ليست بين عباس إبراهيم ووليد جنبلاط

ناصر قنديل

– يعرف المتابعون عن قرب حجم العلاقة التي تربط المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بالنائب وليد جنبلاط، والحرص المتبادل منهما على صيانتها على رغم بحر العواصف المحيط بها، لتكون واحدة من صمامات الأمان اللازمة لحالات الطوارئ السياسية والأمنية، وهما مهمتان محوريتان للأمن العام ومديره العام، ومهمتان وطنيتان تأهّل لهما اللواء إبراهيم في مسيرة طويلة لكسب الثقة من الذين يخاصمهم النائب جنبلاط ولا تؤثر خصومته معهم بثقتهم بإبراهيم، ولا تؤثر هذه الثقة بحرص إبراهيم على هذه العلاقة.

– في قضية العسكريين المخطوفين التي تشكل واجهة الحرب اللبنانية مع الإرهاب، والتي تحضر فيها مباشرة «جبهة النصرة»، برز خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية ما بدا أنه مواجهة بين جنبلاط وإبراهيم، عبر دور الوزير وائل أبو فاعور والدعم المباشر من جنبلاط لمهمة أبي فاعور، والقائمة على مواصلة المسايرة واللغة الناعمة التي بدأها جنبلاط شخصياً مع «جبهة النصرة» ووصفها بـ«ثورة الشعب السوري» ونزع عنها صفة الإرهاب، وهي فرع تنظيم «القاعدة» الرسمي في بلاد الشام التي تضم لبنان وسورية والأردن، حيث يهتمّ جنبلاط، وتخطى قرار الأمم المتحدة ومواقف الدول الغربية من تصنيف «النصرة» كتنظيم إرهابي، على عكس ما فعل في قضية هبة السلاح الإيرانية حيث اعتبر المسألة مسألة علاقات لبنان الدولية، ومقابل وضع الفاخوري لأذن الجرة على هواه، نسب إعلامياً كلام للواء إبراهيم لم يصدر عليه لا نفي ولا تأكيد، يقول إن الدولة ستقوم بتنفيذ أحكام إعدام صادرة بحق موقوفين إرهابيين محكومين قضائياً إذا أقدمت «جبهة النصرة» على إعدام العسكري المخطوف أحمد البزال أو أي من زملائه، فلم تنفع قطنة أبو فاعور ونفعت إبرة إبراهيم في حماية العسكريين.

– خلال الشهور الماضية اتبعت الحكومة اللبنانية سياسة الدلع مع «النصرة» و«داعش»، ففي معركة عرسال خيضت المعركة بمعادلة «إجر لقدام وإجر لورا» وتولت هيئة العلماء المسلمين المرتبطة بـ«النصرة» مهمة الوساطة وصار «أبو طاقية» رجل «النصرة» مؤتمناً بكلمة شرف على مصير العسكريين، وفي معركة طرابلس والضنية والمنية مع «داعش» و«النصرة» خيضت المعركة بحسم أشد لكن تركت نوافذ الهروب مفتوحة لشادي المولوي وأسامة منصور، وهذا هو النهج الذي يمكن وصفه بالتلبية الخجولة لمعادلة جنبلاط، واعتراض جنبلاط هنا أنه يريد المزيد من الوضوح في الذهاب نحو الانخراط مع «النصرة» في صفقة سياسية أمنية، تضمن لها مكانة تشبه مكانة «حركة فتح» في الستينات والسبعينات أمنياً وسياسياً وفي مخيمات النازحين السوريين، وتصير عرسال «نصرة لاند» كما كانت العرقوب «فتح لاند»، وهنا ثورة وهناك ثورة، ويصير الحديث عن المواجهة العسكرية مع «النصرة»، ومقتضياته من تنسيق عسكري لبناني سوري واستخدام لأوراق قوة عسكرية وقضائية وأمنية، منها أحكام الإعدام، يستحق مواجهة تشبه التي خاضتها الجنبلاطية دفاعاً عن الثورة الفلسطينية قبل نصف قرن، والقضية ليست موجهة ضد إبراهيم كما يحرص جنبلاط على القول.

– أسقطت «النصرة» ورقة التوت التي كان يتوقع جنبلاط أن تختبئ وراءها وتقوم بمنح دعوته للتهدئة فرص الحياة، فقامت بالهجوم على دورية للجيش اللبناني وقتل من فيها، وصار الدم دفتر حساب مفتوح، وما عاد للغة الجنبلاطية من مكان، وتحرك الجيش واضطرت الحكومة للتحرك، ومواكبته بلغة سياسية وإعلامية هي أضعف الإيمان، ودخل لبنان المعركة التي كان يظن الكثيرون غير جنبلاط أن تفاديها وقف على النعومة اللبنانية، والحقيقة، أن تفادي المواجهة مستحيل من دون منح «النصرة» كامل الوصفة الجنبلاطية، مكاتب وامتيازات أمنية و«نصرة لاند» في عرسال وأمن ذاتي في مخيمات النازحين، وبالتالي تنازلات سيادية جوهرية لحساب تنظيم مصنف على لوائح الإرهاب العالمية، وهو ما لا تستطيعه الحكومة المتموضعة عملياً في التحالف الغربي، وقد فات جنبلاط أن جوهر الفارق بين حالتي «فتح» و«النصرة» هو أن الوحيد الذي شاركه امتداح «النصرة» كان موشي يعلون وزير دفاع العدو «الإسرائيلي»، بينما تلك قضية فلسطين التي تؤرق «الإسرائيلي»، وتلك هي البوصلة التي متى تاهت تاهت معها أشياء كثيرة، وحيث تكون «إسرائيل» لا تكون سورية والعكس صحيح وهذا هو الفارق الثاني.

– حسمت «النصرة» أن الطريق الذي لا تملك الحكومة اللبنانية تفاديه إلا بالمزيد من الخراب، هو الطريق الذي رسمه اللواء إبراهيم منذ عرض عليه تسلم الملف، والذي يتضمن تنشيط وتزخيم أوراق القوة اللبنانية لامتلاك أوراق تفاوضية، وفي المقدمة تعاون وتنسيق لبناني سوري حكومي وعسكري، وتجاوز كل تناول لدور حزب الله في القتال في سورية لأهمية المهمة التي يحتاجها لبنان لأدائها في هذه المواجهة، وتحويل الأوراق القضائية المتمثلة بأحكام الإعدام بحق الإرهابيين الموقوفين إلى توازن ردع لحماية أرواح العسكريين المخطوفين وتحرير أهاليهم من لعبة الابتزاز المهينة بحقهم وحق أبنائهم وحق لبنان وجيشه وحكومته.

– ليست بين عباس إبراهيم ووليد جنبلاط بل بين نهجين في مواجهة قضية خطيرة وحساسة، ظن اللبنانيون أن بمستطاعهم اختيار السهل ولو على حساب الكرامة والسيادة، ففرضها موسم الثلوج عليهم، وهم يتجاهلون أن القضية ليست عند «النصرة» قضية العسكريين، بل قضية ماذا سيفعل مئات المسلحين المحاصرين في القلمون كلما ارتفعت سماكة الثلج سنتمتراً إضافياً، غير الضغط بأرواح العسكريين لمقايضتها بميزات سياسية وأمنية تدخلهم البلدات الدافئة بسلاحهم بعد تشريعه، وإلا فهي الحرب لا مفر منها.

– كل لبنان وراء جيشه في هذه الحرب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى