أول إنجازات الانتفاضة الشعبية العفوية… إلغاء الضرائب وتوحّد اللبنانيين

حسن حردان

انتفضت الأكثرية الصامتة من اللبنانيين فتوحدوا من كلّ الطوائف والمناطق ونزلوا إلى الشوارع في صرخة واحدة ضدّ سياسة الحكومة الضرائبية التي تطال الطبقات الشعبية.. الشرارة التي أشعلت الانتفاضة العفوية في الشارع كانت نتيجة ابتداع وتفنن وزير الاتصالات في فرض ضريبة على اتصالات الواتس أب، في تمادي فاضح وسافر في تحميل عامة المواطنين أعباء جديدة تزيد من حدة الأزمة المعيشية التي يعاني منها غالبية اللبنانيين.. والأنكى من ذلك أنّ هذه الضريبة تطرح في سياق سلة من الضرائب يجري نقاشها في الحكومة لإدراجها في موازنة ٢٠٢٠، وتشمل زيادة الضرائب على صفيحة البنزين والقيمة المضافة، والدخان، رفع الحسومات على الرواتب التقاعدي إلخ…

أول إنجازات انتفاضة الغضب الشعبي، توحّد المواطنين على اختلاف انتماءاتهم في مواجهة الطبقة السياسية التي أفقرتهم.. وهو أمر غير مسبوق في تاريخ لبنان الحديث، ان يخرج اللبنانيون بهذه الأعداد الكبيرة وتحت شعارات واحدة تجمعهم.. مما فاجأ وأربك السلطة السياسية التي لم تكن تتوقع حصول هذا الانفجار الشعبي وتمرّد الناس على أحزاب السلطة والزعامات الطائفية التي كانت تعتقد أنها تستطيع التمادي في سياساتها الاجتماعية الليبرالية الجائرة والمتوحشة من دون أن تواجه مثل هذا الغضب الشعبي العارم.

اما ثاني الإنجازات فهو إجبار وزير الاتصالات ورئيس الحكومة سعد الحريري على التراجع نهائياً عن فرض ضريبة على اتصالات الواتس أب. وكذلك تعهّد الرئيس الحريري عدم فرض ضرائب جديدة في موازنة ٢٠٢٠…

وثالث إنجازات الانتفاضة الشعبية العفوية هو تعرية الطبقة السياسية، ووضعها أمام خيارات البحث عن سبل الخروج من الأزمة، بعيداً عن المسّ بجيوب اللبنانيين، تقضي بإجراء إصلاحات حقيقية، وهو أمر لم يعد يصدّقه أحد من اللبنانيين الذين خبروا هذه الطبقة السياسية الحاكمة وسياساتها في تشريع الفساد ونهب المال العام وحماية الفاسدين الذين أثروا، خلال وجودهم في سدة المسؤولية في الدولة، ثراء غير مشروع… في حين انّ هذه السياسات ادّت إلى إغراق البلاد بالديون والعجز.. وزيادة كلفة المعيشة وإضعاف القدرة الشرائية للمواطنين على نحو خطير لم يسبق ان حصل في السابق.. أو استقالة الحكومة، وتشكيل حكومة جديدة من الأكثرية تنفذ خطة طوارئ اقتصادية تشمل إصلاحات تلبّي مطالب الغالبية الشعبية وفي طليعتها استعادة أموال الدولة المنهوبة من قبل الفاسدين.. وفرض ضرائب على أرباح المصارف وإلزامها بتحمّل قسم من معالجة الأزمة المالية عبر حسم جزء من الدين المستحق لها، بعد استعادة أصل الدين بفعل الأرباح الخيالية التي حققتها من الفوائد المرتفعة والهندسات المالية التي أجراها حاكم مصرف لبنان لمصلحة بعض المصارف الكبرى..

على أنّ بيان الرئيس الحريري لا يوحي أنه يريد التراجع عن نهجه الاقتصادي المالي الليبرالي الذي أنتج الأزمات.. بل انه عمد إلى تحميل المسؤولية لشركائه في الحكومة لعدم الموافقة على خطته الإصلاحية لخفض العجز وتامين مجيء قروض سيدر.. وهو أعطى هؤلاء الشركاء مهلة ٧٢ ساعة للاستجابة لخطته.. وهي خطة ترفض المسّ بمصالح الطبقة الرأسمالية الريعية، وتصرّ على مواصلة السياسات التي أشاعت الفساد ودمّرت الإنتاج وادّت الى تراكم الديون وخنق الاقتصاد وتوليد الأزمات الخدماتية والاجتماعية والبطالة وارتفاع جنوني في الأسعار وكلف المعيشة التي لم يعد يستطيع احتمالها الشعب.. ولهذا فإنّ ردّ المتظاهرين على الرئيس الحريري جاء سريعاً برفض عرضه الذي وصفوه بالمناورة، ودعوته الى الاستقالة والمطالبة بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات جديدة لإعادة تشكيل السلطة وتغيير النظام الطائفي.. ويبدو انّ بيان الحريري ترافق مع سيادة شعور بأنّ هناك محاولات لإخراج التظاهرات عن طابعها السلمي وحرفها عن مسارها وهدفها الحقيقي، عبر افتعال أعمال تخريبية مقصودة ضدّ الأملاك والمؤسسات الخاصة والعامة في وسط بيروت لتبرير قمع التظاهرات، وبالتالي دفع الناس إلى الامتناع عن الاستمرار في التظاهر…

لكن المتظاهرين ادركوا أهداف هذه الأعمال التخريبية والتي أعقبتها عمليات قمع من قبل قوات مكافحة الشغب التي أطلقت الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع، في محاولة لإنهاء التظاهرات.. وهو ما ردّ عليه المتظاهرون بتزخيم التظاهر، والإصرار على البقاء في الساحات الرئيسية..

من هنا يزداد انعدام ثقة الناس بالسلطة السياسية ونوياها.. وهو ما دفع المتظاهرين إلى رفع سقف المطالب بعدم القبول بأقلّ من استقالة الحكومة وحلّ البرلمان.. لذلك فإننا أمام أزمة عميقة لا يمكن حسم الاتجاه الذي ستسلكه.. هل تنجح الحكومة في المراهنة على المماطلة لقمع وفضّ التظاهرات للعودة بعدها إلى اجتماعات الحكومة والاستمرار في سياسة شراء الوقت من خلال عدم فرض ضرائب لامتصاص غضب الناس.. وفي نفس الوقت عدم إعادة النظر في السياسات الاقتصادية والمالية القائمة، وإجراء إصلاحات.. أم تفشل في ذلك وتستقيل الحكومة وتشكل حكومة جديدة من الأكثرية تنفذ خطة طوارئ اقتصادية تلبّي مطالب اللبنانيين بدءاً من استرداد أموال الدولة المنهوبة وتحصيل حقوق الدولة في الأملاك البحرية والنهرية والعقارية، ومحاربة الفساد، وإعادة النظر بالقانون الضريبي غير العادل.. والانفتاح رسمياً على الدولة الوطنية السورية لإعادة التعاون الاقتصادي وتأمين تصدير الإنتاج الوطني إلى العراق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى