قتلنا الوطن وتركناه يشرب دمه
لم يجد الوطن الضائع في عتم الغابة وقتاً ليجمع في جيبه حصى ترشده على طريق العودة.. خبزٌ مفتت نسيته الطيور. ما حصل أن الأشجار أُحرقت، واشتبك التراب مع التراب، فكان الرجوع متاهة وضاع في حلكة الوجوه… الوطن الذي بنى لنا الضوء بيتاً بيتاً، كافأناه بالعمى. نحن الشرّ الكامن في كهوف النفاق، خرجنا من سباتنا نحمل السكاكين، بعد أن ربّينا الحقد مثل طفل مدلل، ودفعنا الوطن كي يبيع العلكة للمارة. حين كبرنا سألناه عن «الأمومة»… لكننا جميعاً جلدناه كزوجة أب فاجرة. الوطن في لوحة الشطرنج لا يخسر بموت الملك، يخسر إن فرّط جنديٌّ بقلعة، يخسر إن هزم الجوع الأحصنة، يخسر إن بعثر الأطفال المربّعات، فماتوا في معارك عابرة… الآن حتى لو أردنا.. ما عاد بالإمكان! ما عاد بالإمكان سحب المخالب التي انغرست بوحشية في لحمه الغض، ما عاد بالإمكان حثّه على التنفس وهو يغصّ بالقهر. الآن أصيبت الذئاب بالسمنة وضاق عليها ثوب البراءة.. والوطن في غابة الشوك يشرب دماءه كلما قهره العطش. صار مثلنا وحشاً، يجرّ بعشوائية أحلامه، لا لشيء إلا لتسليته في شرك وحدته الحزين.
مها هسي