق والوفاق الداخلي أهم من اي زيارة».

النقاشات في مشروع الموازنة والإصلاحات لم يكن أقل حدة من الخلاف حول سورية، ففي حين أكد وزير المال علي حسن خليل قبيل الجلسة بأننا «نقترب أكثر من أي وقت مضى لإنجاز ملف الموازنة بما فيها الاتفاق على الإصلاحات وستكون الجلسة الاخيرة اذا ما عملنا بكدّ وجهد»، خرج من الجلسة غاضباً وقال: «نحن لسنا بدولة، الناس بوادٍ ونحن بواد آخر، هيدا بلد بيت بمنازل كثيرة». متّهماً بعض الأطراف بالتراجع عن التزاماتها وتعهداتها.

وعلمت «البناء» أن «الوزير باسيل قال خلال الجلسة إن التيار لن يوافق على موازنة بلا إصلاحات وليس بالضرورة ان تتضمن هذه الإصلاحات ضرائب».

وبحسب المعلومات أنه عند الحديث عن زيادة بعض الضرائب والرسوم كالضريبة على القيمة المضافة أثار غضب التيار الوطني الحر والقوات وطالبا بإصلاحات قبل الضرائب. فانزعج الحريري ورفع الجلسة.

وحذر وزير المال كما علمت «البناء» أنه «إذا ما استمرت عرقلة إقرار الموازنة وإحالتها الى مجلس النواب فسيعمد الى تسمية الأمور بأسمائها وتسمية المعرقلين».

بدوره، اكد وزير الاعلام جمال الجراح بعد الجلسة ان «هناك جلسة للجنة الإصلاحات وسيتم حسم الامور العالقة غداً اليوم ويجب أن ننجز الموازنة ضمن المهل الدستورية». وتابع: «هناك تلكؤ في إقرار بعض البنود المتعلّقة بمشروع قانون الموازنة. وهذا ينعكس سلباً ويؤخر إقرارها، خصوصاً أننا بوضع مالي واقتصادي ونقدي صعب والمطلوب المزيد من العمل والمسؤولية».

على صعيد آخر نفى الوزير محمود قماطي ما نقلته بعض المصادر عن تحرّك لحزب الله في الشارع ضد تمادي المصارف في تنفيذ سياسة العقوبات المالية الأميركية على حلفاء الحزب، وأكد لـ»البناء» أن «الحزب يدرس خياراته بدقة لكن الحديث عن تحرك في الشارع سابق لأوانه».

على صعيد أزمة الخبز، أكد رئيس نقابة اصحاب الافران والمخابز كاظم إبراهيم بعد لقائه الحريري، أمس «ان الحريري وعدنا خيراً وغداً اليوم سنفتح الأفران وسيكون يوم عمل عادي، وعلقنا الإضراب لـ 48 ساعة بانتظار تحرك الحريري». بينما انتقدت مصادر الوفد بحسب معلومات «البناء» موقف وزير الاقتصاد منصور بطيش الذي لم يستمع الى مطالبهم كما أكدت أن لا تغيير بكمية ربطة الخبز ووزنها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى