ختام «مهرجان الثقافة الموسيقيّة» بدورته التاسع عشر ملاحم موسيقيّة من عصور عديدة بأداء شاب ومبدع على مسرح دار الثقافة بحمص
سعد الله الخليل
منذ اللحظة الأولى لبدء حفل ختام مهرجان الثقافة الموسيقيّة التاسع على مسرح دار الثقافة في حمص، شدّ المايسترو حسان اللباد قائد أوركسترا مديرية الثقافة بحمص انتباه الجمهور الذي غصّ بهم المسرح، باختياره الملحمة الغنائية كارمينا بورانا للملحن الألماني كارل أورف لافتتاح الحفل بأصوات كورال الفرقة، فأسر تناغم الأصوات مع الإيقاع الجمهور قبل أن يعتلي باقي أفراد الفرقة المسرح، فأظهر قدرة فائقة على تقديم حفل مميّز بسويّة فنية عالية، ساهم بإغنائه أعضاء الفرقة التي تجاوز عددهم الثمانين قدّموا مجموعة منوّعة من المقطوعات والأغاني بتوزيع موسيقيّ أوركسترالي عكس حجم العمل المتقن، والأداء الاحترافي للمايسترو اللباد وأعضاء الفرقة في حفلها الرابع والتي انطلقت شهر نيسان 2019.
واعتبر المايسترو اللباد في حديثه لـ»البناء» أن تنوّع برنامج الحفل بين المقطوعات العالمية والأغاني الطربية والرحبانية لزكي ناصيف ونصري شمس الدين، والمقطوعات المصرية لياسر عبد الرحمن المال والبنون وعمر خيرت قضية العم أحمد والوطنية والشعبية، أسهم بتعريف الجمهور الذي تجاوز عدده ضعف استيعاب المسرح على رؤية فنية جديدة، إضافة إلى المخاطرة باختيار مقطوعة الافتتاح والتي أدهشت الجمهور.
على أدراج المسرح وعلى شرفات بلكون مسرح دار الثقافة جلس جمهور حمص منتشياً بأداء جميل دفع محافظ حمص طلال البرازي قبل بدء الحفل للتأكيد على حاجة المدينة لمسرح يتّسع ثلاثة آلاف شخص لمواكبة الحراك الثقافي في المدينة.
وأضاف بالقول «شكل المهرجان تظاهرة مميزة في المدينة وأهم ما فيها الجمهور المتميز بالمتابعة والأداء، ما يؤكّد بأن حمص عاصمة للثقافة في سورية. ونشعر بالفخر بتذوّق جمهورها الثقافة والفنّ والأدب والقضية أبعد من ذلك عندما تكون الثقافة بخير. فهذا يعني أن السوريين يعودون لأصالتهم وطبيعتهم الحضارية، وأفقهم الواسع ومهرجاناتنا رسالة انتصار بوجه من أراد تدمير الحضارة كسلاح قوي للثقافة والإنسانية».
حضورٌ موسيقيٌّ وازن
وصف نقيب الفنانين في سورية زهير رمضان الحضور الجماهيري النوعي في مدينة حمص باللافت للنظر من حيث النوعية المرتفعة في الذائقة الفنية. وقال في حديثه لـ«البناء»: لأول مرة تشارك الفرقة السمفونية في مهرجان للثقافة الموسيقيّة، وهو دليل على مكانة حمص على الخريطة الثقافية.
كما واعتبر رمضان أن وجود المايسترو اللباد كمدير للثقافة ساهم عبر التشاركية بالمهرجان بإضافة بعد إبداعي نظراً لتجربة اللباد وإمكانياته الفنية الكبيرة.
بدوره قال الفنان هادي بقدونس نائب نقيب الفنانين: ما سمعناه اليوم فوق المستوى المطلوب من خلال أداء كل فرد أظهر التنسيق والتجانس والجهد في التحضير للعمل، خصوصاً في ظلّ مقطوعات صعبة أداها الكورال الذي قدّم حفلاً بكلّ إحساس وانفعال في مقطوعات اللونغا عبر تقديم صولفيج غنائي من أصعب أنواع الأداء، حيث بدا التجانس والتكامل مع العازفين على مسرح من أعرق المسارح السورية لما لجمهورها من ذائقة عالية .
عماد جلول مدير المسارح والموسيقى رأى أن وزارة الثقافة حريصة على دعم التظاهرات الفنية على امتداد الجغرافيا السورية سواء في المسرح أو الموسيقى.
عازف الكمان مروان غريبة وصف المهرجان بالناجح كظاهرة فنية مشهود لها في المدينة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، قياساً بمستوى الفرق التي قدّمت عروضها ونماذج موسيقية ناجحة جذبت جماهيرية واسعة، لتكون تظاهرة ثقافية اجتماعية لا تقلّ عن قيمتها الفنّية بشكل راق ومميز.
وتابع: العروض التسعة التي قدّمت كانت متنوعة وقريبة من الجمهور وذائقته الجميلة.
المطرب الشاب إبراهيم بيطار الذي قدّم أداء احترافياً مميّزاً أظهر خامة صوتية جميلة بموال لسورية وأغنية أهل الراية أكّد لـ«البناء» أن للغناء مع الأوركسترا متعة من نوع خاص مع نسق موسيقيّ متميّز يضمّ كل الآلات النحاسيّات والوتريّات والإيقاعات المختلفة، وهو ما يحفّز المطرب على تقديم أجمل ما عنده في الأداء، ويترك بصمة في حياة الفنان وتجربته ويساعده أكثر على التألّق وتسمح له بخلق مساحات إبداعية ارتجالية بأدائه.
عازف الكمان رند سكر أعتبر أن العزف مع الأوركسترا يسمح بإغناء الأرضية الفنّية المناسبة لتقديم عرض جماهيري يرتقي لمستويات فنية عالية، عبر تنوّع الآلات وحتى الأنساق للألة الواحدة ما ساهم بارتقاء الخطّ البياني لأداء الفرقة رغم عمرها القصير.
المايسترو حسان اللباد خريج المعهد العالي للموسيقى 2009، حاصل على ماجستير في العلوم الموسيقيّة، عازف أول في الأوركسترا السمفونية السورية 2009- 2018، وعضو نقابة الفنانين، مدرس سابق في كلية الموسيقى جامعة البعث وهو مدير ثقافة حمص.