عناوين خمسة من وحي الحراك الشعبي اللبناني
زَاهِر أَنور الخَطيب
من وحي الحراكِ الشعبيّ العفويّ المحقّ بمطالِبِه،
عناوين خمسة،
أولاً: لقد جرى الإعلانُ عن الموقفِ المبدئيّ في إطار اجتماعٍ شاركت فيه،
رابطةُ الشغيلة مع القُوى الوطنية، وَالتأكيدُ، بالإجماع، على مشروعيَّةِ، الحراك الشعبيّ العفويّ المُحِقّ الصَّادق ، والغاضبِ العابِرِ للطوائفِ، والمناطق، وكانت الدعوةُ في الاجتماع إلى دعم الحراك والتضامن معه، ولا سيّما،
أنه قد انتزع بالنضال السلميّ جزءاً من حقوقه لم يَكن لِيتحقَّقَ لو لم يدِبَّ الفزعُ، والهلعُ في نفوسِ الفاسدين المزمنين في الطبقةِ الحاكمةِ التي سارعت، إلى تقديمِه قبلَ أن تخسرَ، في نظَرِها، كُلَّ ما خزِنَته وكدَّسَتهُ على مدى سنواتٍ طوال، من مالٍ منهوبٍ مسلوبٍ، جمعَته بالإثراء غير المشروع.
ثانياً لقد أهلكَ الناسَ الصَّامتةَ في لبنان، اثنان :
نظامٌ قائمٌ على طائفيّةٍ ومذهبيّةٍ ومناطقيّة.. وفسادٌ كَشفتهُ المُحاصّة ، التي يتوزَّعُ الفاسدون في ما بينهم، المناصبَ والوظائفَ عبر نظامٍ عنصريٍّ لعين، كما فَضَحتهُ المُقاسَمَة التي يتنافسون حَولها على الصّفْقاتِ وعلى السّمْسرات، وحتى على النّفايات!
ولن يكفي الفاسدينَ ما سمعوهُ عنهم، فهم يعرِفونَ أنفسَهم جيداً!! والشعبُ يعرِف، بدورِهِ، جيداً أصدقاءَ الشعب ، ويعرفُ جيداً مَن كافح معهم ودافعَ عنهم سواءٌ، فوق المنابرِ أو في ساحات النّضالِ والجهاد، والشعبُ وفيٌّ وقبلَ سَماع، الإذاعاتِ، يعرفُ مَن الذي قدّم فعلاً لا قولاً وعداً صادقاً، ومن الذي، قدّم وعوداً كاذبة، كما يعرِفُ جيداً الصَّادقَ الذي قدم لِشعبِه والوطن حياتَهُ أو الأبناءَ والدِّماء.
ثالثاً: لقد ثَبُتَ أنَّ المكاسبَ التي أنجزها الحراك العفويّ لا المزيَّف!!
الحراكُ العفويُّ المحِقُّ والأصيل، إنّما يشكَّلُ انتصاراً لإرادةِ الحياة،
وليكُنِ المزيدُ من المكاسب، إذا تحقّق ب النّضال السلميّ وكان هذا المزيد قابلاً، للتحقُّق فِعلياً وواقعياً، لا بالرهانِ على الغضبِ الذي هو شعورٌ طبيعيّ، لا بالرهان، على الأوهام التي هي خياليّة لا وجودَ ماديَّ موضوعيَّ لها إلا بالأذهان كالأحلام، ونحنُ نيام. فلنكنْ إذن يقْظةً وحذَراً ووعياً مسؤولاً شديدَ التّحَسُّبِ من خطرِ، شَغَبِ المأجورين المتَعَمَّدِ في الطرقات، ومن تقطيعِ أوصالِ البلد على الناس،
من السّاعينَ لحاجة، أو على المواطنين من أهلِكم، فلا تدعوا أحداً لمآربَ مشبوهة،
يَستغِلُّ غضبَكم، ويثيرُ غرائِزَكم، على حسابِ وعيكُم وتَعَقُّلِكم وتَفَكُّرِكم،
فيأخَذَ بكم إلى الفراغ والى المجهولِ المأساويَّ الذي خَبِرنا أوجاعَهُ، في لبنان حروباً عبثيةً وويلات.
ودعوني بكل شفافيةٍ أصارحُكم بحقيقةٍ عِلميّة، فاصغْوا إليها، لُطفاً، بوعيٍ وإدراك .
رابعاً: التشخيصُ العقلانيُّ الصَّحيح، أوِ المنطقُ في علومِ الطِّب، إنّما هو نِصفُ الحَلِّ أُوِ نصفُ العِلاج.. أو زِد قليلاً.
و بفقهِ الِقياس ، فإنَ المنطِقَ في العلمِ سواءٌ في السيّاسةِ أو في سائرِ ميادينِ العلوم، إنما هو مرجعيّةٌ عقلانيةٌ واحدة. وقد أكدت تجاربُ الشعوب، والعلومُ الإنسانيةُ المعاصرة، أنّ الثوراتِ في التاريخ، حقيقةٌ علميةٌ ثابتة.
وأنّ مصائِرَ الشعوب، لا تقودُها حركةٌ عفويةٌ محقّة ولو غاضبة، ولا الحتميةُ العمياء،
وأنّ أيَّ ثورةٍ، أو انتفاضةٍ، أو أيَّ حراكٍ شعبيٍّ عفويٍّ مطلبيّ، ولو كان مُحقّاً، ينبغي أن لا يَفتقدَ الى الوعي، أو إلى الرؤية الواضحة، وأن لا تغيبَ عنهُ حلولٌ واقعية. عندئذٍ، يصبحُ محكوماً ومشلولاً وعديمَ القُدرةِ على الاستمرار، ذلكَ أن الشِعارات، سواءٌ المتناقضة أوِ الوهميّة غير الواقعيّة أو العدميّة، لا تترك سوى الإبهامِ والضَّياع، وتُفسِحُ في المجالِ للاستغلال وإمكانيةِ حرفِ الحراك عن مسارِهِ والأهداف، وإدخالِهِ في النفقِ المظلم وفي عتمةِ البصرِ والبصيرة، فيتسلَّلُ عندئذٍ أصحابُ، الأجندات الملغومة عبرَ المأجورين في خدمةِ أعداءِ لبنان من الداخلِ أوِ من الخارجِ، يائسين ساعين لإعادةِ تمرير مشروعهم المنهزمِ في لبنان، المعروف، بمشروع الشرق الأوسط الجديد، أَو بالعودةِ إلى شعارِ، الفوضى الخلاّقة ، المعروفةِ أيضاً بتداعياتِها السلبيةِ الإجراميّة، التي خَبِرَها، مع الأسف، تاريخُنا العربي، مع الربيع العربي !! وفي البيّنات دعوةُ الأمين العام، لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله مخاطباً جمهورَ المقاومةِ لتركِ الساحات محذرِاً، ومُصارحاً المتظاهرين بما حرفه: لبنانُ دخل مرحلةَ الاستهدافِ الإقليميّ والدوليّ، وهناك فئةٌ ترتبط بمخابراتٍ أجنبيةٍ تديرُ وتموِّلُ الحراك .
حمى الله لبنان، والجيشُ والشعبُ والمقاومةُ هم اليومَ ليحمونَهُ في المَيدان.
وفَّق اللهُ سماحةَ السيد حسن نصر الله دام حِفظُه ، وإنّا والشرفاء على العهد.
خامساً: إنّ انتصارَ التَّحرير أو تحقيقَ التَّغيير الجذريّ يفترضُ شروطاً ضروريةً ينبغي توافُرُها مجتمعةً في آنٍ واحد، أَسماها العِلمُ الثّوري الفُرصةَ السّعيدة : الشروطُ، ثلاثة: ظرفٌ موضوعيٌّ ناضج ظرفٌ ذاتٌّي بوعيٍ قياديٍّ استثنائي وحزبٌ طليعيٌّ في إطار جبهةِ حلفاء .
1 – الظرفُ الموضوعيّ، الناضجُ إنما هو ضيقُ الحياة، وَمعاناةُ الجوعِ والبطالة، لا تُحمَلُ ولا تُطاق.. وعنفٌ اقتصاديٌ رأسماليٌّ ريعيّ لا إنتاجي.. واحتكارٌ وجشعٌ، وحشيّ.. وقمعٌ واستغلالٌ وظلمٌ طبقيّ.. وقَهرٌ قوميّ واستعبادٌ إنسانيّ..
متمثِّلاً، إمّا باحتلالٍ صهيونيّ مباشِر لجزء من وطننا الحبيب، أو باستعمارٍ غيرِ مباشر، عَبرَ قواعدِه العسكريّة، أو عبرَ أتباعٍ خدامٍ لمشاريعهِ التآمرية على الوطنِ العربيّ، ومتجسداً ببعضِ حكّامٍ عِربانٍ مطبِّعين مع العدو الصهيونيّ خونةِ عروبةٍ وإسلام، وعملاء ومرتزقةٍ ومؤسساتِ مجتمعٍ مدنيٍّ بِلا هوية، مأجورةٍ بأسماءَ تضليليّة، لتغذيةِ الثورةِ المضادّة، وَالإسهامِ في تمويلِها، والإِنفاقِ بالملايين على ما تحتاجُه، من كلِّ المستلزمات، لتُجهِضَ الثورةَ، أو الانتفاضةَ أوِ الحراك المُحقَّ في مطالبِهِ، وتقطعَ الطريقَ على إمكانيةِ إصلاحٍ أو تغيير، كما فَعَلت في الوطن العربي.
ولكن التخريبَ الذي اكتُشِفَت مَظاهِرُهُ سريعاً قد فضحَ المعروفين بعمالتِهِم والفساد، وهم يعيثون في الأرض إفساداً جاعلينَ من أنفسهم خُداماً أذلاّءَ خاضعينَ لمشيئة المستعمرين أربابِهِم ضِدَّ أيّ إصلاحٍ أو تغييرٍ أو تحرير يصبو إليه لبنانُ واللبنانيّون.
وبالأمس، بالأمسِ القريب، انكشفت وجوهُ أصحَابها الكالحة، أسمَوْهُم الناشطون»،
في عين الشمس، وهم، يصبُّونَ الزيت على النار، ويفتعلونَ اصطداماتٍ مع الجيش، ويمنعون بالقوة أبناء البلد من حرية التنقُّل ويحتجزون السيارات ويدققون،
في الهويّات الأمر الذي يعرقلُ أكثر فأكثر على الشعب سُبُلَ الحركة والحياة.
أهكذا يكون الدفاعُ عن ثورةِ الشعب؟ وعن سيادةِ لبنان؟؟ ونسمَعُ البعضَ بأوامِرَ، قادةٍ فاسدينَ بخساسةِ العملاء يهتفون ضِدَّ المقاومين الذين قدّموا آلاف الشُهداء، لحماية لبنان، وصونِ ثرواته في بحرِهِ، والحؤولِ دون انتهاكِ سيادتِهِ في سمائِه،
والذّوْدِ عن شرفِ الشعب وكرامة الوطن من رجس الصهاينة الغادرين، وعملائهم المأجورين الفاسدين في لبنان وفي الوطن العربي..
مقابل ماذا؟.. وكرمىِ لِعيون مَن؟.. وخدمةً لمن من الأعداء يعمَلُ هؤلاء،
ضِدّ حماة لبنان، الجيش والشعب والمقاومة؟؟؟..
وهل، يُدركُ هؤلاء ماذا حلَّ بالذين باعوا أنفسَهُم للشيطان الأميركي؟
وهل يعلِمون ماذا فَعلوا؟؟ سيعلمُ الذين ظلموا..؟ والبلد وأنتم حلٌّ : مواطنون ، بهذا البلد .. الحذار الحذار أيها المتظاهِرون أن تختلط في أذهانكم الأمُور فهذا الخلط، رجسٌ فاجتنبوه، أَما اختلط الحابلُ بالنابل، في بعض المناطق، وبانَ دمٌ لِجريح، والمؤشرُ هنا خطير، فالدمُ من علاماتِ الإجهاض قبل أن يولَدَ المولودُ المنتظَر،
فمَن له مصلحة بالدّم، ومن المستفيد من سفكِ الدِماء؟
2- الظرفُ الذاتيّ، قيادةُ وَعيٍ سياسيّ استثنائيّ، ما يُسمّى بالفاعليةِ الذاتية العِلميّة، والعَمليّة تتجلَّى بقائدٍ تاريخيٍّ فرد ومجموعةِ أحرارٍ يحمِلون رؤيةً برنامجية، بحلولٍ محدّدةٍ تكتيّة واستراتيجيّة، وبمنهجٍ ثوريٍّ علميٍّ واقعيّ.
قصدتُ على سبيل المثال لا الحصر، جمال عبد الناصر.. حافظ الأسد…
3 – الحزبُ الطليعيُّ الجماهيريّ في إطار جبهة حلفاءَ من وطنيّينَ وقوميّينَ وأمميّينَ، وقصدتُ على سبيلِ المثال لا الحصر من الحلفاء، روسيا وإيران، وسواهما نلتقي معاً، مقاومينَ، وممانعين، ومناضلين من أجلِ أوطانِنا حول أهدافٍ ساميةٍ ومصالحَ مشتركة، في مواجهةِ هيمنةٍ استكباريةٍ واستعلائية.. وتكون قراراتُ الجبهة من محور المقاومة ودول الممانعة ناجمةً من فَهمٍ علميٍّ لتناقضاتِ الواقعِ الرئيسيّةِ، والتّناقضاتِ الثانويّة، تنطلقُ من الإيمانِ بحقِّ الشعوبِ في تقريرِ مصيرِها، وبحركةِ الجماهيرِ المُحِقَّة بمطالبها الإنسانية، ويكون النضال بكل تجلّياته، وطنيّاً وقوميّاً وأُمميّاً على دربِ الكفاح القويم بوعيٍ ثوريٍّ علميّ لتحقيق الأهدافِ المشتركة لأوطانِنا بالمنظورٍ المستقبليّ الطامحٍ إلى غدٍ أفضل.
أخيراً لا آخراً ومن التاريخ القديم، ومن تجارب الشعوب المعاصرة، نستقي الدروس:
فَلْيستمِرَّ الحراكُ قُوَّةَ ضغطٍ ضرورية، لانتزاعِ المزيدِ من المكاسب عبر إعمالِ العقلِ والفكر والحوار.. وليكنِ البندُ الأول على جَدولِ الأعمال، نضالٌ سلميّ لتوضيحِ الرؤية، وإزالةِ الغشاوة بين ما هو نافعٌ وما هو ضارّ، وليكنِ الحَذَرُ حاضراً للحؤول دون محاولات الإجهاض، والصُّراخِ الغاضب، وجَرِّ شعبِنا المظلومِ اتُجاهَ الفوضى، والقفزِ في الفراغ..
ذلك أنَّ الأجندات الأميركية والخليجية باتت حاضرة بخبث ورِياء من عملاء مندسّين بين المتظاهرين في الساحات، ومأجورين على الطرقات يتلبَّسون الحواجزَ جهراً وفي الخَفَاء، مراقبين لرفع التقارير إلى المتآمرين في الخارج والداخل على الحراك، وحول ما يحصل في الطرقات المقطَّعةِ الأوصال بالدشمات والدواليب فيما الآخرون منهم بين دخان الحرائق والغضب والاستفزاز يشتمون وكلَّ القبائحِ يرتكبون ويدّعون أنهم يدافعون عن الفقراء والمظلومين فيما تتراوح أسعارُ الواحدِ من هؤلاء مئة دولار لقطع الطريق، والإقامة في الخيمات والكُانتُرات في الساحات، مئة وخمسون !!
أيها الناس: النضالُ السلَميّ شرطٌ أوليٌّ يحتاجُهُ العقلُ والوعيُ والحوار، لِضبط الانزلاق نحو ما لا تُحمَدُ عُقباه.. أفلا يحضرُكم إزاء مثل هذا الناشط ! المثل الدارج
«أنا أعمى ما بشوف، أنا ضرّاب سيوف».
أيها الناس وفِّروا الحيثيات الثلاث لاستكمال التغيير والتحرير وعيٌ.. برنامجٌ.. وأداة ليكونَ الحراك في التغيير ظافِراً كما في تاريخ الشعوب انتصرت الانتفاضاتَّ والثورات.
في الختام: لِلبنانَ ولِلّبنانيّين، من دِماء الشّهداءِ صرخةٌ ونداءٌ ومناداة، بعد طولِ معاناة، مَسَارُنا قويم في حياتِنا وكفاحِنا والمناضلينَ، والمقاومين، جهادٌ في سبيل إعلاء كلمة الحقّ حتى النَّصرِ أو الشهادة،
لنبني معاً والشُّرفاء، وطناً لا يهجِرُهُ أبناؤُنا ودولةً عزيزةً عادلةً، نَرفعُ تحت قِبّةِ، سمائِنا رايةً الحقِّ والحريّةِ والعدالةِ الاجتماعيّة، لِنحيا كما ولَدَتْنا أمهاتُنا أحراراً،
ونموتَ ونُدفَنَ أَعِزّاءَ كرماء، مجبولةٌ دماؤنا بدِماءِ شهداءِ أبطال الأمة،
في مسيرةِ الثّورةِ العربيّةِ والأُمميّة.
مقتطفٌ من كتابٍ قيدِ الإعدادِ بعنوان،
«ظافرونَ بالنصرِ أوِ الشّهادة.. مسيرةُ حياةٍ وكفاح»
الأمين العام لرابطة الشغيلة