اشتعلت الشوارع واتجاه لتسمية الحريري؟

روزانا رمّال

عودة الناس إلى الساحات بعد ما سُمّي بـ»تنفيس» الشارع إثر استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري أخذ المشهد نحو اسئلة مغايرة تصب بالكامل عند عتبات «السياسة». وعلى هذا الأساس صارت حركة تيار المستقبل تحديداً الأكثر وقوعاً ضمن الاختبارات الصعبة والاسئلة الكبرى. هل ينتقل الحريري الى صفوف الشارع بعد الاستقالة تلبية لطلب المتظاهرين بعد أن اعلن بشكل غير مباشر انه «واحد منهم»؟ هل انضم تيار المستقبل وغيره من الأحزاب الحليفة الى الحراك الشعبي؟

كل هذا لا يزال موضوعاً ضمن تساؤلات حقيقية يطرحها الشارع اللبناني. فالحريري يحتاج بدون شك الى تموضع جديد، فلا هو موالٍ اليوم ولا معارض للسلطة. والأهم أن الحراك بوجهته ظاهرياً يحارب كل رموز السلطة. فلماذا يطرح اسم سعد الحريري في الساحات في محاولة للضغط لتشكيل حكومة سريعة؟

في الواقع يتحدّث بعض المشاركين في الحراك في ساحة الشهداء عن استفزاز قام به التيار الوطني الحرّ بمجرد الدعوة لتظاهرة على طريق قصر بعبدا. الأمر الذي اخذ الرئيس ميشال عون الى توجيه كلمة شكر لهم في الوقت الذي لم يتحرّك سريعاً لمخاطبة الحراك الذي انتظره أياماً لأول اطلالة.. لكن الواقع الذي يأخذ رئيس الجمهورية نحو شكر المؤيدين له يبقى بديهياً ولا يحمله بأي شكل من الاشكال او يضعه ضمن دائرة اللوم بعد ان كان الشارع ملتهباً في بدايته وليس جاهزاً للاستماع لأهل السلطة أياً كانوا. الأمر نفسه الذي عاشه الحريري في أول خطاب وجّهه للمتظاهرين..

متظاهر آخر يربط العودة الى الشارع ومشهد قطع الطرقات بعدم الشروع بتعيين موعد بدء الاستشارات النيابية، لكن هذا الكلام «السياسي» يأخذ نحو السؤال الجدي نحو قيادة الحراك التي تخاطب السلطة وتستدرجها وهي قيادة لا تزال حتى الساعة مربكة في الظهور. وهذا إن دل على شيء فهو التحسب لمفاجآت عدة قد تحملها الايام المقبلة للحراك الشعبي ومنها تصرف معاكس تتخذه السلطة او تحوّل بالمشهد يقلب الساحات، لكن الأهم هو الجزء السياسي الأمني الذي يؤكد ان الجهة التي تديره جهة خبيرة جداً في الساحات التي تحدد منهجياً وتراتبياً أولويتها ويمكن مراقبتها في التالي:

أولاً: هدوء الشارع إثر استقالة الرئيس سعد الحريري وانتظار بضعة أيام أعادت الحركة الطبيعية الى البلاد. وهذا المشهد ترافق مع فتح المصارف أبوابها في بداية الشهر ما يؤشر الى ان هناك من تقصّد فتحها من أجل أن تدفع الرواتب ليصار الى عدم الوقوع في لحظة تململ للشارع أو الساحات. فيمكن على هذا الاساس استكمال باقي الخطوات بشكل أسلم يُبقي على زخم المتظاهرين وعن هذه النقطة يتحدّث مصدر متابع لـ»البناء» عن «تخوّف كبير يذكر بالحرب الاهلية التي كانت تفتح فيها المصارف لبضعة أيام أواخر الشهر ليُعاد بعدها اشتعال الجبهات. وهكذا استمر الحال فهل هناك من يدير المشهد بهذا الزخم وبهذا النوع من القدرة على فهم الشارع ومحاذيره؟».

ثانياً: عودة الحراك بزخم واضح الى الساحات مطالباً بتسمية رئيس للحكومة بشكل سريع. وهذا الطلب موجّه بأي حال من الاحوال الى السلطة الحالية أي رئاستي الجمهورية ومجلس النواب. وبالتالي فإن هذا اعتراف بشرعيتها من قبل المتظاهرين، لكنه اعتراف أيضاً بأن هناك استحالة لاختيار رئيس حكومة من خارج دائرة هذه السلطة وإذا كان هذا صحيحاً لماذا تبنى شعار «كلن يعني كلن»؟

وبين هذا وذاك تؤكد معلومات «البناء» أن أحزاباً وقوى سياسية أساسية لم تعارض ولم تمانع انصارها بالنزول الى الشارع. وهذا يؤكد أن الأسئلة حول مشاركة أحزاب مناهضة للرئيس ميشال عون وحزب الله تحديداً موجودة على الارض وقادرة على التأثير بل التأطير والتنظيم. وهذا قد يُعقّد المشهد السياسي أكثر لقدرة هذه الأحزاب على تشكيل قوة ضغط في الشارع لتسمية رئيس حكومة يناسب توجهاتها أو حتى إبقاء الأمور مفتوحة في مسألة التأليف حتى يرضى الشارع ومن ورائه هذه الأحزاب. وهذا يدخل السلطة بمجهول التأليف والتكليف ومخاطبة أشباح تمثل الحراك ولا تملك جرأة المواجهة.

إقليمياً: كشفت مصادر دبلوماسية رفيعة لـ»البناء» أن الامور ستتوجه بخواتيمها لإعادة تسمية سعد الحريري رئيساً للحكومة وهو الذي سيكون قادراً بحسب هذه المصادر على تشكيل حكومة ترضي جميع الأطراف محلياً ودولياً، معتبرة ان المرحلة الصعبة من تداعيات هذا الحراك ربما يكون تخطاها لبنان وتحتاج الى حكومة إنقاذية سريعة قادرة على سحب الفتيل من الشارع، مشددة على «أهمية الاستماع الى الناس ومطالبها». وختمت المصادر من المتوقع ان تكون الحكومة المقبلة حكومة تكنوسياسية تمثل الأحزاب جميعاً، لكن ليس بواجهتها إنما بأسماء تعتبر من الصف الثاني للأحزاب.

هذا الكلام يأخذ نحو البحث في حقيقة تبنّي حزب الله وحلفائه للحريري وحقيقة إمكانية تخطيه أيضاً من جهة اخرى قبل وقوع لبنان في المجهول، طالما ان الحراك نجح حتى اللحظة باستدراج السلطة والبلاد نحو ضغط شعبي غير مسبوق منذ الاستقلال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى