من عملية «نبع السلام «الى اتفاق سوتشي: تركيا على أبواب اتفاقية أضنة

د. هدى رزق

لم تشكل العقوبات التي فرضتها واشنطن على أنقرة بسبب عمليتها العسكرية في شمال شرق سورية الصدمة التي كان يأملها الرئيس دونالد ترامب، لم يأبه أردوغان لهذا التهديد لأنّ عجز الحساب الجاري لتركيا، والذي بلغ 31 مليار دولار في آب/ أغسطس 2018، قد تغيّر ليصبح فائضاً بقيمة مليار دولار بحلول شهر آب/ أغسطس من 2019 ليس بسبب بعض التقدّم الاقتصادي، إنما بسبب تقلص الاقتصاد التركي بنسبة 1 على الأقلّ هذا العام. يعود فائض الحساب الحالي إلى انخفاض حادّ في الطلب على السلع المستوردة، إلى جانب بعض الارتفاع في الصادرات والسياحة، وإنْ كان ذلك على حساب خفض الأسعار.

كما انّ حاملي المدّخرات في تركيا قاموا بوضع حوالي نصف ودائعهم في العملة الصعبة بسبب تآكل الثقة في الاقتصاد التركي. نتيجة لذلك، بدت البنوك خالية من أيّ مشكلة في سيولة الصرف الأجنبي علاوة على ذلك، أدّى الانكماش الاقتصادي إلى كبح الطلب على القروض وسط توقف تامّ في الاستثمارات وانخفاض في الطاقة الإنتاجية. وبسبب انكماش القروض، انخفضت نسبة التمديد للقروض الخارجية.

اضافة الى انّ البنك المركزي التركي قد اتخذ تدابير لتحييد تأثير سوق تبادل العملات الأجنبية وبالتالي منع أيّ هجمات على صرف العملات الأجنبية. ولم يعد المستثمرون الأجانب يقومون بالبيع على المكشوف. فشلت واشنطن هذه المرة في إثارة اضطراب خطير، وفي خطوة لافتة وافقت واشنطن على سحب الإجراءات التي اتخذتها بموجب صفقة عقدتها مع أنقرة، في 17 تشرين الأول/ أكتوبر خلال زيارة نائب الرئيس مايك بينس، انخفض سعر الدولار.

إلا انّ روسيا كانت في هذه الأثناء تنتظر لمعرفة ما إذا كان «الاتفاق» الأميركي – التركي حول مصير القوات الكردية في «المنطقة الآمنة» في شمال شرق سورية قد يتسبّب في أيّ نتائج سلبية لأفكار موسكو الخاصة بإصلاح مشاكل سورية.

ففي أعقاب المناقشات المكثفة التي دارت بين أنقرة وواشنطن في 17 تشرين الأول/ أكتوبر، بدت تصريحات أردوغان في 18 تشرين الأول/ أكتوبر مطمئنة إلى حدّ ما بالنسبة لموسكو. كان الوفد الأميركي برئاسة نائب الرئيس مايك بينس يتفاوض مع أردوغان، بينما كان المتحدث باسم أردوغان إبراهيم كالين ونائب وزير الخارجية سيدات أونال يجريان محادثات في القصر الرئاسي نفسه مع مبعوث بوتين إلى سورية، ألكساندر لافرينتيف ونائب وزير الخارجية سيرجي فيرشينين وممثلين من وزارة الدفاع الروسية.

وأكد أردوغان قبل زيارته إلى سوتشي في 22 تشرين الأول/ أكتوبر لإجراء محادثات مع بوتين انّ هدفه التوصل إلى مصالحة مع روسيا بشأن الأمور المعقولة والمقبولة للجميع». تطهير إرهابيّي حزب العمال الكردستاني من المناطق الخاضعة الآن لسيطرة النظام السوري.

كان لافرنتييف وفيرشينين في طهران للاجتماع مع وزير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، ومساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة، علي أصغر خاجي. سيطر على المحادثات الوضع الأخير في شمال شرق سورية والعملية العسكرية التركية في المنطقة. موسكو كانت مستعدّة لإعطاء طهران المزيد من النفوذ في الوضع في شمال شرق سورية لحمل أنقرة على تبني اتفاق أضنة. جنباً إلى جنب مع مصر، كانت إيران الضامن المشترك لصفقة أضنة الأصلية لعام 1998، والتي أنهت سورية دعمها لحزب العمال الكردستاني.

كانت الرؤية الروسية تشمل بدء محادثات رسمية بين دمشق وأنقرة بالإضافة إلى صياغة صفقة أكبر بين السلطات السورية والأكراد المحليين. وبهذا المعنى، فإنّ قبول أردوغان لسيطرة النظام على منبج شريطة عدم وجود قوات تابعة لقوات سورية الديمقراطية هو علامة جيدة على أنّ أنقرة بدأت تفكر من الناحية السياسية وليس العسكرية في هذا الصدد.

وكان الرئيس الروسي حصل أثناء زيارته للسعودية على موافقتها والإمارات العربية المتحدة على إعادة سورية إلى الجامعة العربية. كان الدبلوماسيون الروس في حيرة بشأن الإعلان عن الصفقة الاميركية التركية.

لكن بعد أسبوعين من بدء تركيا عملية «نبع السلام» في شمال شرق سورية، انتهى القتال إلى حدّ كبير نتيجة لاتفاق توصل إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماعهما في سوتشي، اتفق الرئيسان على نشر قواتهما عبر معظم الحدود الشمالية الشرقية السورية وإجراء دوريات مشتركة على طول ممر بطول 10 كيلومترات، بينما انسحبت القوات بقيادة الأكراد المدعومة من الولايات المتحدة من منطقة 30 كيلومترات 18 ميلا العميق. في هذه الأثناء، ستظلّ منطقة عملية «نبع السلام» بين مدينتي تل أبيض ورأس العين تحت سيطرة الجيش التركي والقوات السورية التي تدعمها تركيا.

انشأ الجيش السوري يوم الأربعاء الفائت 15 مركز مراقبة في المنطقة. سيسعى المسؤولون الأتراك إلى إعادة تأسيس الشروط المنصوص عليها في اتفاقية أضنة لعام 1998 بين أنقرة ودمشق والتي ستكون فيها القوات التركية قادرة على القيام بعمليات أمنية ضمن نطاق يبلغ طوله 5 كيلومترات على طول الحدود السورية.

في المجال الاقتصادي، ارتفعت الليرة التركية على الدولار بعد اجتماع أردوغان ـ بوتين وارتفعت أكثر بعد المؤتمر الصحافي لترامب، الذي تراجع عن فرض عقوبات على انقرة. ستنسحب القوات الكردية من منطقة الحدود التركية في شمال شرق سورية. بعد انسحاب القوات الأميركية، وستشرف أنقرة على أمن الحدود مع الجيش السوري والوسطاء الروس.

تنفيذ اتفاق أضنة هو «رمزي سياسي» لأنه يعني أنّ أنقرة يجب أن تعترف الآن بالنظام السوري من أجل الضغط، عبر دمشق، على قوات حماية الشعب الكردية التي كانت تتمتع بدعم الولايات المتحدة في ظلّ تحالف قوات سورية الديمقراطية.

عرضت الصفقة الروسية التوافق مع النظام واختارت تركيا ذلك لأنّ أولويتها كانت كسر هيكل قوات سورية الديمقراطية». أشاد أردوغان بالاتفاق باعتباره «مرحلة جديدة»، وهي مرحلة تهدف إلى إحلال السلام.

تغطي المذكرة المشتركة المكونة من 10 نقاط القضايا الحساسة التي وجهها كلّ من الروس والأتراك إلى الآخر منذ التوغل التركي.

على وجه التحديد، ضمنت روسيا احترام تركيا لـ «وحدة الأراضي السورية» و «الوحدة السياسية» في البلاد. اعترفت تركيا أيضاً باللجنة الدستورية السورية كآلية أساسية للعملية السياسية في البلاد. من المقرّر إطلاق اللجنة رسمياً في جنيف.

ولكن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لبوتين، كان الاعتراف الأساسي بـ «أهمية» اتفاقية أضنة وأولوية روسيا في تسهيل العملية، تركيا، بدورها، ضمنت اعتراف روسيا بالعملية باعتبارها «مصدر قلق أمني مشروع» لأنقرة في ما يتعلق بوحدات حماية الشعب لم تتحدّ موسكو مكاسب تركيا في العملية، ووافقت أيضاً على الحفاظ على الوضع الراهن الناشئ عن العملية على الأرض.

بدأ نشر الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري على الجانب السوري من الحدود التركية السورية، خارج نطاق عملية ربيع السلام، لتسهيل انسحاب قوات حماية الشعب الكردية والأسلحة الثقيلة، حتى إلى عمق 30 كم داخل سورية. بعد ذلك ستقوم وحدات روسية تركية مشتركة بدوريات في المنطقة التي يبلغ طولها 10 كيلومترات إلى الغرب والشرق من منطقة العمليات، باستثناء القامشلي، التي تخضع لسيطرة الجيش السوري. جميع قوات حماية الشعب الكردية ستنسحب من منبج و تل رفعت. كان نشر روسيا للشرطة العسكرية علامة حلّ لإدارة الصراع في سورية».

تجنّبت روسيا وصف وحدات حماية الشعب بأنها إرهابية للسماح بالمرونة في التعامل مع القوات الكردية. بهذا المعنى، لكن يتمّ الاتفاق بين روسيا وتركيا على مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره» و «مواجهة النوايا الانفصالية على الأراضي السورية».

ومن المثير للاهتمام أنّ الطرفين كانا قد توصلا إلى اتفاق بشأن إدلب، لكنه لم يذكر في البيان المشترك. وقال أردوغان: «بفضل هذا الاتفاق، لن نسمح لأيّ منظمات انفصالية بالظهور على الأراضي السورية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى