مصير إدلب في ظلّ التفاهمات الروسية التركية والرغبات الاستراتيجية لسورية
ربى يوسف شاهين
خير ما نبتدئ به المقال، قول الرئيس الأسد إنْ لم يخرج المسلحون في إدلب إلى تركيا سيكون أمامهم خياران إما العودة إلى حضن الدولة وتسوية الأوضاع أو الحرب، لا يوجد خيار آخر لا بالنسبة لنا ولا بالنسبة لهم، هذان هما الخياران الوحيدان .
وهنا السؤال الأساسي لماذا إدلب؟
إدلب المدينة السورية تقع على البوابة الشمالية لسورية، والتي تُطلّ منها على تركيا ومن ثم أوروبا، يحدّها من الشمال تركيا بطول 129 كلم ومن الشرق محافظة حلب بطول 159 كلم ومحافظة حماة من الجنوب بطول 158 كلم وغرباً محافظة اللاذقية 29 كلم.
وتحتلّ موقعاً متميزاً وهاماً على طريق الحرير قديماً وتعدّ معبراً للجيوش الغازية وطريقاً مهماً للقوافل التجارية القادمة من الأناضول وأوروبا إلى الشرق أو بالعكس عبر معبر باب الهوى الحدودي، ومع ذلك تعتبر محافظة إدلب من أغنى المحافظات السورية، وتعتبر صلة الوصل ما بين المنطقتين الساحلية والوسطى والمنطقتين الشمالية والشرقية، حيث تكون جسراً بين مناطق الإنتاج الزراعي في الجزيرة السورية والمناطق الشرقية ومناطق التصدير في ميناء اللاذقية.
ومن هنا تتضح الأهمية الجغرافية لإدلب في التركيز عليها من قبل المحتلّ التركي ومعه الاميركي، المختبئ تحت عباءة مكافحة الإرهاب في الشمال الشرقي من سورية.
الخطة الاميركية التركية اقتضت تقاسم المهام في الشمال السوري عموماً، وبدأ التركيز على محافظة إدلب لتكون هي القاعدة الحاضنة لأدواتهم الإرهابية، مُستغلين موقعها مع تركيا وترابطها مع الممرات الأخرى الهامة التي ذكرناها سابقاً.
ورغم انّ الرئيس الروسي بسياسته الحكيمة استطاع كبح جماح الرئيس أردوغان، في توسيع دائرة احتلاله، إلا انّ الانتقال الى ضفة الاعتراف الأخرى وإظهار نفسه بصورة المنهزم قوّضت تحركاته السياسية والعسكرية.
سياسياً في تصريحاته خلال لقائه بالرئيس بوتين وتأكيده على الحفاظ على السيادة السورية، مبرّراً الأمر بتحقيق أمنه القومي، وإبعاد الكرد السوريون الى شرق سورية بطول 445 كلم.
هي ملفات طرحها التركي ليتمكن من تبرير جرائمه على الساحة السورية، والتي وافقته عليها أميركا والمانيا بما يسمّى المنطقة الآمنة، الأمر الذي عبّر عنه الرئيس الأسد حين قال: العدوان التركي يعبّر عن مطامع تركيا السيئة وأيضاً رغبة أميركا، والروسي بهذا الاتفاق لجم التركي وقطع الطريق على الأميركي وعلى دعوة التدويل التي طرحها الألماني .
المجريات السياسية والعسكرية التي تعاقبت على الساحة السورية منذ طرح منصة استانا واتفاق سوتشي، شكلت ميثاقاً اضطرت تركيا وأدواتها الإرهابية الانضواء تحته، رغم انّ الطرف التركي لم يلتزم خلال العام 2018 ببنود سوتشي، وحصلت خروقات كثيرة لمسألة مناطق خفض التصعيد، والتي تنصّل منها أردوغان معتبراً نفسه غير قادر على ضبط المجموعات الإرهابية، كوسيط ضامن بينها وبين الحكومة السورية.
وهذا ما عبّر عنه الرئيس الاسد حيث قال: نحن جزء من سوتشي وكلّ ما يحصل مرجعيته سوتشي .
الإرهاب الذي ضرب سورية عبر الاميركي والتركي، تنوّعت أساليبه ومفرداته منذ بداية الحرب على سورية، بأسماء خُلقت لزرع الخوف والرعب في قلب الشعب السوري، وخاصة تنظيم داعش الإرهابي وجبهة النصرة وما يتفرّع عنهما من أذرع إرهابية، وكلها تابعة لعقيدة واحدة هي الإرهاب .
واستطاعت الدولة السورية عبر الجيش العربي السوري ومساندة الحليفين الروسي والإيراني، من القضاء على مجموعاتهم الإرهابية في 80 من أراضي الجمهورية العربية السورية، حيث قال الرئيس الأسد عملية مكافحة الإرهاب لا تتمّ بالتنظير ولا بالكلام الإنشائي ولا بالمواعظ .
وكما قال الرئيس الأسد: إنّ كلّ من يقاتل في إدلب هم جيش تركي، سواء كان اسمهم قاعدة أم أحرار الشام ، معتبراً أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يمارس الزعرنة السياسية على أوسع نطاق ويكذب على الجميع .
هي إدلب المحافظة السورية التي دنّست أرضها أقدام الإرهاب، لكن المؤكد انها ستعود لحضن سورية الكبير وهذا ما شرحه الرئيس الأسد قائلاً: التحرير التدريجي الذي يحصل في إدلب سيحصل في الشمال السوري بعد استنفاذ كلّ الفرص السياسية ، مشيراً إلى أنه في حال لم تعطِ العملية السياسية بأشكالها المختلفة نتائج، فإنّ سورية ستذهب إلى خيار الحرب ولا يوجد خيار آخر .
الكلمة الفصل هي للقيادة السورية والجيش العربي السوري، وكلّ ما يجري على الساحة السورية في الشمال السوري من محاولة لإعادة مشاهد سنوات الحرب الإرهابية إلى سنواتها السابقة وحلم الرجوع الى أوكار الإرهاب قد سقطت، فتمّ تدميرها ولم يعد لها وجود، فالجيش العربي السوري بسط الأمن والأمان فيها، وسينبت زهر سورية شاء من شاء وأبى من أبى.