«هائمة أنا»…!

منال محمد يوسف

هائمة أنا في رواية أكتبها على مهلٍ من الأمنيات النازفات، هائمة رغم موتي وثباتي في غيبوبتي تلك، هائمة منذ أزليّة التكوين ومنذ أن كُتبت قصائد التكوير الأولى..

كنتُ هائمة فوق خط الزهر والمدى فوق قوافي الحزن العميق… فوق لحن الحلم المُرتجى، هائمة أزرعُ الوقت دمعاً، أزرعُ الياسمين قصيدة تبحثُ عن البياض وقطرات الندى.

هائمة أنا، أسافرُ وراء عطر الأحبة عبر المدى وأكتبُ روايتي هذه وأحلّقُ بين شوقٍ وآخر، أُسطّرُ «ذاتي المشتاقة» من خلال غيبوبة، تُشبه حرب الأزمان والرصاص الذي كان يُلاحقني من كلّ جانب..

كان يُلاحق ذكرياتي ولغتي القمريّة والشمسية على حدٍّ سواء، كان يُلاحق طفلي ورد، «طفل الأزمان الذي يُضاهي عمره عمر المحبة والسلام»، هائمة أنا من مكانِ إلى آخر أبحثُ عن طفلي «ورد» الذي كاد أن يقتله «حرب» وسنوات الأزمة ويُدمر كلّ القلاع في بلادي الجريحة…

هائمة أنا حدّ الحقيقة التي جعلتني ألمحُ كلُ أحبائي… وذاكرتي الحاضرة رغم غيبوبة الأزمان.

«ذاكرتي الباقية بجرحها الذي يقول: إن الحب بلسماً يشفي كلّ العلل» وأنا أشتاق روحه، أشتاقُ أن تبقى روحي هائمة معه ومن أجله حتى أني قد لمحتُ صديقتي «نتاشا الروسيّة» التي تقول لي: «إنيّ عشقتُ شاباً جميلاً لكنه فُقدَ مثل أخي ألكسندر بروخورينكو الذي استشهد في تدمر ونال درجة الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس بوتين».

هائمة أنا منذ أن أصبح القهر والحرمان لغتي وسلسبيل شغفي المُشتاق، ومنذُ أن دخلت في غيبوبتي، غيبوبة الأيام الباكيات أو الحالمات منذُ أن حطَّ ذاك الطبيب على جبيني وقال متى تصحين يا بنتي أو تموتين وسألتُ على الفور: كيف حال الشّمس؟ إنني أشتاقُ نورها «نور الحياة». أشتاقُ صوت حبيبي رغم بُعد المسافات وأسمعُ صوت خوفه إذ يقول: انتبهي من رصاص الأيام! انتبهي وانظري لغات الياسمين التي قُتلت ظلماً وبهتاناً..

«انظري» خواتم العشاق التي شُرّدت وتُركت الرسائل مكتوبة بدم الأبطال.

آهٍ ما أقسى وجع الغياب والحرمان. آهٍ ما أقسى أن يُقبّلنا الألم في كلّ يوم ألف مرة. وأي مُفارقة تلك أن ندفن أعزّ الأحباب ونبقى نمشي بلا نبض. قال لي «إنها الحرب يا حبيبتي تابعي المسير رغم وجع الغيبوية وتابعتُ حتى رأيتُ الأحجار من شدّة الظلم، كادت تنطق سِفراً من تجلّيات الوجع، هائمة أنا ما زلتُ أبحثُ عن سُنبلاتٍ خُضر، عن مجدِ من القصائد يُسطّر آخر كلماتي، يُسطّر أبجديات وجع ترسمُ خيوط يدي اليُمنى واليسرى معاً. ما زلتُ هائمة حدّ تلك القصيدة التي تقول «أنا الوجع وهل يُعشق الوجع؟ وحدّ السؤال الذي يسألُ هل يعود الياسمين ويعربش على شرفات أرواحنا؟».

وهل يُسكبُ عطره الوهّاج في محبرة أوقاتنا؟ هائمة أنا رغم رياح الغيبوبة التي تجتاحني أبحثُ عن تواريخ شُردت ظلماً أبحثُ عن دموع العشاق التي نزفت شوقاً وأبحثُ عن سلسبيل الماء الذي يكتبُ أحزاني شعراً.

هائمة أنا، فوق كل الأماكن السّوريّة أدوّن تلك الجراح التي نزفت قهراً وأحاول أن أعبر نهر الفرات، أحاولُ أن أركض وراء طفلي ورد رغم الرصاص وأسمعُ صوته إذ يقول: «أنا لم أغرق يا أميّ.. ولم أمتْ بعد.. ستجدينني في كلّ مكان وكلّ اتجاه أعبرُ إليكِ يا أميّ.

إنني أشتاقُ إليكِ يا أميّ.. أشتاقُ قميصاً من نبض روحكِ.

أشتاقُ روحكِ كي أشقُّ دربي وأضربُ يباس هذه الحياة وعجزها وعجزي.

أشتاق جميع الوجوه التي كنتُ أبحثُ عنها وتبحثُ عني، وفجأة سمعتُ من يقول «جهّزوا لها التابوت». لقد انتهى الأمر قلتُ ولكنها روايتي لم تنته بعد.

ستبقى مفتوحة على احتمالات الحياة كُلها وسنبقى نتمنى أن نولد في رواية الأقدار، رواية الأقدار المستحيلة، في رواية نتمنى أن نكون من خلالها هائمين، ربّما في أفلاك الأزمنة والأمكنة معاً، وفي أفلاك نورانية الدهشة، حيث تُلمح في أعين اليقين، وتُسمى الهائمة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى