بوتين في تركيا: هل من تأثير على مواقف أردوغان؟
حميدي العبدالله
يتساءل كثيرون عما يمكن أن تحققه زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومحادثاته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولا سيما لجهة الموقف التركي من الأزمة السورية، حيث أنّ موسكو وأنقرة تتخذان مواقف متناقضة تماماً من الأزمة، ففي حين يدعو الرئيس التركي إلى إطاحة النظام في سورية بالقوة العسكرية وبالتدخل الخارجي، ويدعو إلى إقامة مناطق حظر جوي ومناطق آمنة للمعارضة، فإنّ روسيا تدعو إلى حلّ الأزمة عبر حوار سوري سوري بعيداً عن التدخلات الخارجية.
اللقاء على مستوى القمة ليس الأول بين المسؤولين الروس والأتراك منذ اندلاع الأزمة السورية، ولكن جميع اللقاءات السابقة لم تترك أيّ أثر على مواقف الطرفين، فلا مساعي تركيا نجحت في تغيير الموقف الروسي من الأزمة، ولا مساعي روسيا نجحت في تغيير الموقف التركي، والأرجح أنّ نتائج الزيارة الجديدة لن تختلف عن الزيارات السابقة، وإذا كان هناك من اختلاف فهو بسبب اختلاف السياق السياسي العام، وليس تغيير في مواقف الطرفين، والمقصود بالتغيير في السياق العام، أيّ أنّ الولايات المتحدة التي قادت التحالف ضدّ سورية في السنوات الماضية لم يعد من ضمن أولوياتها الآن العمل على إسقاط النظام، كما كان عليه الحال في السنوات الثلاث الماضية، اليوم الولايات المتحدة ترى أنّ الأولوية لمحاربة «داعش»، وتمارس أشكالاً مختلفة لإقناع تركيا بالانضمام إلى هذا التحالف، ولكن من دون نجاح، وبديهي أنّ التوتر الذي تشهده العلاقات الأميركية التركية على خلفية هذه المسألة ستكون حاضرة في خلفية القمة الروسية التركية، لكن ليس من أجل تغيير مواقف الحكومة التركية من الأزمة السورية، أو تغيير موقف روسيا منها، بل تجاوز هذه المسألة نحو استقواء كلّ دولة بالدول الأخرى للوقوف في وجه الولايات المتحدة، أيّ أنّ تركيا أردوغان هي بحاجة اليوم إلى التلويح بورقة تطوير وتوطيد العلاقات مع روسيا للضغط على الولايات المتحدة لتغيير موقفها من تركيا وتخفيف ضغوطها عليها لجهة ضرورة الالتزام بمحاربة «داعش» وتقديم الدعم الكامل للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. كما أنّ روسيا بحاجة إلى استخدام ورقة توطيد العلاقات مع تركيا للضغط على الولايات المتحدة والحكومات الغربية التي فرضت عقوبات اقتصادية كان لها أثر سلبي على الاقتصاد الروسي كما اعترف بذلك مسؤول روسي كبير في الحكومة الروسية، وفي ضوء هذه الاحتياجات المتبادلة فالأرجح أنّ الأزمة السورية لن تكون في صلب محادثات بوتين مع أردوغان، وسيكتفي الرئيسان بتبادل وجهات النظر حولها، ولكن من دون أيّ تغيير في مواقفهما. والأمر ذاته ينطبق على ملفات أخرى مثل الوضع في العراق والملف النووي الإيراني.
والأرجح أنّ الجزء الهامّ من المحادثات سيتركز على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، لأنّ روسيا تحتاج إلى ذلك في سياق سياسة البحث عن بدائل للعلاقات مع الغرب بعد العقوبات، وتركيا للتعويض عن خسائرها الاقتصادية في سورية والعراق وليبيا ومصر جراء سياستها القائمة على تغذية الاضطراب والحروب والتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، حيث لم يبق لتركيا من صديق سوى دولة قطر، ومعروف أنّ الاقتصاد التركي سجل أول انكماش منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم.