أردوغان في سوتشي ومحاولة لحفظ ماء الوجه
سماهر الخطيب
يتوجه أردوغان إلی روسيا اليوم في الثاني والعشرين من تشرين الأول، بغرض إجراء مباحثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
فيما تظهر الحاجة الملحّة لكل من روسيا وتركيا لوضع النقاط على الحروف في الوضع الجديد الناجم عن اتفاق أنقرة مع واشنطن على المنطقة الأمنية في الشمال السوري.
وبالتالي ستكون سورية في قلب المحادثات وعلى رأس الأولويات الحالة في شمال شرق سورية، عقب تعليق عملية «نبع السلام» لمدة خمسة أيام.
وليس خافياً على أحد بأنّ وضع الرئيس التركي، الآن، هو الأصعب على الإطلاق، إذ لم يعد بمقدوره اللعب على الحبال الروسية والأميركية، كما أنّ قرار وقف «نبع السلام» لمدة 120 ساعة لم يكن بالأمر السهل بالنسبة إليه، وخاصة في الداخل التركي وما أراد جلبه من مكاسب يسجلها في خانة تداعيات حضوره الداخلي انعكست عليه سلباً وزادت في الطين بلّة وأصبح كما جحا وجرّة العسل فارغ الوثاق لم يجن العسل ولم تتحقق أحلامه بالاعتداء علی خزان سورية الغذائي الخصب والغني بالثروات الجوفية من النفط والغاز ما فعل أسلافه من قبل في لواء اسكندرون..
فباتت تلك الهدنة «هدنة قسرية»، تعكس «معاناة» أردوغان الذي أراد أن يحمل جميع الأوراق مرّة واحدة فلم يجد صدى لصوته الصادح بنصر لطالما علا صوته مع حناجر جنرالاته بأن يحصلوا عليه ليترجموه في بلوغ منطقة أمنية بعمق 30 كم وطول 120 كم على طول الحدود السورية التركية، أرادوها في غضون أيام..
لكن الرياح تجري بما لا تشتيه سفينة أردوغان فتعثرت طموحاته في اليوم الرابع من عمليته أي في 13 تشرين الأول، حيث جاء اتفاق قيادة قوات سورية الديمقراطية مع الدولة السورية، وبضمانة روسيا كالصاعقة التي نسفت ما رسم إليه من أوهام…
وبالتالي ولفهم فحوى ومضمون هذا الاتفاق والضمانة الروسية عاد أردوغان خالي الوثاق قابلاً لدعوة بوتين في محاولة منه لإيجاد إجابات حول ما يدور في رأسه من متاهات حالمة وأسئلة نادمة ففي سوتشي يريد أردوغان قطع الشك باليقين عبر انتهال معرفة أكثر تفصيلاً بشروط اتفاق «قسد» مع دمشق. هذا إذا ما أراد الجانب الروسي الكشف عنها وتطمين بال شريكه التركي الذي بات مكشوفاً أمام روسيا وباتت ألاعيبه الهادفة لتحقيق الأرباح وتسجيل الأهداف في مرماه التوسعي معروفة وأكثر من معرفتها باتت روسيا قادرة على إدارة أردوغان وفق استراتيجيتها الهادئة والهادفة لترسيخ مبدأ السيادة وعدم التدخل في شؤون الغير وإعادة الجدوى الفعلية للقانون الدولي المنتهك أميركياً وبالتالي حلفاء أميركا..
وأبسط دليل على تلك الاستراتيجية الروسية لكونها منذ تسع سنوات وإلى اليوم لم تأت على ذكر بقاء الأسد أو رحيله بل بقاء الدولة السورية بمؤسساتها وعدم التدخل في شؤونها والحفاظ على وحدة أراضيها. وهذا ما يعني إلغاء كل ما يرسم بمخيلة أردوغان من توسع واحتلال تحت أي عنوان أو أي حجة. فالحجة الدامغة الروسية هي وحدة الأراضي السورية..
وفي العودة إلى الاتفاق بين قسد ودمشق فقد نشرت تقارير عن اتجاه جزء من وحدات حماية الشعب الكردية إلى الاندماج في الجيش السوري. كما تمّ تسريب معلومات حول إمكانية توفير الحكم الذاتي للأكراد في عداد الجمهورية العربية السورية، إذا أعادوا النظر في علاقاتهم مع الولايات المتحدة وابتعدوا عنها نهائياً..
ومن الأمور التي سيحملها أردوغان في حقيبته إلى سوتشي كتحصيل لإحدى أوراقه وعدم خسارتها جميعاً أمام حزبه وجمهوره، هو التحقق من استمرار وقف إطلاق النار في إدلب والساري المفعول منذ من 31 آب، والذي يتم احترامه عموماً لتجنب خطر التورط في حرب على جبهتين سوريتين…
أما موسكو، فلديها ما تقوم بمباحثته مع أنقرة وممثلها أردوغان، وبالتالي يمتلك بوتين مهامه الخاصة لاجتماع اليوم، وأول هذه المهام تأكيد ضرورة استبعاد أي خطر لحدوث مواجهة بين الجيش التركي والجيش السوري.
وبالتالي سيطلب من تركيا ضمانات صارمة لمنع أي استفزازات من مقاتليه الذين أنشأهم تحت اسم «الجيش الوطني السوري» في اتجاه المواقع السورية، والمناطق التي سبق أن سيطر عليها الجيش السوري، شمال شرقي البلاد.
والتعويل على موافقة أردوغان المسبقة هو إرادته بإيجاد شيء ما يحفظ به ماء الوجه عقب فقده الإجابة عن الأسئلة التي توجهها له دول العالم كافة إزاء هجومه العسكري علی شمال سورية. واعتباره احتلالاً بكل معنى الكلمة بالرغم أنه قد بدأه بأخذه الضوء الأخضر الأميركي إنما حتى ترامب بات أحد منتقديه ما أدی إلی فرض حظر أميركي علی تركيا.
كذلك الدول الأوروبية ألقت باللوم علی عمليات أردوغان مع توجس غربي بشأن إطلاق سراح «الدواعش» المحتجزين في سجون قسد، ونزوح ملايين المشردين إلی أوروبا ولطالما كان هذا الملف الأعتى والأكثر إنهاكاً لقادة أوروبا..
من هذا المنطلق يبدو أن التدخل الروسي المتمثل في العامل الضامن بين قوات سورية الديمقراطية والدولة السورية وتسليم تلك المناطق التي كانت قد سيطرت عليها قوات قسد إلی الجيش السوري منذ أيام قد بعث الأمل بشأن الدبلوماسية الروسية في إدارة الأزمة التي عصفت بشمال سورية.
وهذا معناه أنه وفق الاستراتيجية البوتينية لإنهاء أزمة الشمال السوري فقد أُخذت بالحسبان هواجسُ أردوغان الأمنية مع التوفيق بينها وبين الحفاظ علی سيادة ووحدة الأراضي السورية علی حد سواء في دور الإطفاء الذي يعمل على إخماد
الأزمة المشتعلة في الشمال السوري..
ويتمثل الحل الذي تعتزمه روسيا في العودة إلی اتفاقية أضنة 1999 التي جری عقدها بين سورية وتركيا، ووفق هذه الاتفاقية فبإمكان تركيا أن تحظی بإمكانية مطاردة الإرهابيين علی مدی 5 وحتی 10 كيلومترات داخل الأراضي السورية وفي الوقت نفسه ستتحكّم سورية في جميع أراضيها.
ويبدو أنه في ظل النهوض بهذه الاتفاقية ستحقق وعود أردوغان بشأن توفير أمن حدود بلاده، كما أن سورية ستحتفظ بسيادة أراضيها وأخيراً بعض الأكراد الذين يعانون هذه الأيام من طعن أميركي مؤلم في ظهورهم سيعودون إلی حضن الوطن.
وإذا ما تحققت الاستراتيجية الروسية في الوصول إلى رؤيتها في حل الأزمة، فستكون رسالة لأميركا ستفهم منها بأنها ليست وحدها اللاعب المؤثر في المنطقة وبالتالي ستصل الرسالة عبر أميركا إلى حلفائها الغربيين بأنه يتوجب عليهم إعطاء دور لروسيا أكثر تأثیراً في ما يخص القضايا الأمنية في المنطقة.. والرسالة موصولة إلى بعض الدول العربية بأن تعيد النظر في تبعيتها المطلقة للولايات المتحدة الأميركية..
ويبقى أن نری كيف سيتعاطی أردوغان بالمقترح الروسي في سوتشي بعد أن باتت تركيا كما غيرها أداة أميركية لتحقيق المصلحة العليا للنرجسية الأميركية دون استثناء أحد من حلفاءها في حين أثبت الروسي تمسكه بحلفائه وعدم استخدامهم لتحقيق مصالحه كما نظيرته الأميركية وفي حال رحّب أردوغان، وهو الحال المرجّح، فمتی سينفذه علی أرض الواقع؟