عون: الورقة الإصلاحية خطوة أولى للإنقاذ تواكبها تشريعات كل مَن سرق من المال العام يُحاسَب والمهمّ ألاّ تحميه طائفته
ظهّر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عناوين الإصلاح المرتقب راسماً خريطة الطريق لتنفيذها، عازياً مشاكل البلد إلى الذهنية الطائفية التي حكمته، فـ»الطائفية حطّمتنا، ونخرنا الفساد حتى العظم، وقد تركنا من أوصل البلد إلى الهاوية من دون محاسبة».
وشدّد في هذا الإطار، على «ضرورة استعادة الأموال المنهوبة»، وقال «كلّ من سرق المال العام يجب أن يحاسَب، لكن من المهمّ ألاّ تدافع طائفته عنه بشكل أعمى»، داعياً إلى «كشف كلّ حسابات المسؤولين لكي يحاسب عليها القضاء».
وأكد أنّ الورقة الاصلاحية التي أُقرت ستكون الخطوة الأولى لإنقاذ لبنان وإبعاد شبح الانهيار المالي والاقتصادي عنه، وهي الإنجاز الأول للبنانيين، لكن يجب أن تواكب بمجموعة تشريعات ، مشيراً إلى وجود مجموعة من اقتراحات القوانين في مجلس النوّاب متعلقة بإنشاء محكمة خاصة بالجرائم المتعلقة بالمال العام، وباسترداد الدولة للأموال المنهوبة، وبرفع السرية المصرفية عن الرؤساء والوزراء والنوّاب وموظفي الفئة الأولى الحاليين والسابقين، وبرفع الحصانات عن الوزراء والنوّاب الحاليين والسابقين وكل من يتعاطى المال العام ، ودعا الناس إلى رفع أصواتهم ومطالبة النوّاب بالتصويت عليها، حي يصبح كل المسؤولين عرضة للمساءلة والمحاسبة القانونية .
وأكد أنه باتت من الضرورة إعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي، كي تتمكن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤولياتها، وطبعاً من خلال الأصول الدستورية المعمول بها . ولفت إلى أن تغيير النظام لا يتمّ في الساحات بل من خلال المؤسسات الدستورية ، مؤكداً للمعتصمين والمتظاهرين أنه على استعداد للقاء ممثلين عنهم للاستماع إلى مطالبهم وفتح حوار بنّاء يوصل إلى نتيجة عملية وتحديد الخيارات التي توصلنا إلى أفضل النتائج .
كلمة رئيس الجمهوريّة
كلام عون جاء في رسالة وجهها إلى اللبنانيين أمس وقال فيها «أعزّائي، كلمتي لكم اليوم، مثلما كانت دائماً، من القلب إلى القلب، أينما كنتم في ساحات الاعتصام أو في منازلكم.
المشهد الذي نراه، يؤكد أن الشعب اللبناني هو شعب حيّ، قادر على الانتفاض، والتغيير، وإيصال صوته. ويؤكد أيضاً أن الحريات في لبنان ما زالت بألف خير. ولكن مع الأسف، هذا المشهد ما كان يجب أن يحصل، وصرختكم كان يجب أن تكون صرخة فرح بتحقيق طموحاتكم وأحلامكم، وليس صرخة وجع.
نحن شعب خلاّق، قوي، وناجح، لكن الطائفية حطّمتنا، ونخرنا الفساد حتى العظم، وقد تركنا من أوصل البلد إلى الهاوية من دون محاسبة. وقد أقسمتُ اليمين في اليوم الأول لتحمّلي مسؤولياتي كرئيس للجمهورية للمحافظة على لبنان، والتزمت محاربة الفساد بشراسة. وتمكنت من نقل لبنان إلى ضفة الأمان والاستقرار، وظلّ هناك الهمّ الاقتصادي والمالي.
كان طموحي كبيراً، وما زال، أن نتمكن من التخلّص من الذهنية الطائفية التي حكمت البلد منذ وجوده، وهي أساس كل مشاكله، للوصول إلى دولة مدنية يتساوى فيها المواطنون أمام القانون، ويصل كل صاحب كفاءة إلى المنصب الذي يستحقه، وتتحقق اللامركزية الإدارية التي تؤمّن لكم الخدمات بشكل أسرع، وتسهّل المراقبة المحلية. ولكنكم تعرفون، وتعرفون جيداً، أننا في بلد شراكة وديمقراطية. ورئيس الجمهورية، خصوصاً بعد الطائف، بحاجة لتعاون كل أطراف الحكومة ومجلس النوّاب، ليحقّق خطط العمل والإصلاح والإنقاذ، ويفي بالوعود التي قطعها أمام اللبنانيين في خطاب القسم.
لا أقول ذلك لألقي المسؤولية على غيري. أنا في النهاية رئيس ومسؤول، ولم أوفّر وسيلة لتحقيق الإصلاح والنهوض بلبنان. لكن الحقيقة أن العراقيل كثيرة، والمصالح الشخصية متحكّمة بالعقليات، وهناك أطراف كثيرة اعتبرت أن الشعب لم تعد لديه كلمة يقولها، وأنها قادرة على فعل ما تريد، ويظلّ الشعب صامتاً. ورغم كل الصعوبات، تمكنا من تحقيق تقدّم في مجالات كثيرة، وإن لم يكن بالحجم الكافي.
كل يوم كنتُ أتكلم عن محاربة الفساد، وبالتأكيد كان هناك من يزعجه هذا الكلام. مع الأسف، أشخاص من المسؤولين. وقد تحوّلت الحرب ضد المبادرات وخطط العمل التي تشكل ضرراً على المصالح الشخصية لكثيرين.
تريدون استعادة الأموال المنهوبة؟ من المؤكد أن من الضروري استعادتها. وأنا مَن يطالب باستعادتها وقد تقدّمت بقانون من أجل ذلك. وقد ظهرت حتى يومنا هذا، المليارات من الموازنات السابقة التي يتم التدقيق فيها في ديوان المحاسبة. كل مَن سرق المال العام يجب أن يحاسَب، لكن من المهم ألاّ تدافع طائفته عنه بشكل أعمى. إن السارق لا طائفة له وهو لا يمثّل أي دين، دعونا نكشف كل حسابات المسؤولين وندع القضاء يحاسب. السياسي يشرّع ويراقب أمّا المحاسبة فتكون من خلال القضاء، الذي تمّ تعيين رؤساء له هم من خيرة القضاة وجديرون بالثقة. والبيان الذي صدر منذ يومين عن المجلس الأعلى للقضاء يؤكد هذا الأمر. وأكثر من ذلك، إني ملتزم بإقرار قوانين مكافحة الفساد، لكن هذا الأمر هو من صلاحية مجلس النوّاب وأنا أطلب مساعدتكم لإقرارها. وكما قلت للقضاة بعد تعيينهم، سأكرّر القول اليوم بأني سقف الحماية للقضاء، وأحيلوا إليَّ من يتدخل معكم.
أعزّائي، من الممكن أنه لم تعد لديكم ثقة بالطبقة الحاكمة أو بالأحزاب، أو بمعظم مسؤولي الدولة، وهذا ما دفعني إلى التوجّه للحكومة لدى انطلاقها، وخلال الإفطار الذي أقامه قصر بعبدا السنة الجارية، بوصية واحدة: أعيدوا للبناني ثقته بدولته، لأنه كان واضحاً من موقفكم من أي ضريبة محتملة، إن الضريبة اصبحت بالنسبة إليكم كالخوّة التي تذهب ولا تعود وتضيع بين الهدر والفساد.
واليوم، من موقع مسؤوليتي كرئيس للجمهورية، أؤكد لكم أن الورقة الإصلاحية التي أُقرّت ستكون الخطوة الأولى لإنقاذ لبنان وإبعاد شبح الانهيار المالي والاقتصادي عنه، وقد كانت أول إنجاز لكم لأنكم ساعدتم بإزالة العراقيل من أمامها وقد أُقرت بسرعة قياسية. لكن يجب أن تواكَب بمجموعة تشريعات لأن مكافحة الفساد الحقيقية تكون عبر قوانين وبالتطبيق الصارم للقانون، وليس بالشعارات والمزايدات والحملات الانتخابية.
عليكم أن تعلموا أن في مجلس النواب عدداً من اقتراحات القوانين ومنها، اقتراح قانون لإنشاء محكمة خاصة بالجرائم المتعلقة بالمال العام، وقد قدمته أنا شخصياً عام 2013. واقتراح ثانٍ باسترداد الدولة للأموال المنهوبة، واقتراح ثالث برفع السريّة المصرفيّة عن الرؤساء والوزراء والنواب وموظفي الفئة الأولى الحاليين والسابقين، واقتراح رابع برفع الحصانات عن الوزراء والنوّاب الحاليين والسابقين وكل مَن يتعاطى المال العام.
يجب أن تُقر هذه القوانين في أقرب وقت. فارفعوا أصواتكم، وطالبوا نوّابكم بالتصويت عليها، حتى يصبح كل المسؤولين عرضةً للمساءلة والمحاسبة القانونيّة، ولا تعود هناك خيمة فوق رأس أحد، وفي حال نجحتم يكون بذلك تحقّق إنجازكم الثاني.
ولأن الإصلاح هو عمل سياسي بامتياز، فأصبح من الضرورة إعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي كي تتمكن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤولياتها، وطبعاً من خلال الأصول الدستوريّة المعمول بها.
أعزّائي، إن صرختكم لن تذهب سدى، ككل الصرخات التي ملأت الساحات من قبل، وأعادت الحرية والسيادة والاستقلال للبنان. إن حريّة التعبير هي حق محترم ومحفوظ للجميع، ولكن أيضاً حريّة التنقّل هي حق لكل المواطنين ويجب أن تُحترم وتُؤمّن.
أدعوكم جميعاً كي تكونوا المراقبين لتنفيذ الإصلاحات، والساحات مفتوحة دائماً أمامكم، في حال حصل أي تأخير أو مماطلة. وأنا من موقعي، سأكون الضمانة وسأصارحكم بكل ما يحصل. وسأبذل جهدي لتحقيق الإصلاح.
لقد سمعت الكثير من الدعوات لإسقاط النظام. ولكن النظام، أيها الشباب، لا يتغيّر في الساحات. صحيح أن نظامنا بات بحاجة إلى تطوير، لأنه مشلول منذ سنوات وهو عاجز عن تطوير نفسه، لكنّ هذا الأمر لا يحصل إلا من خلال المؤسسات الدستورية. كما أنه حان الوقت لتغيير النموذج الاقتصادي ليصبح منتجاً ويخلق فرص عمل.
أؤكد للمعتصمين والمتظاهرين، أنّي على استعداد لألتقي ممثلين عنكم يحملون هواجسكم، والاستماع تحديداً إلى مطالبكم، وتسمعون بدوركم من قبلنا مخاوفنا من الانهيار الاقتصادي وما علينا أن نقوم به سوياً كي نحقّق أهدافكم من دون التسبّب بالانهيار والفوضى، ونفتح حواراً بنّاء يوصل إلى نتيجة عمليّة وتحديد الخيارات التي توصلنا إلى أفضل النتائج، فالحوار هو دائماً الطريق الأسلم للإنقاذ. وأنا بانتظاركم .