قطع الطرق إسفين في مسار الانتفاضة

علي بدر الدين

يبدو انّ ردة فعل الناس على قطع الطرق من قبل البعض كوسيلة ضغط على الطبقة السياسية الحاكمة عكست عدم رضى معظم اللبنانيين المؤيدين للانتفاضة الشعبية قبل المعارضين لها، وفرضت واقعاً جديداً ومغايراً للعناوين والشعارات والمطالب التي رفعها المنتفضون في 17 تشرين الأول الماضي، والتي على أساسها التحق اللبنانيون بها واقتنعوا بأهدافها وتوجهاتها لأنها حاكت معاناتهم من فساد هذه الطبقة التي أفلست البلد وأفقرت الناس ولا تزال مصرّة على الإمعان في سياستها المصادرة لحقوق اللبنانيين وكراماتهم.

هذه الانتفاضة التي جاءت في زمانها ومكانها وأحقيتها لطالما انتظرها الشعب المعذب والمقهور والتي آن أوانها وباتت مطلباً ملحاً، وهو لا يزال متمسكاً بها حتى الرمق الأخير على ألا تنحرف عن مسارها لأنها باعتقاد البعض عفوية بامتياز وولدت من رحم المعاناة في مواجهة الطبقة السياسية ونهج المحاصصة الطائفية والمذهبية والزعائمية المستمر منذ ثلاثة عقود، غير أنّ هذه الانتفاضة التي يعوّل عليها اللبنانيون قد أعادت لهم بعض الأمل بانبلاج فجر جديد وبإسقاط هذه الطبقة التي كلما طال تحكّمها وإمساكها بزمام السلطة يزداد نهمها وجشعها واستمرارها بنهجها التدميري لكلّ مقوّمات البلد السياسية والدستورية والاقتصادية بهدف تحويله الى كانتونات ضيقة هي فيها الحاكم والآمر والناهي وترك البيئات الحاضنة تتصارع وتتقاتل ليس لتحصيل حقوقها والعيش بكرامة وعزّ، بل من أجل تطويعها وتحويلها الى مجرد تابع وخاضع ومرتهن.

إنّ من يراهن على أنّ اللبنانيين خرجوا من عباءاتهم السياسية والطائفية والمذهبية والزعائمية فهو خاطئ، وإنْ كان معلقاً الآمال على الحشود الجماهيرية التي تملأ الساحات فإنّ أمله سيخيب مع تأكيدنا أنّ معظم الذين احتشدوا يتوقون الى الإصلاح والتغيير والمحاسبة…

ولا بدّ من طرح الأسئلة على سبيل المثال ومنها كيف لانتفاضة أو ثورة ان تنجح من دون أفق أو أجندات سياسية محدّدة، أو من دون قيادة علنية تحاور وتعلن الأهداف في سياق وطني اجتماعي لإطلاع اللبنانيين عليها، وهذا الغياب أو التلطي في الظلّ فتح المجال لأسئلة مشروعة منها أن أحزاباً سياسية لها أجنداتها الداخلية والخارجية تركب الموجة وتستعمل المنتفضين العفويين الصادقين كدرع بشري لتحقيق أهدافها السياسية التي عجزت عن الوصول إليها في ظروف أخرى؟ وكيف لها أن تكون في كلّ الساحات ومن كلّ المناطق والطوائف والأحزاب وهي تختلف بين منطقة وأخرى، بمعنى هناك مناطق في لبنان هادئة مستقرة، والحركة الجارية فيها طبيعية والمدارس والجامعات تسير بشكل طبيعي، لا إقفال للطرق ولا للمصارف ولا لمؤسسات الدولة وإداراتها، مقابل مناطق لا حياة فيها على كلّ الصعد وهي مقطعة الأوصال ويتحكم بطرقاتها من لا دور وطنياً له ولا تاريخ نضالياً مما أدّى في كثير من الأماكن الى حالات فوضى واتهامات وإهانات وإذلال.

انّ المطلوب من قيادة الظلّ في الانتفاضة التي أمل الجميع بنجاحها وتحقيق أهدافها التي تنقذ الوطن والمواطن ان تعيد النظر بكثير من الواقعية والموضوعية والكشف عن مكامن النقص والخلل التي تعرّضت لها الانتفاضة ومراجعة اللجوء إلى قطع الطرق ومدى فائدته أو سلبياته لأنه من الأمور التي تحتاج إلى بعد نظر وجدية ومسؤولية لا سيما بعد أن دخل على خط قطع الطرق من لا ثقة بهم وبتاريخهم السياسي، وخاصة انّ قرار الإضراب وقطع الطرق أمس الاثنين كان عشوائياً ما ساهم بإرباك الناس التي لم تعرف ماذا سيحصل وعاشت في دوامة فتح الطرق والمدارس والمصارف والمؤسسات والإدارات الرسمية.

والسؤال الكبير أين قوى السلطة من كلّ ما حصل وعلى مدى 19 يوماً من الانتفاضة التي حققت فقط إسقاط الحكومة، وهي غائبة كلياً عن ضغط الشارع وسماع أصوات المنتفضين وكأنها تراهن على أمر ما يوقف الانتفاضة، وهي رغم كلّ ما يحصل لم تتمّ الدعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة، وهي ما زالت تتعامل مع بعضها بالطريقة التقليدية لتشكيل الحكومات، ولماذا القوى السياسية المؤيدة للانتفاضة لم تقدم بشكل علني على ايّ خطوة إيجابية لدعمها كاستقالة نوابها وهي أساساً متهمة بأنها شريكة وداعمة ومموّلة لها.

انّ الانتفاضة هي فعل وطني بامتياز، والجميع في موقع الحرص عليها واستمرارها من أجل التغيير وليس الوقوف مع السلطة، وانْ كان من دون قصد، في إفقار الناس وتجويعهم بقطع الطرق عليهم حتى لا تخسر ورقة من أوراقها المطلوبة في هذه المرحلة المصيرية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى