حكومة تكنوقراط…؟!
د. أسد شرف الدين
تعني عبارة تكنوقراط، لغوياً، إدارة المجتمع من قبل ذوي الاختصاص، كأن نقول: متخصّص بالصحة أو القانون أو الاقتصاد أو الأدب الفرنسي وسوى ذلك…
يكثر ترداد هذا النوع من الحكومات عند أيّ مسعى لتشكيل أو تغيير حكومي، مترافقاً مع تصنيفات مختلفة كحكومة أقطاب، أو حكومة مطعّمة، أو حكومة من الصف الثاني، وبنسبة أقلّ، حكومة الشخص المناسب في المكان المناسب.
يبدأ، بعد مرحلة الاستشارات الملزمة لتسمية رئيس الحكومة، دورُ الرئيس المكلفّ، بالتعاون والتنسيق مع رئيس الجمهورية، لاستشارات غير ملزمة، لتسمية الوزراء. فيقوم، بعد ذلك الجدل على الأسماء والحقائب والحصص ما يؤخر تشكيل الحكومة شهوراً، والناس تعيش في ترقب وانتظار، وفي جميع الأحوال، حتىّ الآن، قليلة هي المفاجآت.
لفتني، كيف أنّ بعض النواب أو ممتهني السياسة، يشدّدون على استبعاد حكومة تكنوقراط فكأني بهؤلاء يريدون حجز مقاعد لهم في السلطة التنفيذية، كما هم في السلطة التشريعية. ثم ينعتون حكومة التكنوقراط، بفقدان القيمة، والوزن، والعيون. حجتهم في ذلك، أنهم يريدون، «رجالاً في الحكم» بمستوى الدولة. ويذكروننا أنهم سياسيون متعلمون ومن خريجي الجامعات أيّ أنهم، ليسوا أقلّ علماً، من مرشحي حكومة تكنوقراط في حين، أن لا أحد يريد أن ينتقص من علم أيّ محترف، أو ممارس للسياسة.
هذه المفاهيم المطروحة، من أنتي تكنوقراط تجعلنا في حرج شديد بين الصمت أو الردّ.
لقد غاب عن بال هؤلاء، أنّ اللبناني، أيّ لبناني، هو مثقف سياسياً. وانّ أسماء كثيرة لمعت، إلى جانب عصاميتها وعلمها، بتبوؤ أعلى المراكز في الدولة والحكم، كدولة الرئيس سليم الحص والوزراء: فؤاد بطرس وزياد بارود وفادي عبّود وجورج قرم ودميانوس قطار وابراهيم نجار وغسان سلامة ود. محمد جواد خليفة وسواهم…
والسؤال أين قصّر هؤلاء الوزراء، القادمون من مواقع غير سياسية؟
ثم ما هو المقياس «لرجال الحكم بمستوى الدولة» بعد أن غاب عناّ الكبار الكبار، بحجم ريمون إده وكمال جنبلاط وموسى الصدر ورشيد كرامي ورفيق الحريري؟
تستوقفني المسيرة السياسية لبعض أنتي تكنوقراط، طالما أنهم في موقع القرار. فأين المشاريع الإصلاحية في بناء الدولة؟
كإلغاء الطائفية المقرّر في اتفاق الطائف، ومبدأ فصل الدين عن الدولة، وفصل السلطات إبتداءً من فصل النيابة عن الوزارة، وإقرار قانون انتخاب عصري، وقانون حماية الشيخوخة، وإقرار التعليم المجاني وسوى ذلك؟ أم أنّ هذه المشاريع، جميعها متروكة للقدر، بانتظار إرادة فلذات أكبادنا من جيل أولادنا يهتفون بها في ساحات بيروت وقريباً، في أصقاع لبنان، من خلال تحركات شبابية، تمثل «ثورة الأبرياء»، أجل الإبرياء من الدم والفساد؟!
قد يطلب بعض السياسين، أن يقتصر تشكيل الحكومة على السياسيين بحكومة سياسية، فهل نسي هؤلاء أنّ حكومة من السياسين اغتالت أنطون سعاده، وأنّ حكومة من السياسيين غدرت بالمقاومة، في أوج صراعها مع العدو الصهيوني عام 2006، وانّ حكومة من سياسيّي أثينا، حكمت على سقراط، مؤسّس فلسفة الأخلاق، بالموت لإنحيازه للفضيلة والمعرفة؟
نعرف جيداً، أنّ السلطة التشريعية ينتخبها الشعب، «بمحادل أو دون محادل» ولسنا في وارد التشكيك بنزاهة نتائجها طالما أنّ المجلس الدستوري لم يعترض. ونعرف جيداً، أنّ مهمّتها استصدار القوانين ومراقبة الحكومة وليس الإنخراط فيها لأنها، حكماً، تُسقطُ عن نفسها صفة المراقبة، فلا يجوز إذ ذاك، أن يتولى منصباً وزارياً، أحد من بين النواب، إلا رئيس الحكومة المعيّن باستشارات ملزمة.
أما الحكومة، فيتمّ، بل يجب تشكيلها، وفقاً للمراحل والمعطيات من ذوي الكفاءات والوطنية لتسقط أمامها حدود المذاهب والانتماءات السياسية على أنواعها.
يزداد اعتزازي، عندما أرى ثورة الأبرياء، في وطني، تطالب بما تجاهله السياسيون، على مدى عقود من الزمن، من أجل فجرٍ جديد لوطنٍ جميل، تتسع فيه الحكومات، ليس بالضرورة لممتهني السياسة، فحسب، بل لكلّ ذي كفاءة.
أخلص الى القول، إنّ التحصيل العلمي والجامعي، ليس مقتصراً على ذوي الإختصاص «تكنوقراط»، ولا الدور السياسي يحتكره وحده، من يعمل في السياسة. وفي جميع الأحوال فإنّ التواضع، من شيمّ الكبار.