«معارضة سوريّة» تستثمر في الاحتلال التركي لبلادها
د.وفيق إبراهيم
مشهدان متكاملان يكشفان مستوى «الانحطاط الوطني» الخطير الذي أدركته المعارضة السورية التي تنتحل صفة الدفاع عن الشعب السوري.
الاول يتعلق بميليشيات تابعة لهذه المعارضة تطلق على نفسها اسم «جيش وطني» وتتقدّم خلف الجيش التركي وبإمرته في شمالي سورية، أما الثاني فهي مشاركة هذه المعارضة في مؤتمر جنيف المنعقد منذ يومين في إطار اللجنة الدستورية للاتفاق مع وفد الدولة السورية على تعديلات دستورية جديدة لإنهاء الأزمة المستمرة منذ ثماني سنوات.
فكيف تشارك هذه المعارضة باحتلال بلادها مع «التركي» صاحب الطموحات العثمانية المتجدّدة وتفاوض في الوقت نفسه لبناء دولة متطورة؟
وهذا يجيز لأبسط أنواع التحليلات السياسية ان ترى في هذه «الازدواجية» نوعاً من إضفاء طابع سوري على الاحتلال التركي لإدلب وعفرين وما تسميه بالمنطقة الآمنة للاتراك بعمق 32 كيلومتراً وطول 480 كيلومتراً وتعطي شرعية لهذا الاستعمار.
لماذا تشارك اذاً في مؤتمر جنيف؟
تريد هذه المعارضة المنفصمة استعمال الاحتلال التركي كعامل قوة، لابتزاز المفاوضات في جنيف وسرقة ادوار سياسية دستورية تضعها في خدمة المستعمر التركي وتسمح لها بأخذ حصة وازنة في المعادلة السياسية السورية التي يجب أن تنتجها مفاوضات جنيف، كما تعتقد.
فهل هذا ممكن؟ بذلت الدولة السورية جهوداً جبارة لتحرير 120 الف كيلومتر مربع كانت محتلة من إرهاب قوامه مئات الآلاف من المرتزقة العابرين من خلال الحدود الأردنية والعراقية والسورية واللبنانية المدعومين من الخليج العربي والأميركيين والغربيين عموماً والاتراك، ما شكل محاولة أممية لتدمير سورية وتفتيتها وإسقاط دولتها.
إلا ان هذه الدولة بصمود شعبها وبسالة جيشها وبدعم من حليفيها الروسي والإيراني هزمت هذا الإرهاب الدولي، لكن تركيا استغلت انهماك الجيش السوري في تحرير الوسط والجنوب والمناطق المحيطة بدمشق، فدخلت الى عفرين وادلب وتحاول اليوم توسيع هيمنتها في الشمال والشرق بعد خسارتها حلب وأريافها.
هنا يبرز تساؤل عن الدواعي التي املت على الدولة السورية القبول بمفاوضات جنيف؟
لا بد من الاشارة الى ان «جنيف» ناتج من مفاوضات مؤتمر آستانا وسوتشي الذي يضم حليفين لسورية وهما روسيا وايران الى جانب تركيا وجاء تشكيله بعد هزيمة الإرهاب في كامل سورية باستثناء المناطق التي يحتلها الجيش التركي المغطى بمعارضة تنتحل الصفة السورية وتزعم أن لديها «جيشاً حراً» تحول «جيشاً وطنياً» في المرحلة الحالية للزوم تغطية الهجوم التركي على شمال وشرقي البلاد.
هناك اذاً اعتبارات الصراع الروسي الاميركي وضرورة تحييد تركيا في الصراع الإيراني الأميركي. والعلاقات الروسية التركية الجانحة نحو تعميق صفقات السلاح والغاز والاقتصاد بما يؤسس لنزاع أميركي تركي، يطمع المخططون ان يؤدي الى انتقال انقرة من محور «الناتو» الى حلف مع روسيا وإيران هذا بالاضافة الى ان نظام الاولويات التي ينفذها الجيش العربي السوري، ارجأ تحرير الشمال والشمال الغربي الى مراحل لاحقة، كل هذه العوامل أسهمت في إعطاء الرئيس التركي اردوغان مُهلاً اضافية لتنفيذ تعهّداته بالانسحاب من ادلب على ان يليها الانسحاب من عفرين.
لكن الأتراك كعادتهم تذرعوا بالخطر الكردي على دولتهم وتقدّموا نحو الشمال بتغطية من «المعارضة» المنفصمة.
فهل لجنيف آمال بالتوصل الى حلول سياسية ودستورية؟ الواضح ان تركيا تريد دوراً لمعارضتها السورية في سورية السياسية من خلال جنيف، وهذا ما لا تقبله الدولة السورية.
إلا أن هذه الدولة ارتأت بعد مشاورة حليفيها الايراني والروسي استكمال مؤتمر جنيف لنزع أي ذريعة تركية ولكشف المناورات التركية والجيش الوطني المزعوم بمعارضته المنفصمة بأنهم لا يريدون حلاً حتى لو تحقق الحل بالاتفاق على دستور معدل وقانون انتخاب جديد، فإن الدولة السورية مستعدة لإجراء انتخابات بعد انتهاء الولاية الحالية للرئيس بشار الاسد على اساس مشاركة كل السوريين غير الخاضعين لمحتلين او سلطات دول اجنبية لذلك يحاول الأتراك بعلاقاتهم مع الروس والايرانيين التوصل الى تسوية تحصر اي مشاركة للمعارضة بمعارضتها التي لا تشكل عملياً اي مصدر من التمثيل السوري الوطني الفعلي، ولا تعبر إلا عن مصالح الأتراك الاستعمارية في سورية.
وهذا يكشف ان الاستعمار العثماني لسورية يريد استبدال احتلاله للأرض باحتلال قسم من الدستور السوري وبناه الدستورية في رئاسات الجمهورية والنواب والحكومة.
بيد أن المشكلة هنا، هي ان الدولة السورية لا تفاوض مطلقاً على هذا النوع من التنازلات التي حاربت من أجل إنهائها إرهاباً ودولاً وهزمتها بالضربة القاضية حتى أنهت النفوذ السعودي والقطري والإماراتي والغربي والاميركي الذي اعلن انسحابه من سورية مهزوماً وعاد ليسرق النفط السوري بتغطية كردية.
جنيف الى أين؟ لا يبدو انه قد يصل الى نتائج حسب ما قال ممثل الأمم المتحدة في المؤتمر غير بيدرسون الذي اعتبره فرصة لإنهاء الازمة السورية، لكن الاستعمار التركي ومرتزقته واصلون الى درب مسدود بما يؤدي الى العودة للميدان، على الرغم من العروض التركية بسحب جيشها ومرتزقتها الإرهابيين في ادلب، فسورية مصرة على تحرير كامل اراضيها وتعديل دستورها بما يتناسب مع التطورات السياسية، وهذا لا يكتمل إلا بطرد الأتراك من الغرب والشمال ولو بعد حين.