الإعلام اللبناني يروّج لخطط مموّليه في الإقليم والخارج!
د. وفيق إبراهيم
ليس غريباً ان يكون الإعلام ملكاً صرفاً «لصاحبه» الاقتصادي أو السياسي، فهذه قاعدة عالمية في التسويق من السلعة الى المشروع السياسي، لكن ما يفعله معظم الإعلام في لبنان يقترب من الترويج لفتنة ضخمة تؤدّي الى فوضى عامة وأزمة حكم تضعان البلاد بأسرها في خانة التفكك الكياني والانهيار المريع.
بداية، يحق للإعلام ان يتبنّى مشروعاً سياسياً ساعياً لإقناع الجمهور به، إنما ليس على قاعدة اختراع الأخبار وفبركة الاتهامات وصناعة مسرحيات بسوْق أشخاص الى ساحات الحراك الشعبي جرى تلقينهم ما يجب قوله للوصول الى غرائز المشاهدين سياسياً وطائفياً.
هناك إذاً شاشات وصحف صفراء تبث أكبر كمية ممكنة من أكاذيب واضاليل وافتراءات وابتكار أحداث غير حقيقية وتصوير مشاهد مخترعة ووهمية في تقديم يبدو حقيقياً لجودة الإنتاج، فهذا إعلام مصنوع بدقة لاستعماله سياسياً عند الحاجة.
للتوضيح فإنّ ساحات لبنان تشهد حراكاً شعبياً حقيقياً يطالب بإصلاحات عميقة من نظام فاسد إنما عبر صور غير مترابطة تأخذ شكل استئصال فساد سياسي واستعادة أموال منهوبة وبناء الدولة المدنية بدلاً من النظام الطائفي الحالي.
والمعروف انّ مطلب إلغاء الطائفية السياسية يختزل بمفرده كلّ مطالب التحرّك الشعبي، الا انّ ثلاث محطات تلفزيونية داخلية ومعها عشرات المحطات الإقليمية والأجنبية، تركت كلّ شعارات المتظاهرين لتذهب نحو إدانة حزب الله وتسبّبه بإفلاس البلاد، والمطالبة باستقالة الرؤساء الثلاثة عون وبري والحريري ووزير الخارجية باسيل.
فهل للإعلام مشروع سياسي أم أنه يؤيّد مشروعاً سياسياً؟ وهل يحق له اللجوء الى الخداع في نقل مشاهد الحراك والتأثير على المنتفضين والتحريض الطائفي ومحاولة تدمير المجتمع والدولة؟
إنّ كلّ إعلام له جهات سياسية يواليها، لكنه يتحرّك مع الموالاة والمعارضة من مضمون إعلامي يبالغ من دون أن يخترع ولا يلعب لعبة إسقاط بلاده بكاملها، فهو إما موالٍ يؤيد أحزاب السلطة او معارض يدافع عن أحزاب المعارضة. فهل شاهد أحد محطة تلفزيونية أميركية أو فرنسية أو بريطانية تعمل على تدمير بلادها؟ بالطبع لا، فالقنوات والصحف تعمل ضمن سياق الموالاة أو المعارضة ولما تعتقد أنه لصالح البلاد.
لكن هذه المحطات الأجنبية نفسها تعمل في بلادنا بأسلوب تدمير البلدان العربية، بالتركيز على نقاط الضعف فيها من طائفية وقبلية وجهوية وعرقية.
والسؤال هنا هو: هل تابع أحد برنامجاً تلفزيونياً اميركياً او أوروبياً يحرّض الأقليات على الدولة او الكاثوليكية على البروتستانية او الباسك والبريتون على الفرنسيين والأسبان؟ وهل أحد في هذه القنوات يهاجم نابليون او الثورات الفرنسية والبريطانية والروسية؟ ويشوّه سمعة من حرّر بلاده من المستعمر والإرهاب.
لا بالطبع، لا نجد في أميركا وأوروبا وروسيا وأوستراليا واليابان إعلاماً يتآمر على بلاده بكياناتها السياسية وليس على مستوى معارضة داخلية.
هذا هو الإعلام الذي أسهم بتفتيت ليبيا والصومال متلاعباً بمكوّنات العراق وباذلاً جهوداً ضخمة في ابتكار أساليب التحريض الطائفي في سورية والعرقي القبلي في السودان ومصر والجزائر.
هذا هو الإعلام الذي بدأ يعرض الآن في القنوات الفرنسية والبريطانية والخليجية الحقوق الضائعة للأقلية الإسلامية في الصين الإيغور وميانمار وجارته محطات لبنانية مستتبعة.
يتبيّن بالاستنتاج مسألتين: الأولى حق الإعلام المتنوّع بدعم المعارضة او الموالاة داخل إطار الكيان السياسي، أما الثاني فيتعلق بضرورة النأي عن فبركة أساليب تحريض طائفية ومذهبية وفبركة محرّضات تسيء الى لبنان بالتعرّض لوسائل الدفاع عنه من جيش ومقاومة.
فكيف يمكن لثلاث محطات لبنانية فبركة مقابلات مع منتحلي صفة متظاهرين جرى إعدادهم مسبقاً ليتطاولوا على سيد المقاومة حسن نصرالله؟ فلمصلحة من هذه اللعبة الإسرائيلية، لأنه يقاتل إسرائيل أم الإرهاب الذي هزمه في سورية وشرقي لبنان مباشرة او بنشر ثقافة المقاومة في المنطقة عموماً.
والسخيف أنهم يحمّلونه انهيار الاقتصاد اللبناني الذي حطمته سياسات اقتصادية وضعها رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري نتج عنها فساد سياسي شمل كامل الطبقة السياسية التي لا ينتمي اليها السيد حسن نصرالله وحزبه. هذا الفساد أصاب لبنان بمئة مليار دولار كقروض مع استنزاف 300 مليار في مرحلة الحريرية السياسية 1992 2019 بما تشمله من تحالفات في كلّ الطوائف.
هناك حركات إعلامية أخرى مشبوهة، منها الحديث الدائم عن قطع طرقات في كامل لبنان واعتداءات غير حقيقية والإيحاء بأنّ كامل لبنان مقفل وطرقاته مقطوعة ومحاله مقفلة. والمطلوب وفق هذه المحطات استقالة عون وبري والحريري ويبدو أنّ الهدف استهداف أبي هادي هو استقالة المقاومة من أدوارها الوطنية والإقليمية.
هناك سؤال أخير: ماذا لو قرّر حزب الله وحلفاؤه والتيار الوطني الحر قيادة حراك شعبي فعلي لبناء نظام سياسي نظيف ووطني؟ لا شك في أنّ مثل هذا التحرك المرتقب باستطاعته ردع التسلل الى الانتفاضة الشعبية الحالية، وردع ذلك الإعلام من سقطاته المدعومة بدولارات السعودية ورائحة الكيان الغاصب.