الموقفان الأميركي والأممي والحراك ومسؤولياته

ناصر قنديل

تميزت مجادلات القيّمين على الحراك والمدافعين عنه مع موقف حزب الله بنفي وإنكار وجود أي أساس لمخاوف حزب الله من التوظيف الخارجي للحراك الشعبي، لحساب مشروع تؤثر في رسم توجهاته القوى التي تستهدف المقاومة. وسجل الكثير من المستنكرين لهذه المخاوف مواقف وطنية عالية وصلت حد القول إن حماية المقاومة هي أولوية عند الحراك الشعبي، وأن لا مبرر لقلق يتحدّث عنه حزب الله في هذا الاتجاه. وزاد الكلام عن الرغبة باستعادة دعم حزب الله للحراك تعبيراً عن إدراك ظاهر للحاجة لتوحيد الجهود مع الجهة التي مثلت القوة النظيفة المضحّية في مواجهة المخاطر على لبنان، سواء من الاحتلال والعدوان أو من الإرهاب، والتي لا يمكن إتهامها بمحاصصة مصالح في السلطة المتهمة بالفساد وتقاسم عائداته.

لا يمكن لأحد من قادة الحراك ومؤيديه أن ينكر الدور الذي لعبته العقوبات الأميركية على لبنان وعلى حزب الله، في تأزيم الوضعين الاقتصادي والمالي للبنان، وكذلك الدور الذي لعبته المؤسسات المالية الدولية طوال سنوات في توفير التغطية للسياسات المالية والنقدية القائمة على المزيد من الاستدانة، والإنفاق بلا ضوابط في نظام المحاصصة والفساد، دون إشارة لحاجة للإصلاح وربط المزيد من الديون بإنجازها، إلا عندما بلغت الديون الحدّ الذي بات يسمح برهن السياسات اللبنانية لمشيئة الدائنين، خصوصاً في ملفات سيادية غير اقتصادية، ابرزها، موقع حزب الله ومصادر قوته. وما حدث على هذا الصعيد حول ربط ترسيم حدود النفط والغاز بملف الصواريخ الدقيقة واضح ولا يحتاج إثباتاً، وما يتصل بالضغط لبقاء النازحين السوريين في لبنان.

لا يحتاج الحراك لمناقشة الموقفين الأميركي والأممي لأن يكون حريصاً على حزب الله، بل لأن ينطلق من الحسابات الوطنية الصرفة. وقد جاء موقف وزارة الخارجية الأميركية متحدثاً بلغة الوعظ للبنانيين وحاجتهم لحكومة تنجز إصلاحات وتكافح الفساد، مؤيداً للحراك وشعاراته متجاهلاً حقيقة أن النفاق الأميركي واضح بمجرد الانطلاق من أن واشنطن بعقوباتها على لبنان وبتساهل المؤسسات المالية التي تؤثر كلياً بقرارها مع السياسات المالية التي قامت على توفير المال بلا ضوابط لسياسات المحاصصة والفساد عبر فتح طريق الديون المبرمجة للتراكم المرهق للبنان، تشكل طرفاً محورياً في الأزمة وليست شريكاً ولا حريصاً على الحل، بل تريد عبر موقفها توظيف الحراك في مشروعها، وتسيء للحراك بإعلان تأييده، وأضعف الإيمان إذا كان القيّمون على الحراك ومؤيدوه ملتزمين بما أعلنوا من حرص صادق على هويتهم الوطنية، وتهاونوا مع ما قاله رئيس الجامعة الأميركية ومثله رئيس الجامعة البيسوعية في لحظة غفلة وحماس، فما الذي يغيّب الحراك اليوم عن الردّ على الموقف الأميركي المشبوه؟

مثل الموقف الأميركي جاء الموقف الأممي الذي يتحدث أيضاً بلغة الحرص على الحراك ومحاولة التماهي معه، متجاهلاً أن الأمم المتحدة تتحمل مسؤولية بقاء ملف النازحين معلقاً، برفض الأخذ بطلب لبناني رسمي دأب رئيس الجمهورية ومعه وزارة الخارجية ووزير الخارجية على تأكيده، لجهة تقديم المعونات المخصصة للنازحين الذين يقررون العودة منهم داخل أماكن عودتهم في سورية، وجابهته الأمم المتحدة بالرفض والعناد ترجمة لقرار سياسي يستهدف لبنان ويستهدف سورية. ولبنان الذي ينزف اقتصادياً ومن أحد أسباب نزيفه حجم الضغط الذي يمثله ملف النازحين، لا يستطيع حراك يرفع عنوان الإنقاذ الاقتصادي يقوده ناشطون ومفكرون ومثقفون أن يتجاهل واجبه بالردّ على النفاق الأممي بما يستحق من حقائق.

تصرّفات القيّمين على الحراك ومواقفهم وحدها تتيح الحكم على الوظيفة التي يُراد له تأديتها، بعيداً عن الاتهامات من جهة، والادعاءات من جهة موازية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى