قضية قومية… من مفاعيل سايكس بيكو بين «الإقرار السوري» و«الإنكار اللبناني» مزارع شبعا… تحت واقع الاحتلال
اعتدال صادق شومان
في بلد أرهقته الصراعات بما هبّ ودبّ.. لا يتوانى عن اختلاق الأزمات بأشكالها كافة.. ليظهر عمق التباين الحاصل بين الأطراف اللبنانية كافة..
آخر تلك التجاذبات، الجدل الشائك حول هوية مزارع شبعا الذي يصرّ البعض على تصنيفه ووضعه في خانة الملفات الخلافية، رغم أبعاده الوطنية والحقوقية وخطورتهما. وترتفع بشأن هذا الملف حدة التوترات كما الاجتهادات و»التصريحات» وتبرز الى السطح وتتأجج الخلافات القديمة منها والطارئة، على عادة اللبنانيين عند أي اشتباك داخلي أو سياسي، إقليمي أو دولي.. خاصة إذا كانت القضية قضية حقوق وسيادة، بمستوى قضية مزارع شبعا موضوع الإشكال. مع كل ما يدور حول هذه القضية الوطنية من التعقيدات والتعاريف المبلبلة، الا انها لا تقوى على تجزئة حقيقتها القومية أو إذابتها او محوها. وإن التباس الموقف عند البعض ليس دلالة وطنية ولن يكون، لكونها جزءاً متداخلاً مع الوحدة الجغرافية البديعة بواقع طبيعي وتاريخي لبيئة تكمّل بعضها بعضاً في وحدة حقوق ووحدة الوطن، وعدم قابلية تجزئتها سواء ما إذا كانت هذه المزارع خاضعة «للسيادة السورية»، أم ان الدولة اللبنانية هي مَن تخلّت عنها.. وإذا شملتها خرائط التحديد أو لم تشملها. يبقى الأمر الوحيد المؤكد أنها تخضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي من أعلى هضبة الجولان حتى سفوحه.
وما يشوب اليوم الساحة اللبنانية من أصوات «بازار» شاذة تطالب بشطب المزارع من «السجل العقاري» اللبناني أو إعادة ترسيمها من جديد.. خلافاً للموقف الرسمي للدولة اللبنانية وبعيداً عن السرب الوطني الذي يطالب بتحريرها كأرض تقع ضمن حدود لبنان الجنوبية المحررة في العام 2000 والتي لم يشملها التحرير ولا الانسحاب لأنها بحسب ادعاء «إسرائيل» هي جزء من الجولان الذي احتلته إثر حرب عام 1967 وضمته الى الاراضي المحتلة عام 1981 كجزء من احتلالها على فلسطين المحتلة. وهي خطوة التي لم تحظ باعتراف دولي. أما اليوم فالظرف مؤاتٍ لها خاصة بعد توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإعتراف «بسيادة» «إسرائيل» على الجولان تنفيذاً للقرار الدولي 497 الذي يدعو إلى انسحاب «إسرائيل» من الأراضي العربية المحتلة شاملاً بذلك مزارع شبعا على أساس أنها جزء من هضية الجولان المحتلة.
مزارع شبعا.. القضية التي انبرت لأجلها الأقلام لتوثق تفاصيلها في مقالات وإصدرات كتب بحقوق «محفوظة» تروي ألف باء القضية، بأرقام وإحداثيات ومصطلحات، الى جانب تشعباتها السياسية والعسكرية، ونقاط جغرافية على براميل «زرقاء»، وخرائط طبوغرافية وخطوط وهمية، ورجال لـ»يونفيل» ومثلهم لـ»اندوف» واستنكارات على هامش بيانات جامعة دول عربية، ومرافع دولية متناقضة في الموقف والتقدير، ومواكبة من وسائل الإعلام المرئي والمحلي والعربي….
والكل أدلى بدلوه بهذه القضية.. على رأي المثل القائل «ضاعت ولقيناها».. بكلام باطل. لا يرقى إلى مستوى الوطنية.. يراد به إحراج «سلاح» وإخراج مقاومة من أولوياتها الوطنية، وفك وحدة «مسار ومصير» على قاعدة تبني وتلاقي تلك «المخاوف» مع وجهة نظر «تل أبيب» التي تزعم أنها احتلت مزارع شبعا في فترة السيادة السورية عليها عام 1967.
أما في واقع الجغرافيا والتاريخ فهي ليست مجرد تخوم ضائعة او مشاع سائب. ولا تلغي من واقع امتدادها الطبيعي، وهي كما فلسطين كما الجولان.. أراضٍ لنا محتلة تحريرها واجب وطني وقومي..
وليست إثارة مشكلة حدودية بين لبنان وسورية بالادعاء أن مزارع شبعا خاضعة للقرارين 383 و224 اللذين صدرا بعد احتلال الجولان عام 1967، وبالتالي فإن التفاوض الدولي حول هذا الموضوع يكون حصراً مع الطرف السوري، بذريعة أن لا وجود لمشكلة حدودية مع لبنان. خاصة بعد أن رفضت بيروت الإذعان للقرار الأميركي وإصرار الدولة اللبنانية على تلازم رسم الحدود البحرية والبرية. فلم تجد الإدارة الأميركية أمام هذا التحدي إلا التفافة مكوكية على الفرقاء المعنيين. اعتمدت هذه المرة «تكتيك» «الإقناع القسري» تلويحاً بالقرار 1519 الممهور بختم مجلس الأمن والموسوم بالقرار المخادع، خاصة لجهة فرض السيادة المنقوصة على لبنان، في حين ما زالت مزارع شبعا محتلة. وخطها الأزرق يُخترق..
إلا أننا هنا لا نناقش في هذه المقالة دور سلاح المقاومة أو شرعيته، وحق لبنان بسيادته على كل أراضيه، من وجهة نظر المقاومة. وهو حق تحفظه شرعية المنظومة الدولية، كما تكفل الاتفاقيات الدولية هذا الحق، كاتفاقية جنيف واتفاقية لاهاي، إذ تنص هذه الاتفاقيات على شرعية القوات غير «النظامية» وأفراد المقاومة في حقهم بالدفاع عن أراضيهم.
لذلك يُمكن تفسير بنود هذه الاتفاقيات.. بالمعادلة الواضحة: طالما هناك احتلال.. هناك مقاومة.. لطالما هناك حرب، هناك سلاح مقاومة.
حملة مشبوهة: تدور رحاها على ثلاثة محاور بثلاثة قرارت دولية
أولاً- إصرار الأمم المتحدة على عدم ثبوتية لبنانية مزارع شبعا في محفوظاتها الرسمية. والادعاء بغياب الوثائق اللبنانية التي تثبت أن المزارع هي لبنانية لا سورية.
ثانياً- الادعاء بغياب الوثائق اللبنانية التي تثبت أن المزارع هي لبنانية.
ثالثاً: مطالبة الدولة السورية بإقرار خطي لا «شفهي» تنكر فيه ملكيتها للمزارع، وتقديم صك بملكيتها الى الأمم المتحدة.
– نبدأ من المحور الأول المتعلق بـ بالأمم المتحدة، والادعاء بعدم إثبات السيادة اللبنانية على المزارع موضوع الخلاف.
– بالنسبة لهذا المحور، نردّ الهيئة الدولية الى الدستور اللبناني في 1934 الذي ينص على «اعتماد الحدود اللبنانية التي أقرها مجلس الحلفاء الأعلى في سان ريمو من العام ذاته بترسيم حدوداً لدولة لبنان وهي غير قابلة للتغير». ونصت مادته الأولى «لبنان الكبير دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ». وهي الحدود التي أقرتها اتفاقية سايكس – بيكو 1916 التي شكلت الحدود المصطنعة لدول الهلال الخصيب فلسطين لبنان الشام – والعراق، وتم بموجبها تقاسمها ما بين بريطانيا وفرنسا، على اعتبار ان الانتداب مهمته مساعدة الشعوب تلك التي كانت تخضع للحكم العثماني سابقاً، للنهوض والتطوّر ليمكن الاعتراف بوجودها كأمم مستقلة، وذلك قبل ان يتحوّل الانتداب نفسه الى احتلالات. فجاء ترسيم للحدود اللبنانية – السورية بموجب صادر عن المفوض السامي الفرنسي، وتنص على أن الحدود بين سورية ولبنان هي حدود أقضية راشيا وحاصبيا واعتماد رؤوس القمم في جبل الشيخ حدوداً بين الدولتين» وليصار تثبيت نقاطه الحدودية من قبل قوى الانتداب بدءاً من أعلى قمة في الجبل المسمّى بـ «قصر عنتر» مروراً بالنشبة والمقبلة والفوار ومرج ابو عبدالله وبركة مرج المنّ، ضمناً نقطة الدرجة الحمراء شمال بلدة بانياس وهي مناطق ضمنها خراج مزارع شبعا وخراجها وخراج بلدة كفرشوبا وجزء من خراج الهبارية وشريط القمم ومن يومها لم يطرأ أي تغيير بالحدود عدا الاراضي التي خسرت بالحروب حرب 1969 وحرب تشرين 1973 .
ولا بد من الإشارة هنا ان الخريطة الأساسية لاتفاق نيو كمب – بوليه عام 1923، التي كشفت عنه وزارة الخارجية الفرنسية عنها في العام 2000 تبين الحدود المتفق عليها تماماً و لا بدّ أن لدى الأمم المتحدة نسخة منها .
وهذه هي الحدود ذاتها التي تبنّاها ايضاً «بروتوكول الإسكندرية»، أي بروتوكول تأسيس جامعة الدول العربية في العام 1944 وتحديداً في فقرة خاصة بـ لبنان «ان الدول العربية تؤيد استقلال لبنان وسيادته بحدوده الحاضرة أي الحدود التي أقرها مجلس الحلفاء الأعلى في سان ريمو من العام أنها «حدود لدولة لبنان وهي غير قابلة للتغير». وهو ما سبق لحكومات هذه الدول ان اعترفت بهذه الحدود.. وليس صدفة ان بيانات الجامعة العربية منذ تأسيسها الى يومنا هذا، تتضمّن فقرة تدعم سيادة لبنان على أراضي مزارع شبعا، وحقه بتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي.
نضيف الى ذلك.. في عام 1934 أودع اتفاق ثانٍ لدى عصبة الأمم المتحدة يظهر بدوره مزارع شبعا داخل الحدود اللبنانية، كذلك في الخرائط التي أعدّها مدير قسم الجيولوجية تحت الانتداب «دوتره» بإعداد خرائط جديدة وتظهر تلك الخرائط مزارع شبعا على أنها داخل الأراضي اللبنانية.
وكذلك جرى ترسيم آخر للحدود في العام 1949 أي بعد مضي 15 عاماً على خريطة 1934 . وهذه المرة تحت إشراف الأمم المتحدة جاء عقب اتفاق الهدنة بين لبنان والكيان المحتل، وجرى مسح جغرافي أظهر أن نقطة التقاء الحدود اللبنانية السورية – «الإسرائيلية» ليست عند نهر الحاصباني بل أكثر الى الشرق أي بألف متر من بانياس وبالتالي جعل مزارع شبعا داخل الأراضي اللبنانية.
واعتراف آخر من الأمين العام للامم المتحدة كوفي انان الذي ترأس المنظمة الدولية بين الأعوام 1997- 2006 يقر ان لبنان في العام 1977: أرسل الى المنظمة الدولية خريطة تظهر المزارع من ضمن الأراضي اللبنانية.
من جهة ثانية لا ندري في هذا السياق لماذا تجاهلت أو أغفلت عصبة الأمم اعتراف لبنان بحدوده الدولية التي ذكرتها آنفاً. فعلى سبيل المثال تمّ إغفال موقف الأمين العام للأمم المتحدة الذي جاء قاطعاً وعبر عنه في تقريره المؤرخ في 22/5/2000 والمرفوع الى مجلس الأمن، خاصة بما ذكره في الفقرة 16 من التقرير ونصه الحرفي: «وقد قامت حكومة لبنان بتزويد الأمم المتحدة بشهادات الملكية اللبنانية لأراضٍ زراعية وبوثائق تبين أن المؤسسات الحكومة والدينية اللبنانية مارست سلطات قضائية على هذه المزارع وقامت حكومة لبنان بإبلاغ الأمم المتحدة بوجود تفاهم مشترك بين لبنان والجمهورية العربية السورية بأنّ هذه المزارع لبنانية. وشمل ذلك قرار اللجنة اللبنانية – السورية وخلص في العام 1964 الى انّ المنطقة لبنانية..
-وفي مثال آخر، إقرار الأمم المتحدة بـ لبنانية المزارع، نراه في القرار الدولي رقم 425 الذي يدعو «إسرائيل» «إلى احترام سلامة لبنان الإقليمية وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دولياً!!؟، ومن هنا يدعوها «إلى التوقف فوراً عن عملياتها العسكرية ضد سلامة لبنان الإقليمية، وسحب جميع قواتها من الأراضي اللبنانية في العام 1978».. أي حدوده هي التي يحفظها دستوره والمعترف به دولياً هي التي يطالب بها القرار425؟
رغم ادعاء «إسرائيل» أنّها طبّقت القرار من خلال انسحابها من المنطقة الجنوبية اللبنانية في العام 2000، رغم بقاء احتلالها لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشرقي من بلدة الغجر.
وفي تناقض مستهجَن تعتبر الأمم المتحدة أن «إسرائيل» انسحبت من الجنوب اللبناني في العام 2000، لكنّها لم تحسم مسألة انسحابها من جميع الأراضي اللبنانية وتحديداً من مزارع شبعا. ولهذا فإنّ القرار 1701 الصادر عام 2006، دعا في الفقرة 2 حكومة «إسرائيل» الى سحب جميع قوّاتها من الجنوب اللبناني بالتوازي مع انتشار الجيش اللبناني فيه.
ونلفت هنا إلى أن إسرائيل لو كانت منسحبة بشكل كامل من لبنان كما يدّعي جنرالاتها، لماذا القرار 1701 وتحديداً الفقرة 2 منه يكرّر دعوتها فيه إلى الانسحاب من جميع الأراضي اللبنانية، وتطالب لبنان بممارسة سيادته على عموم منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وبلدة الغجر، من غير ان تفرض الأمم المتحدة حتى الآن أمر الانسحاب الفوري من الجانب الإسرائيلي!؟ مما يجعل المنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها الحرب وفي أي لحظة
لا بد هنا من الإشارة الى نقطتين تتعلقان بالموقف اللبناني الرسمي لجهة إغفاله بأن ثمة أراضي لبنانية محتلة ولم يعلن لبنان أن «إسرائيل» احتلت جزءاً من أراضيه تنفيذاً لبنود هذين القرارين الدوليين 242 و338، حيث القرار 242 صدر عن مجلس الأمن عام 1967 عقب الحرب التي نشبت بين «إسرائيل» وكل من مصر وسورية والأردن، علماً ان لبنان أصلاً لم يشترك بتلك الحرب التي تعرف بالنكسة؟ فلماذا تُقضم أراضيه بحرب لم يشارك في القتال فيها؟
والأمر نفسه أيضاً ينسحب على القرار 338 الصادر عن مجلس الأمن في أعقاب حرب تشرين 1973 التي شنّتها كل من مصر وسورية على «إسرائيل» لم يشارك فيها لبنان، لذلك حكماً أعتبر لبنان نفسه غير معنيّ بالقرارين المذكورين التزاماً منه باتفاق الهدنة مع «إسرائيل» الذي أقرّ في العام 1949.
لتبقى «إسرائيل» تلعب على منسوب التناقض والالتباس الذي وقعت فيه الأمم المتحدة بوضع مزارع شبعا تحت القرار 242 الذي ينصّ على «انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة»، أي أنها خاضعة لقوات الأمم المتحدة لفض الاشتباك «اندوف» كما في هضبة الجولان «السورية» وليس لقوات الأمم المتحدة الموقتة في جنوب لبنان «اليونيفل» وفق القرار 425.
وفي حادثة مشهورة بهذا الشأن، أنه عندما جاء غونار يارينغ أول مبعوث للأمم المتحدة بعد حرب 1967 وسأل حكومة الرئيس شارل حلو عن موقف لبنان من الـ242، أجابه وزير الخارجية يوسف سالم، بـ «أن لا دخل لنا به، لأننا لم ندخل في حرب حزيران 1967 ولبنان يتمسك باتفاقية الهدنة».
المحور الثاني: الموقف اللبناني.. بين ذاكرة الأهالي وأجندة.. تريد إسقاط ذريعة بقاء سلاح المقاومة.
يبقى القول اليقين عند أهالي مزارع شبعا الذين يحملون في باطن وجدانهم وذاكرتهم، أن أرض المزارع أرضهم التي اغتصبتها «إسرائيل» واقتلعتها منها، وحرقت بيادرهم وقتلت ماشيتهم.. هي أرضهم التي ولدوا فيها وعاشوا عليها وأكلوا وشربوا من خيراتها.. ويعرفون جيداً من هو العدو المغتصب.. ولا تعنيهم كل التجاذبات الدائرة بشأن لبنانيتها أو سوريتها..
أما الثابت السياسي.. وفق مندرجات الحوار والبيانات الوزارية للدولة اللبنانية، تؤكد أن مزارع شبعا ضمن الحدود اللبنانية. وأن لبنان يملك كل الوثائق التي تثبت ملكية أراضي مزارع شبعا و»لبنانيتها»، واتفاقية اللجان القضائية تثبت أن هناك إقراراً تاريخياً على لبنانية هذه المزارع، والوثائق التي تثبّت ملكية لبنان لمزارع شبعا موجودة في الدوائر العقارية اللبنانية.
وتبعاً لإفادات الأهالي وذاكرتهم الجماعية، ان الدولة اللبنانية مارست سلطتها الشرعية على منطقة شبعا ونطاقها، وأن «إسرائيل» لم تدخل هذه المزارع في حرب حزيران عام 1978 حتى عام 1990 مما يعني انتفاء حجة «إسرائيل» بأنها غنمت الأرض إثر الحربين المذكورين، بل دخلتها بعد 15 حزيران من ذلك العام، واعتمدت سياسة القضم البطيء حتى الاستيلاء التدريجي العام 1990.
يقول الأهالي إنهم كانوا يعتمدون لاستصدار سجلات أحوالهم الشخصية ومركز حفظها ومتابعتها في مركز القضاء في حاصبيا أو في مرجعيون، و ليس القنيطرة السورية وسِجل القرارات القضائية والإدارية التنظيمية تقع في منطقة صلاحية حاكم صلح حاصبيا.. وثمّة رخص بناء لمنازل في المزارع صدرت عن قائمقام مرجعيون وأصدرت المراسيم والقرارات لإحصاء المناطق الحرجيّة، ومن ضمنها غابات مراح الملول وبرختا ورمتا وبيت البواري والربعة وقفوة وزبدين واستوفيت الضرائب عن الأراضي من هذه المزارع أسوة بمثيلاتها كلها على الأراضي اللبنانية.
ويدّعي الأهالي، وادعاؤهم مثبت في الدوائر الرسمية اللبنانية ان الاتفاق المعقود بين شركة التابلاين الأميركية والجمهورية اللبنانية، مع الخرائط المرفقة، ثمة ذكر لقرية النخيلة اللبنانية، التي تقع ضمن مزارع شبعا وكان مقرراً أن تمرّ أنابيب النفط من الأردن الى الجولان مروراً بمزارع شبعا.
كما أن أهالي النخيلة وشبعا ومزارعها كانوا يشاركون في الانتخابات النيابية، وفي انتخابات البلدية والمخاتير والدليل على ذلك نال أحد أبنائها منصباً وزارياً في الحكومة اللبنانية في العام 1926هو نجيب الأميوني.
بل أكثر من ذلك بعث مختار قرية شبعا خالد الخطيب في أحد الأيام تحديداً في 21 شباط 1944 برسالة إلى رئيس الجمهورية، بشارة الخوري، يحتجّ فيها على قيام المسّاحين السوريين بمحاولة ضمّ قسم كبير من الأراضي اللبنانية لسورية ، مذكراً بأن الحد الطبيعي هو وادي العسل، وطالب بتأليف لجنة مختلطة لبنانية سورية للقيام بتحديد نهائي للحدود.
اما الموقف الرسمي اللبناني: فيتقاطع بين موقفين الأول تأكيد لبنانية المزارع عبر الوثائق والأدلة القاطعة، والاعتراف السوري بهذه اللبنانية.
الى جانب دعم المقاومة في تحريرها لكامل الأراضي «اللبنانية» المحتلة واعتبارها حقاً مشروعاً وليست إرهاباً.
ولعل الموقف الرسمي الأبرز في الدولة اللبنانية يسجل للرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود، الذي اعتبر انسحاب «إسرائيل» إثر اندحارها أمام ضربات المقاومة قي العام 2000 وانسحابها من الأراضي التي احتلتها «إسرائيل» في العام 1978 غير أن بقاءها في مزارع شبعا والذي اعتبره الرئيس لحود تحريراً منقوصاً «اذ لم يسترد لبنان سيادته على كامل أراضيه».
الإقرارالسوري.. بين المرسوم والترسيم الإبرام السياسي.. والحائل القانوني
في الحقيقة وفي الواقع التاريخي والحقوقي ان «قضية مزارع شبعا» هي من نتاج الاستيطان الإسرائيلي التوسّعي على أرضنا. وهذا تدركه جيداً الدولة السورية، وليست المسألة كما توحي مسألة من لديه خرائط ملكيتها التي هي في الأصل من وضعها جنرالات الاحتلالات على مختلف تسمياتهم.
ويراد اليوم لهذه المزارع أن تكون موضع نزاع بين لبنان وسورية، في تماهٍ بين الموقف الدولي من جهة وبين الموقف الأميركي وموقف «إسرائيل» التي تستغل هذا الواقع وتبقي على احتلالها للمزارع.
يأتي هذا الأمر ضمن المجريات الأخيرة على الساحة الدولية والمحلية، لجهة مسألة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و»إسرائيل» برعاية الولايات المتحدة والتي وُوجهت بإصرار اللبنانيين على ترافق ترسيم الحدود البحرية والبرية معاً، مشدّدين على وجوب التلازم بين المسارين على أن ترعى الأمم المتحدة آلية التحكيم، الأمر الذي رفضه الأميركيون وغايتهم من ذلك فصل مسار التفاوض اللبناني عن مسار التفاوض السوري تخوّفاً من ان تمارس سورية استراتيجيتها الثابته بدعم المقاومة.
ومع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب على وثيقة تعترف من خلالها واشنطن بسيادة «إسرائيل» على الجولان السوري المحتل الذي يشمل وفق التعريف الإسرائيلي مزارع شبعا. وبالتالي تخضع المزارع للقرار الدولي رقم 497 الخاضعة لقوات الأمم المتحدة لفض الاشتباك «اندوف» وليس لقوات الأمم المتحدة الموقتة في جنوب لبنان «اليونيفل» وفق القرار 425، والذي يقول الاحتلال الإسرائيلي إنه طبّقه في العام 2000 عند انسحابه من الجنوب اللبناني، كذلك الأمم المتحدة تعتبر عملياً أن القرار نفذ بعكس الإجماع لبنان الرسمي الذي يعتبر ان من تفاصيل القرار 242 الذي يدعو الى الانسحاب الكامل من الاراضي العربية التي احتلها العدو بـ حرب يونيو1967 وحرب اكتوبر 1973، عدا عن تصاريح للمسوؤلين السوريين في أكثر من مناسبة لا مجال لتعدادها هنا، كلها مواقف تفيد بأن «سورية تدعم ادّعاء لبنان ملكية المزارع».
وبعكس ما يشيع على أن المسألة ليست بين لبنان وسورية بل بين لبنان والاحتلال «الإسرائيلي»و لا بد من إنهاء الاحتلال الإسرائيلي حتى تتمكن دمشق وبيروت من «ترسيم الحدود».
وكون مزارع شبعا هي أراضٍ «محتلة» لذا هي قضية لا تقف عند كونها مجرد نزاع بين بلدين على تنفيذ قرار دولي، بل تشكل ملفاً يختزن الكثير من مقوّمات إدارة الصراع ومناورته، بشموله التاريخي الاستراتيجي، والأخطر نزع أحقية لبنان ومشروعية مقاومته لتحرير ما تبقى من أرض محتلة.
وما تطالب به سورية وتدعمه ان «يطالب لبنان» باسترداد هذه المزارع من «إسرائيل» ويؤكد ملكية لبنان لها، على اعتبار ان المشكلة الأساسية والوحيدة تكمن في الاحتلال «الإسرائيلي» لمزارع شبعا، بدل تصويرها على أنه خلاف بين لبنان وسورية. وما عليها الا الانسحاب فوراً.. فلتنسحب «اسرائيل».