المتاح وغير المتاح في زمن الفراغ
عمر عبد القادر غندور
لطالما قلنا وما زلنا نقول انّ بلاء لبنان الذي يحول دون قيامه أو شفائه يكمن في نظامه الطائفي الذي شوّه صورة الوطن، ولم يُبقِ في لبنان منزلاً لم يكتوِ بهجرة أبنائه الساعين إلى لقمة العيش في بلدهم يفتشون عنها في مشارق الأرض ومغاربها، وحلّ مكانهم من غير اللبنانيين، مضطهدون وخائفون، ولا شماتة بأنفسنا ولا غيرنا!
في مثل هذا الشهر في الثاني والعشرين من تشرين الثاني عام 1943 كان استقلال لبنان، وفُتحت الأبواب الموصدة بين المكوّنات لضبط التناقضات والأوهام التي عصفت في البلاد على مدى أعوام وصولاً إلى نظامنا الطائفي الحالي الذي دمّر البشر والحجر والشجر بحروب تشتعل وتخمد على مدى 71 عاماً! ولا نبرّئ الفرنسيين من تشجيعنا على اعتماد المحاصصة الطائفية، وهي الصيغة التي لم يرتضونها لبلادهم، وما زلنا إلى اليوم نعاني من فجور نظامنا الطائفي الذي حوّل دولتنا الى «دويلات» تمسك بمفاصل الدولة وتنهب خيراتها، وتحمي اللصوص والوكالات الدواء في لبنان أغلى دواء في العالم وهو سلعة الغني والفقير والكارتيلات والتلزيمات والتعاقدات، تحمي اللصوص وقراصنة المال العام، حتى بات كلّ شيء مطيّفاً حتى القضاء ورغيف الخبز والثقافة والأغنية والبرغل والحمضيات والتفاح ولم يبق من جامع وطني إلا التبولة والحمص بطحينة، ولا ندري إلى متى يبقيان صامدان؟
في يوم قال سماحة السيد محمد حسين فضل الله طيّب الله ثراه «لبنان لا يموت ولا يشفى».
هذه القدرية واجهتها في السابع عشر من تشرين الأول 2019 حركة هي جماهيرية مطلبية هي من أهمّ الأحداث اللبنانية على مرّ التاريخ والتي يجد فيها اللبنانيون تأكيد رغبتهم في العيش المشترك وضرورة قيام دولة حقيقية يكون الولاء فيها للدولة وليس للطائفة، خياراً وطنياً لا بديل عنه.
اللبنانيون اليوم في مرحلة متابعة وانتظار وترقب وعليهم ان يتوخوا الحذر في أولويات تحقيق المطالب والمتاح منها في الزمن القريب، ونرى الورقة الإصلاحية التي أقرّها مجلس الوزراء في آخر جلسة له، هي الأقرب الى التنفيذ في المدى المنظور، أما استبدال النظام الطائفي بالنظام المدني وإقرار نظام انتخابي يعتمد النسبية خارج القيد الطائفي ويأتي ببرلمان يمثل اللبنانيين حقاً، فهذا يحتاج الى وقت.
لذلك نخشى من تحركات «عباقرة» النظام الطائفي للالتفاف على مطالب الحراك بفائض من دهاء وحنكة وتجارب دون إهمال المطالب الوطنية كالتي ذكرناها والمثابرة على متابعتها بكلّ الوسائل المشروعة.
رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي