اللقاء – الاتفاق المستحيل… المقاومة إرهاب! الإرهاب مقاومة!
محمد ح. الحاج
مطلع الثمانينات، يوم ارتكبت عملاء الاستخبارات الغربية وعصابات «الإخوان» مجازرهم في حلب ودمشق وغيرها من مدن سورية، يوم استهدفوا الأحياء الآمنة وحافلات النقل العام بين المحافظات، قال الجميع: هو الإرهاب، وصمت العالم…! ويوم تصدّى رجال المقاومة اللبنانية لقوات العدو الصهيوني على الأرض اللبنانية… ارتفعت عقيرة الإعلام الغربي بصوت عال: هذا إرهاب، لأنّ المستهدف هو قواهم التي جاءت لتثبيت أقدام العدو الصهيوني وشدّ أزره وفرض اتفاقيات الإذلال على المنطقة.
هكذا بدأت لعبة التناقضات والتسميات، وبما أنّ المقاومة مشروعة في وجه الاحتلال بموجب القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة، فقد كانت المبادرة السورية بالدعوة إلى مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب، وتمييز المقاومة المشروعة، واعتماد ذلك في التعامل الدولي، لكن الدعوة السورية ذهبت أدراج الرياح، فالتسميات لا تخدم مصالح الغرب عندما تجاري الحقيقة وتفصل ما بين مقاومة مشروعة وأعمال إرهابية فعلية، الغرب تجاهل الدعوة واستمرّ في توصيف ما يحصل طبقاً لمزاجيته ومصالحه ومعاييره المزدوجة.
أميركيون يهاجمون أهدافاً في اوكلاهوما، وبعدهم من جنسيات متعددة يهاجمون نيوييورك وواشنطن… مواقع متعددة وبطائرات مدنية! فاستفاق العالم من ذهوله ليصرخ… الإرهاب يضرب مدن الغرب، محطات المترو، مراكز حكومية… لم نعارض الغرب في توصيفه، قلنا: نعم هو إرهاب، استهداف الأماكن العامة ووسائط النقل، والمدنيين، أعمال إرهابية يدينها العالم المتحضر، ووقف العالم إلى جانب الغرب المتوحش، داعماً، مستنكراً، مع أنّ هذا الغرب ذاته هو أول من «أبدع» في عمليات الإرهاب، وقام بتصديرها عبر العالم واستثمارها في خدمة مصالحه، لكنه المنطق يفرض نفسه، لا بدّ أن نكون صادقين مع أنفسنا فما نراه إرهاباً على أرضنا، لا شك هو إرهاب على أرض الآخرين، وإلا فإنّ نوعاً من الانفصام الشخصي قد يكون أصابنا، أو أننا نكيل مثلهم بمكيالين، وقد يكون الهدف من علانية موقفنا من الإرهاب هو وضع الكرة في مرمى الآخر، إلا أن يكون براغماتياً بما يكفي لتجاوز أخلاقيات التعامل والاستمرار في القول إنّ عمليات الإرهاب المماثل على أراضينا هي «نضال مشروع» لأنها في خدمة مصالحه.
قبل أيام، انعقد في العاصمة السورية دمشق مؤتمر للبحث في مكافحة الإرهاب، على مدى يومين متتاليين، تمثلت فيه حوالى خمس وعشرين دولة، أغلبها بشكل غير رسمي، إذ اقتصر الحضور على ناشطين سياسيين أو إعلاميين من دول كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا وغيرهم، كما حضره ممثلون عن دول عربية وأفريقية وآسيوية واوروبية شرقية ومن دول أميركا اللاتينية… وتعهّد الحضور غير الرسمي بنقل الحقائق، وربما التوصيات إلى مجتمعات بلادهم عبر وسائل الإعلام التي يمثلها هؤلاء الناشطون، دون الأمل بأن تتبنى دولهم حقيقة التوصيف الفعلي للإرهاب، أو ضرورة اتخاذ موقف دولي موحد من هذه الظاهرة التي أصبحت تؤرق العالم كله وتنتشر بسرعة حريق يوم صيفي مع رياح ناشطة ولا تتوفر وسائل الإطفاء اللازمة، أو أنّ الإطفائي لا رغبة لديه، فهو يتفرّج كون الحريق بعيداً عن حقوله أو مصالحه… اليوم لا استثناء ولا يمكن لأحد القول إنّ ما يحصل لا يعنيني!
إرهاب دولي يستهدف الدولة السورية، أرضاً ومؤسسات وشعب، لم يستثن المدارس حتى الأطفال ورياضهم وصولاً إلى المعاهد والجامعات، إرهاب في العراق، ولبنان، وفلسطين، ومصر واليمن… تساهم فيه وتدعمه دول معروفة لا تخفي ولا تداور في مواقفها وتعتبر ما يحصل حرباً أهلية، وبعضها يقول: جهاد لنصرة الحق…! ويمكن لأيّ كان أن يوصّفها بالطريقة التي تحلو له وتخدم مصالحه، لكن أحداً في العالم لا يستطيع إقناع طفل سوري أو عراقي واحد بأنّ ما يحصل ليس إرهاباً بكلّ معنى الكلمة، فالثورات تنبع من الداخل ولا تكون مستوردة أدواتها ولا أهدافها، والثورات تكون ضدّ دخيل أو محتلّ، المقاتلون على الأرض السورية العراقية غرباء، دخلاء، لا تربطهم بالشعب سورية والعراق أية رابطة حقيقية، فتحت لهم دول الجوار حدودها وسهّلت لهم العبور مع العتاد وأمّنت لهم خطوط الإمداد، ومراكز التدريب، وفي التوصيف القانوني الدولي إذا تمّ تطبيقه هذه دول داعمة وراعية للإرهاب، وما ينطبق عليها لا ينطبق على دول تدعم شعباً يقاتل دفاعاً عن أرضه ووجوده كالفلسطينيين، أو اللبنانيين في مقاومتهم للاحتلال الصهيوني، أو مقاومة العراقيين للاحتلال الأميركي. مَن يقاتل المحتلّ ليس إرهابياً، ولا مخرّباً، الإرهابي هو مَن يدخل بيت الآخر لينهبه أو يحتله ويطرد أهله، المخرّب هو من يستهدف الأموال العامة لشعب، لمنشآته الحيوية، لمؤسسات النقل، لخطوط المواصلات والسكك، لوسائل النقل العامة، لمحطات المياه والكهرباء، فهل بقي من كلّ هذه المنشآت ما لم يستهدفه الإرهاب على الأرض السورية والعراقية خدمة لمشاريع الغرب في تدمير البنى التحتية وإنهاك الاقتصاد الوطني الذي كان متماسكاً، بل متفوّقاً على اقتصاد المنطقة المشرقية كلها، وهل ما يحصل لا يخدم العدو قبل أيّ مستفيد آخر ممّن يتطلع إلى مشاريع إعادة الإعمار وفتح أسواق جديدة، ونهب ثروات كانت لترفع من شأن المواطن في المنطقة بشكل عام والمواطن السوري على وجه الخصوص.
هل تستطيع المؤتمرات المحلية، كمؤتمر دمشق، أن تغيّر في مواقف دول الغرب؟ ربما تسجل كسباً جزئياً على ساحة الرأي العام العالمي، وبالقدر الذي تحتمله الصحافة المملوكة لاحتكارات الصهيو ماسونية، عدا ما رحم ربي، وهي الموجهة على مدى سنوات في أكبر عملية غسل دماغ لهذا الرأي العام، والهدف شيطنة الدولة السورية واعتبارها فاقدة للشرعية الشعبية وذلك مغاير للحقيقة، إنما الشرعية المقصودة هي الشرعية الممنوحة من قوى الشرّ المتحكمة بمصائر أغلب الدول، وقد أثبتت قدرتها على الإضرار بدول كبرى لمجرّد اتخاذها مواقف تناصر العدالة وتكشف الحقيقة وتقف ضدّ الظلم والتخريب الحاصل على ساحة العالم.
لن تبدّل دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية من مواقفها الراسخة المحكومة بمصالح محدّدة، ولن تبدّل من توصيفاتها أو قوائم وزارة خارجيتها، فالمقاومة في كلّ مكان من العالم هي إرهاب لأنها تقف في وجه المصالح الصهيو ماسونية المتحكمة بمفاصل الإدارة والقرار الأميركيين وبالتالي بحلف «الناتو» ودوله والدول التابعة… ولن تتبدّل قناعاتنا واعتبارنا في أنّ مَن يقف في وجه الإرهاب الصهيو ماسوني، الأميركي والغربي هو مقاوم بطل، وأنّ من يقف ضدّ هذا المقاوم ومن يدعمه وما يمثله إنما هو الإرهابي والخائن والعميل ولو أعطته كلّ جمهوريات وممالك الغرب أرفع ما لديها من أوسمة وألقاب، وأطلقت عليه أفضل النعوت والتسميات.
للغرب توصيفه الذي يخدم مصالحه بعيداً عن المنطق والأخلاق، ولنا قناعاتنا، فلنترك لهذا الغرب أن يتذوّق المزيد من طعم الإرهاب والتخريب، ثم ليصرخ بعدها داعياً إلى مؤتمر يعرّف الإرهاب… على أن لا نستجيب من الدعوة الأولى… قليلاً من الرزانة أيها العالم الثالث!
اللقاء… مستحيل، الاتفاق… مستحيل.