إنجاز جديد للانتفاضة الشعبية العفوية…
حسن حردان
بعد أن نجحت الانتفاضة الشعبية العفوية في إجبار الحكومة على إلغاء ضريبة «الواتساب» وتوحيد اللبنانيين في مواجهة السياسات الحكومية التي أفقرتهم.. تمكّنت الانتفاضة الشعبية العفوية العابرة للطوائف، من خلال استمرارها بزخم شعبي كبير في كلّ المناطق قاطبة، تمكّنت من إجبار رئيس الحكومة سعد الحريري والأطراف الرئيسية المشاركة في الحكومة على الرضوخ لمطالب الشعب بالتوصل إلى اتفاق على ورقة إصلاحات لمعالجة الأزمة، والتخلي عن فرض ايّ زيادات ضرائبية على عامة الناس.. ومسارعة الحكومة إلى إقرار موازنة 2020 بـ 0.6 بالمئة عجز.. وهو ما كان بالإمكان حصوله قبل الانتفاضة.. وكان لافتاً انّ الورقة الإصلاحية تضمّنت إشراك المصارف ومصرف لبنان في تحمّل جزء من أعباء حلّ الأزمة المالية، انْ كان عبر المساهمة بمبلغ 3.5 مليارات دولار أو عبر المساهمة في حلّ أزمة الكهرباء والنفايات. أو من خلال فرض ضرائب على أرباح المصارف، واستعادة حقوق الدولة في الأملاك البحرية والنهرية بعد إعادة النظر في تثمينها، وإعادة العمل بقروض الإسكان، وإقرار ضمان الشيخوخة.. وخفض رواتب الوزراء والنواب الحاليين والسابقين بنسبة خمسين بالمئة.. وتقليص موازنات صناديق مجلس الإنماء والجنوب والمهجرين بنسب تصل إلى 770 بالمئة، ووضع قانون لاستعادة الأموال المنهوبة إلخ…
هذ الإصلاحات، على الرغم من أنها لا تلبّي سوى جزء من مطالب الشعب، إلا أنها ما كانت لتحصل لولا قلق الطبقة السياسية وخوفها من تدحرج الأوضاع نحو تهديد مصالحها، ونفوذها السياسي، ولهذا فضلت هذه الطبقة هي وأرباب المصارف والبنك المركزي تقديم بعض التنازلات من كيسها، لاحتواء غضب الناس.. فالانتفاضة فاجأت الطبقة السياسية وكسرت كلّ الحواجز الطائفية والمناطقية والحزبية.. ولم تنجح بعض الأحزاب، التي حاولت التنصّل من المسؤولية عن مشاركتها في إنتاج السياسات المالية والاقتصادية وإشاعة الفساد والتشجيع على استباحة المال العام.. لم تنجح في ركوب موجة الانتفاضة الشعبية ومحاولة حرفها عن مسارها المطلبي الاجتماعي الاقتصادي، من خلال السعي الى توظيفها التصويب على المقاومة والعهد في سياق تنفيذ أجندات أميركية تستهدف إحداث تحوّل سياسي في لبنان لمصلحة واشنطن وتل أبيب.. ويبدو انّ هذه المحاولة التي قادتها القوات اللبنانية من خلال استقالة وزرائها فشلت في التأثير على تماسك الحكومة ودفع رئيسها سعد الحريري إلى الاستقالة لأنه أدرك خطورة ذلك على مصالحه الاقتصادية والمالية في البلاد واستطراداً على نفوذه السياسي.. ووجد انّ البقاء في رئاسة الحكومة وتقديم التنازلات للبنانيين أفضل له من الاستقالة..
وإذا كان قرار الحكومة باعتماد بعض الإصلاحات الاقتصادية في ساحات التظاهر لم يلق تجاوباً لانعدام ثقة الناس بالحكومة لا سيما أنه تبيّن للناس انّ السرعة في اتخاذ بعض الإجراءات لحلّ أزمة الكهرباء ومشكلة قروض السكن وإلزام المصارف في تحمّل بعض العبء، قد كشف وفضح انّ الحكومة كانت هي المسؤولة عن استمرار هذه الأزمات وعرقلة حلها، وبالتالي تتحمّل المسؤولية عن السبب في الدين المتراكم على مؤسسة كهرباء لبنان، طوال السنوات الماضية، والذي بلغ نحو 37 مليار دولار من مجموع الدين البالغ نحو 90 مليار دولار.. لهذا فإنّ الحكومة مطالبة اليوم بإثبات مصداقيتها في تنفيذ رزمة الإجراءات التي أعلنتها لإقناع الناس..
على أنّ هذه الإجراءات يجب أن تقرن أيضاً بسلسلة من الخطوات الضرورية لمعالجة جذور الأزمة عبر إعادة النظر بالسياسات الاقتصادية والمالية التي تسبّبت باختناق الاقتصاد واستطراداً تسبّبت بالاختناق الاجتماعي.. هذه الخطوات تتطلب دعم وحماية الإنتاج الزراعي والصناعي والمسارعة الي الاتصال رسمياً بالحكومة السورية لتأمين خفض الرسوم على تصدير الإنتاج اللبناني الى الأسواق العربية عبر سورية لا سيما الى العراق.. إلى جانب قيام الدولة باستيراد النفط والغاز مباشرة من دول صديقة، واعادة تشغيل مصفاتي الزهراني وطرابلس..
لكن من الواضح أنّ الحراك الشعبي العفوي ليس لديه قيادة وبرنامج للتغيير قادر إذا استقالت الحكومة ان يؤمّن بديلاً يحول دون ذهاب البلاد الى الفراغ، وبالتالي الانهيار الاقتصادي وتفاقم الأزمة الاجتماعية على نحو خطير.. ولهذا قد يكون الخيار الأكثر واقعية ويصبّ في مصلحة البلاد هو الاستمرار في التحرك الشعبي السلمي في الساحات الأساسية لضمان تنفيذ الإصلاحات وإجبار الحكومة على اتخاذ المزيد الخطوات الإصلاحية التي يطالب بها المواطنون ومنع أيّ مماطلة او تسويف في تنفيذ ما وعدت به الحكومة، مع فتح الطرقات لتسهيل الحركة الاقتصادية وشؤون الناس الحياتية ومصالحهم.. وذلك لقطع الطريق على محاولات بعض الأطراف السياسية والمرتبطين بأجندات خارجية لإثارة الفوضى…