المحادثات حول الدستور في جنيف ونهاية الحلم الكردي في سورية
د. هدى رزق
اجتمع حوالي 150 مندوباً يمثلون الحكومة السورية والمعارضة ومختلف مجموعات المجتمع المدني في جنيف لصياغة دستور جديد لبلادهم بعد أكثر من ثماني سنوات من الصراع الأهلي المدمّر. تصرّ الأمم المتحدة، التي تشرف على المحادثات ويؤكد مبعوثها في سورية غير بيدرسن في ملاحظاته الافتتاحية أنّ المحادثات ضرورية لدعم قرار مجلس الأمن رقم 2254، ومع ذلك، فإنّ روسيا وإيران وتركيا هي التي تملك معظم الأوراق .
بعد أيام من انعقاد اللجنة الدستورية السورية في جنيف أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أنه لا يمكن للجنة الدستورية المجتمعة حلّ جميع المشاكل، يجب البدء بمعالجة المشكلات الإنسانية في سورية في وقت واحد دون أيّ تسييس أو تمييز أو شروط مسبقة، وبدعم من الجهود المبذولة لتهيئة الظروف لعودة اللاجئين والمشرّدين داخلياً إلى الوطن.
نظيرا لافروف التركي والإيراني ردّدا أنّ إطلاق اللجنة هو مجرد خطوة أولى نحو عملية السلام السورية.
وأكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بدوره أنّ تركيا ليست ساذجة وهي على دراية بالمخاطر المحتملة، وانها ستواصل دعم العملية. لافروف أكد «التزام روسيا القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية وسلامتها الإقليمية»، وافقه ظريف، مضيفاً، انّ هذه مجرد بداية لعملية سياسية طويلة وصعبة للغاية في سورية. وأنّ إيران تصرّ على أنّ سورية يجب أن تخضع لسيطرة قواتها المسلحة وحكومتها، التي ستتحمّل مسؤولية أمن البلاد والحدود .
كلا التصريحين الروسي والإيراني شكلا رسائل خفية ليسمعها نظيرهما التركي – بشكل صحيح، والذي أرسل رسالته الخاصة «ستبقى القوات التركية في سورية حتى تتمكن دمشق من حماية أراضيها ضدّ الإرهابيين.»
المجموعة الكردية المعارضة غير موجودة، بسبب اعتراض تركيا على صلاتها المفترضة بحزب العمال الكردستاني المحظور، الذي يشنّ حملة مسلحة داخل تركيا.
لا شك بأنّ اتفاق أستانا قد سمح فعلياً للدولة السورية باستعادة الأراضي التي يسيطر عليها المسلحون المدعومون من تركيا وهدفها التالي هو محافظة إدلب الشمالية الغربية.
تمّ كذلك السماح لتركيا بمطاردة وحدات الحماية الكردية السورية التي تهيمن على «قوات سورية الديمقراطية»، الشريك الأول للولايات المتحدة في قتال داعش. لكن الأكراد يعتبرون انّ الولايات المتحدة قد خانتهم وسمحت بالعملية التركية عبر انسحابها من الحدود التركية في الجزء الشمالي الشرقي من سورية. أما الكونغرس فهو تراجع عن مجموعة من القرارات لمعاقبة تركيا. ومنذ ذلك الحين عكس ترامب مساره، وقرّر انّ أعداداً كبيرة من القوات الأميركية ستبقى في دير الزور لحماية النفط هناك. لكن الخبراء يؤكدون انّ الأميركيين سيكونون غير قادرين على البقاء لفترة طويلة في دير الزور.
أسئلة تدور حول مآل المحادثات الجارية في جنيف… ماذا تريد تركيا التي تمون على المعارضة؟ يبدو انّ التفاهمات في النهاية تشير الى قبول الدولة السورية نوع من التمثيل للمعارضة السورية في الحكومة لأنه من دون تركيا، يستحيل عليها استعادة مساحة كافية لإعادة تأكيد سيطرتها بصورة مجدية…
الدولة السورية ستستعيد في الأشهر المقبلة إدلب لكن سيُسمح لتركيا بالاحتفاظ بجزء كبير في الشمال لاستيعاب نحو مليون شخص سيفرّون من المنطقة وسيحاولون دخول تركيا. تلعب روسيا في هذه المواضيع دور «الوسيط المفيد» بين تركيا وسورية. تركيا تمثل بشكل ما الناتو وطالما أنّ تركيا في سورية، يجب أن يستمرّ تعاونها العسكري مع روسيا.
إيران من جهتها ترى أنّ تركيا تستأنف التعاون مع الولايات المتحدة في سورية. هذا هو السبب في أنهم كانوا يطلبون من الأكراد أن يجلسوا مع النظام وهم نصحوا النظام في سورية أن يكون ذكياً، وأن لا يسعى للانتقام من الأكراد وان يعطيهم الحق بالتحدث والتعلم بلغتهم. والاحتفال بعيد النوروز ايّ السنة الكردية الجديدة، وانّ كلّ ما يريدونه هو المساواة، الإيرانيون هم الذين سهّلوا التقارب الأخير بين النظام السوري والأكراد السوريين، مما أسفر عن اتفاق في مطار القامشلي في 13 تشرين الأول/ أكتوبر المبرم بين قائد قوات الدفاع الذاتى مظلوم كوباني والحكومة السورية، مما سمح للقوات السورية والشرطة العسكرية الروسية بالسيطرة على المناطق المحاذية على طول الحدود التركية. لكن لا خيار للأكراد فهم ان لم يسمحوا للجيش السوري باستعادة المدن المتبقية، فإنّ الروس سوف يسمحون للأتراك بمواصلة قصفهم ومهاجمتهم. لذلك ستتمّ إعادة دمج قوات حماية الشعب الكردية وقوات الدفاع الشعبية في الجيش العربي السوري ولن يصبح الأمر اتوماتيكيا بل سيأخذ وقتاً.
أما كوادر حزب العمال الكردستاني الموجودة في وسطهم، فسوف يتعيّن عليها العودة إلى جبال قنديل مقر حزب العمال الكردستاني على الحدود الإيرانية العراقية. انتهت السلطة الكردية والإدارة السورية الكردية في شمال سورية ولم تعد موجودة. لكن بعد الغزو التركي، تخلت قوات سورية الديمقراطية/ قوات حماية الشعب الكردي عن نقاط التفتيش لكي تتفرّغ من أجل محاربة الأتراك ما سمح لعناصر داعش بالتحرك بحرية وتمّت إعادة تنشيط خلاياها من خلال الهجوم التركي، حيث هرب حوالي 800 منهم.
معظم المساجين من داعش هم اليوم تحت حماية «الجيش السوري الحر» الموالي لتركيا وهم اليوم في تل أبيض. لكن تركيا هدّدت الدول الأوروبية بترحيلهم لا سيما هؤلاء الذين يحملون الجنسية الاوروبية.
إلا انّ الدول الاوروبية كانت واضحة إذ رفضت استقبالهم واعتبرت انّ الحلّ الوحيد هو أن تعيد الحكومة السورية بسط سلطتها في كلّ تلك المناطق، وأن تتولى مسؤولية هؤلاء السجناء وأن تحاكمهم محكمة دولية في دمشق…