الهجرة إلى أوروبا بين تحذيرات اليونان بتصاعدها وإيجاد وسائل للتعامل معها

الهجرة كإحدى أخطر الظواهر الاجتماعيّة، هي عبارة عن انتقال الفرد من وطنه الأم إلى وطن آخر للعيش فيه. ولطالما كان هذا الملف الأكثر توتيراً ومثيراً للقلق الأوروبي خاصة في ظل عجز الحكومات عن حل هذه الظاهرة بجهود وطنية أو في أطر التحالفات والمنظمات الدولية، مثل «فاو» للأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.

وفي هذا الصّدد، صرّح المفوض الأوروبي لشؤون الهجرة، ديميتريس أفراموبولس، أمس، بأن «الاتحاد الأوروبي لا يطرح مسألة كيفية وقف تدفقات الهجرة، بل كيفية التعامل معها على النحو الأفضل».

وأوجز أفراموبولس، خلال إيجاز صحافي، حول نتائج عمله في منصب المفوض، مشيراً إلى أن «العمل المنجز خلال السنوات الخمس الماضية، جعل من الممكن إعداد المفوضية الأوروبية بشكل أفضل لمواجهة التحديات المستقبلية في مجال الهجرة».

ولفت إلى أن «الأحداث الأخيرة في شمال شرقي سورية أثبتت حقيقة أنه ينبغي علينا أن نكون مستعدين دائماً»، مشيراً أيضاً إلى أن «وضع تدابير في مجال الهجرة لم يكتمل بعد، وسوف يتطلب الكثير من الجهد والوقت».

وخلص أفراموبولوس بالقول «ولكن ينبغي علينا أن نكون صادقين: ستتواصل ظاهرة الهجرة في المستقبل، والسؤال لن يكون أبداً حول كيف يمكن إيقافها، بل ما هي أفضل طريقة للتعامل معها».

فيما أشار تقرير المفوضية، الذي تمّ توزيعه أمس، إلى أن «هناك حاجة لمزيد من العمل، بما في ذلك وتعزيز الضوابط الحدودية»، حيث إنه «في السنوات المقبلة، ستحتل الهجرة مكاناً مهماً على جدول الأعمال السياسي».

ووفقًاً للمفوضية الأوروبية، انخفض عدد حالات العبور غير المشروع لحدود الاتحاد الأوروبي إلى 150 ألف حالة في عام 2018 ، وهذا هو أدنى مؤشر منذ خمس سنوات.

وتعتقد المفوضية الأوروبية أن «هذه النتيجة أصبحت ممكنة، بسبب جملة أمور، بما في ذلك وبفضل اتفاقية الاتحاد الأوروبي وتركيا لعام 2016 بشأن تقديم المساعدة للاجئين في الأراضي التركية».

من جهته، حذر رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أن «على أوروبا أن تستعدّ لموجة جديدة محتملة من المهاجرين واللاجئين»، في مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس برس أمس، عشية مجلس أوروبي ينعقد وسط توتر كبير بعد الهجوم التركي على شمال سورية.

وبعد مئة يوم على تولي مهامه، صعّد ميتسوتاكيس اللهجة تجاه دول الاتحاد الأوروبي التي ترفض استقبال مهاجرين على أراضيها، في وقت باتت اليونان مجدداً هذه السنة البوابة الرئيسية لدخول المهاجرين إلى أوروبا.

وقال رئيس الوزراء المحافظ «يجب أن تكون هناك عواقب للذين يختارون عدم المشاركة في هذا التضامن الأوروبي».

وكان ميتسوتاكيس حذر في كلمة ألقاها في البرلمان اليوناني بأنه سيطلب إنزال «عقوبات محددة» بهذه الدول، من غير أن يذكرها بالاسم.

ومع تخطي عدد طالبي اللجوء في اليونان 70 ألفاً بينهم حوالي 33 ألفاً في جزر بحر إيجه القريبة من تركيا، وصف ميتسوتاكيس بـ»غير مقبول نهج دول عدة أعضاء في الاتحاد الأوروبي تعتبر أن المسألة لا تعنيها إطلاقاً».

وقال في المقابلة «لدينا بين ثلاثة وأربعة آلاف قاصر غير مصحوبين بذويهم في اليونان، لن يكون صعباً للغاية على الدول الأوروبية أن تأخذ على عاتقها جزءاً من العبء».

وكان رئيس حزب «الديموقراطية الجديدة» اليميني الذي خلف رئيس الوزراء اليساري ألكسيس تسيبراس في تموز، وعد بأن يطرح خلال أول مجلس أوروبي يحضره اليوم وغداً «مسألة تقاسم عبء الهجرة»، مؤكداً «لا يمكن تفادي ذلك.. اليونان غير قادرة على التعامل مع هذه المشكلة وحدها».

وتابع ميتسوتاكيس الذي تشكل الهجرة أحد «التحديات» الكبرى بوجهه، «إن نظرتم فقط إلى عدد المهاجرين الذين عبروا بحر إيجه هذا الصيف بالمقارنة مع الصيف الماضي، إننا نواجه المشكلة بنسب خطيرة».

وبحسب أرقام المفوضية العليا للمهاجرين، وصل أكثر من 46 ألف مهاجر إلى اليونان عام 2019، ما يزيد عن عدد الوافدين إلى إسبانيا وإيطاليا ومالطا وقبرص معا.

وحتى إن كان هذا الرقم لا يقارن بمليون لاجئ وصلوا إلى أراضيها عام 2015، فإن هذه الموجة الجديدة تعيد طرح مسألة استقبال اللاجئين في اليونان، ولا سيما مع اكتظاظ المخيمات التي أقيمت لاستقبالهم في جزر بحر إيجه، ما يجعلها عاجزة عن استقبال موجة جديدة من المهاجرين قد تتأتى عن الهجوم التركي على شمال سورية.

وندد ميتسوتاكيس بشدة بـ»التوغل» التركي في شمال سورية معتبراً أنه يثير «بؤرة جديدة لانعدام الاستقرار يمكن أن تثير موجة هجرة جديدة في أوروبا»، مع ورود مخاوف بأن يصل طالبو اللجوء الجدد عبر اليونان.

وسئل ميتسوتاكيس عن تهديد إردوغان بـ»فتح الأبواب» أمام 3.6 مليون لاجئ يقيمون في تركيا رداً على الانتقادات الأوروبية لهجومه في سورية، فرأى أنه «غير مقبول … أن تتعرّض أوروبا لمثل هذا الابتزاز».

وقال «نمرّ بمرحلة من الاضطرابات الشديدة وعلينا أن نوقف العاصفة» معتبراً أن «تنفيذ تهديد كهذا سيؤدي إلى تراجع العلاقات أكثر بين الاتحاد الأوروبي وتركيا».

وتابع «إن سلوك أنقرة يجعل معالجة مشكلة الهجرة أكثر تعقيداً»، مضيفاً «كان الاتحاد الأوروبي سخياً مع تركيا في الاتفاق الثنائي في آذار 2016 حول ضبط حركة الهجرة ، لا أعتقد أن تركيا تدرك ذلك بشكل تام».

ومسألة الهجرة هي برأيه «الأصعب اليوم» لأن اليونان غير قادرة على «ضبطها». وقال «إننا دعامة للاستقرار في منطقة مضطربة، لا يمكننا تغيير الجغرافيا لكننا بحاجة إلى مزيد من الدعم من أوروبا».

وطالب بـ»وسائل تكنولوجية لرصد سفن المهاجرين قبل انطلاقها من السواحل التركية»، أو بـ»تعزيز وكالة فرونتيكس الأوروبية لمراقبة الحدود»، والبحث في ما يمكن لهذه الهيئة أن «تفعل أو ألا تفعل» في بحر إيجه.

ومن المقرّر أن تُبعد الحكومة اليونانية حوالى 10 آلاف مهاجر إلى تركيا بحلول 2020، وأوضح ميتسوتاكيس أنه من أجل تحقيق ذلك «تقضي الأولوية الأولى بتسريع إجراءات اللجوء: حين لا يكون الوافد مؤهلاً للجوء، عندها تنبغي إعادته إلى تركيا» عملاً بما ينص عليه الاتفاق الذي توصل إليه الاتحاد الأوروبي مع أنقرة في آذار 2016.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى