مَن وضع للحراك شعار «حكومة إنقاذ»؟
ناصر قنديل
– سيأتي الجواب سريعاً من البعض على هذا السؤال بأن الشعب الذي انفجر غضباً على حكامه لشدّة وقسوة ما يعاني من بطالة وفقر وغياب للخدمات، وعلى ما يشهد من فساد ومحاصصات واستهتار بمطالبه، أطلق الدعوة لسقوط الحكام بلا تمييز ومنها شعار كلن يعني كلن ، ولكن هذا الجواب ينفي الدعوة لحكومة إنقاذ، في معرض السعي لتفسيره، لأن سقوط الجميع كان ولا يزال يتردد عفوياً على ألسنة الكثيرين، رغم كونه عدمياً ولا يقدم حلاً. وهذا طبيعي في مناخ انتفاضة شعبية، لكن التدخل السياسي لتلبيس المناخ شعاراً مدروساً يأتي من مكان آخر، والشعار الذي يتحوّل تدريجياً إلى شعار رسمي للحراك مختلف وهو تشكيل حكومة إنقاذ. وهذا هو دور النخب التي تقود الحراك فعلياً. وهو الدور الذي فشلت في أدائه بالتوازي والتنافس النخب التي تدّعي وصلاً بالمقاومة وبالحرص على الخلاص من الفساد ونظام الطائفية والمحاصصة، في مقابل أصحاب شعار حكومة الإنقاذ، فلجأت إلى تبني الشعار وترويجه دفاعاً عن عجزها وضعف وسائل تأثيرها في الساحات. فهي لا تملك الإعلام العملاق الذي يملكه المنافسون، ولا جمعيات ومنظمات غير حكومية بالعشرات، ولا يسير وراءها مؤيدون بالمئات من الناشطين بين الناس، ولا تتلقى تمويلاً يتيح لها بناء ما يوازي ذلك، وكان رهانها أن تقيم التوازن مع هؤلاء الذين تعرفهم وتنكر وجودهم ودورهم وتأثيرهم ومشروعهم، من خلال الاستثمار على وزن المقاومة كشريك في الحراك، والرهان على أن المقاومة لا تملك امتدادات عابرة للطوائف ولا خطاباً اجتماعياً يستند للخبرة التي يملكها متخرجو الأحزاب اليسارية، فيصيرون هم رموز حضورها والتوازن الذي تقيمه ويفرضه وجودها، وهذا ما يفسّر غضب هؤلاء من إعلان المقاومة قرارها بالانسحاب.
– بالعودة للشعار ووظيفته، يمكن الحكم على الهدف والسياق المرسوم من خلال تخيل السيناريو الذي يبدأ بالدعوة لاستقالة الحكومة، والفرضيات التي ستطرح نفسها تلقائياً السيناريو الأول استشارات نيابية تسمّي الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، والطبيعي أن يخرج الشارع دفاعاً عن شعار كلن يعني كلن، رافضاً ذلك. والطبيعي جداً عندها أن يعتذر الرئيس الحريري عن قبول التكليف. وعندها السيناريو الثاني هو إعادة الاستشارات، وأفضل الخيارات هنا هي تسمية احد الأسماء من النواب المقربين من المقاومة والموجودين في ساحات الحراك. وهذا سيتم رفضه باعتباره منتمياً لفريق سياسي يستفز فريقاً آخر، والحديث عن 8 و14 آذار، والأرجح أصلاً أن لا يتجرأ أحد بعد اعتذار الرئيس الحريري عن قبول تداول اسمه في الاستشارات، قبل الحصول على موافقة تضمن موقف الساحات، بل من الممكن أن يكون هذا موقف الرئيس الحريري قبل استقالته لمن يرغب بإعادة تسميته، وفي كل الأحوال ستصير القضية من هو رئيس حكومة الإنقاذ الذي يطابق مواصفات الشارع لاعتباره تلبية لمطلبه. والجواب هو صفر، حتى تمر شهور من تولي الحكومة الحالية تصريف الأعمال، ويكون التفاوض السياسي الداخلي والخارجي قد توصل للاسم الذي يحمل برنامجاً وتشكيلة حكومية متفقاً عليهما، يمكن قبوله بين طرفين لا بدّ من قبولهما لتتم التسمية ويمر تشكيل الحكومة، والطرفان هما، اللذان يملكان قدرة التسويق في الساحات، والكتل الكبرى في مجلس النواب، على الطريقة التي تشكلت فيها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2005، بينما كان الرئيس عمر كرامي يتلقى تأكيدات حلفائه بوقوفهم خلفه دعماً لبقاء حكومته مرة، وإعادة تسميته لتشكيل الحكومة مرة ثانية. والتفاوض هنا لن يكون داخلياً صرفاً، بل خارجي بمدى داخلي، فهل هذا ما ثارت الناس لأجله؟
– الخيارات هي بين خيار أول يتمثل باستقالة الحكومة الحالية ومن ثم بقائها لتصريف الأعمال لشهور تمتلك فيها عذر العجز، لأنها لا تحكم، ريثما ينضج التفاوض الذي ينتهي بتسمية حكومة جديدة سيتلقاها الناس الذين استنزفت مقدراتهم وأعصابهم وطاقاتهم، ويتقبلونها وينصرفون إلى بيوتهم، ولا مجال لمقارنات ساذجة بساحات حراك امتدت لشهور، وهي تقوم بإحياء أسبوعي لا يومي لحضورها وحشودها، وبعد التعب وبعد حرق الأسماء المطروحة بالفيتوات المتبادلة بما في ذلك مَن وعدوا أنفسهم بذلك، يتم التوافق على الاسم المغفل الذي لن يكون من بين الأسماء المتداولة بل من موظفين كبار في مؤسسات دولية يجري تقديمهم كأهل خبرة موثوقين لإنقاذ البلد، ويصفق الجميع للخلاص من القلق والجمود وتفادي المخاطر، هذا إذا لم يتم استثمار الفوضى بصورة تقطع المسار السلمي والهادئ نحو سيناريوات مخيفة. أما الخيار الثاني فهو أن يُستوعب الحراك ضمن خطة لستة شهور تنتهي بانتخابات مبكرة على اساس قانون قائم على النسبية والدائرة الواحدة وخارج القيد الطائفي، كما يبشّرنا دعاة الحراك باعتبار ذلك موضع إجماع، وتبدأ بشهر يجري خلاله إقرار قانون الانتخابات وتشكيل الهيئة المستقلة للإشراف عليها، وإقرار قوانين رفع السرية المصرفية ورفع الحصانات وتشكيل الهيئة القضائية العليا لمكافحة الفساد، وخلال ثلاثة شهور تصدر الهيئة القضائية لائحة أسماء الممنوعين من الترشح للانتخابات ومن تولي أي مسؤولية عامة في الدولة لملاحقتهم بقضايا فساد، وتستقيل الحكومة حكماً لحساب حكومة من غير المرشحين سيكون سهلاً التفاهم عليها باعتبارها حكومة ثلاثة شهور لضمان حياد الدولة وأجهزتها في الانتخابات من قضاة وضباط متقاعدين على الأغلب. وفي هذه الحالة تبقى الحكومة الحالية لشهور قليلة بوعي الحراك المسبق وتحت رقابته لتنفيذ ما وعدت به، وإرفاقه بفرض الحراك لمهام تتصل بضمان خريطة طريق لتغيير ديمقراطي سلمي سلس ينتهي بحكومة تنبثق عن مجلس نيابي جديد لا مبرّر للدعوة له إذا لم يكن وفقاً لقانون يعتمد لبنان دائرة واحدة والنظام النسبي خارج القيد الطائفي، لأنه لن يحمل جديداً في تصحيح التمثيل وإقامة فرصة لمعادلة حكومة ومعارضة ومحاسبة نيابية للحكومة إلا على هذا الأساس.
– الذين وضعوا شعار حكومة إنقاذ للحراك فخخوه عمداً، والذين يرددونه يفعلون ذلك تبريراً للعجز عن التأثير، لأنهم لا يمكلون جواباً على سؤال واحد هو: مَن هو رئيس الحكومة الذي يمكن ان يجمع عليه الحراك لنحمل اسمه نحن لرئيس الجمهورية وندعو لاستقالة الحكومة فوراً لتوليه تشكيل حكومة الإنقاذ الموعودة، فيجيبون بلغة بوليسية فلتستقل الحكومة وبعدها يقرّر الشعب الخطوة التالية. وبالمناسبة هذا هو الجواب الذي سمعناه في الأيام الأولى للحرب على سورية، يوم كان اسمها ثورة ، عندما نسألهم ومن يتولى السلطة إذا استقال الرئيس؟ فيقولون بلغة التعالي فليستقل ويقرّر الشعب الخطوة التالية، وغالباً في ثورات كالتي عرفناها مع الربيع العربي كلمة الشعب يقرّر تعني السفارات هي مَن سيقرر ويجري تلبيس الشعب بأدوات التفوّق الإعلامي والمخابراتي قرارها!