المطلوب إصلاح اقتصادي وسياسي ومحاربة الفساد… لا تخريب البلد

خالد الداعوق

لا يختلف اثنان من اللبنانيين على أنّ بلدنا يعيش أزمات كبيرة ومعقدة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية… فقد تخطى الوضع حافة الهاوية وبدأ التدحرج نزولاً حيث نكاد نصل إلى القعر. هذا الواقع تسبّب بما نراه من انفجار شعبي كبير لطالما حذرنا منه كما حذر غيرنا كثيرون، وباتت المعالجات حتمية وضرورية ومطلوبة قبل أن ينهار كلّ شيء فوق رؤوس الجميع.

وبعيداً عن السياسة وكلّ الذين حاولوا استغلال ما يحصل في الشوارع والساحات وتوظيفه في خدمة أجنداتهم ومصالحهم وارتباطاتهم في الداخل والخارج… بعيداً عن كلّ ذلك فإنّ مئات آلاف المتظاهرين لديهم وجع حقيقي ومعاناة كبيرة ومتعدّدة الوجوه، حيث هناك الذين لا يجدون عملاً يقيهم وعائلاتهم شرّ العوَز، وهناك من لا يستطيع توفير العلاج والاستشفاء له ولأفراد أسرته كباراً وصغاراً، وهناك من لا يقدر على تحمّل تكاليف تعليم أولاده… هذا فضلاً عن الديون التي تراكمت على الأفراد وباتوا عاجزين مكبّلين تماماً كما هي دولتنا العلية العاجزة والمكبّلة أما استحقاقات الديون التي وصلت أرقامها إلى الفلك بفعل سياسات قاصرة وخاطئة لطالما نبّه منها الخبراء والعارفون الذين لا همّ لديهم سوى الهمّ الوطني العام، وعلى رأسهم ضمير لبنان الرئيس الدكتور سليم الحص أطال الله بعمره.

لقد أدّى الحراك الشعبي دوراً ممتازاً في هزّ عروش المتسلّطين على واقعنا السياسي منذ عقود، وجعلهم يعيدون حساباتهم ألف مرة. طبعاً لم يكن هدف مئات الآلاف من المتظاهرين تخريب البلد، بل على العكس تماماً… أرادوا تخريب أوكار الفساد والمحسوبيات من أجل البناء من جديد على أسس صلبة ومتينة ونظيفة، لكن هناك مَن أراد حرف الحراك عن مساره السليم وأخذه باتجاهات لا علاقة لها بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي ولا بمكافحة الفساد، بل هي اتجاهات سياسية لها أغراض معروفة ومكشوفة لن يسمح بتمريرها كلّ الحريصين على البلد، وهُم كثر جداً…

المهمّ الآن أننا أمام مرحلة جديدة مختلفة عن السابق، حيث لا بدّ أن يعلو سيف العدل لجعل كلّ ما يتعلق بالعمل العام تحت سقف القانون، وكذلك لمحاسبة كلّ مخلّ أو متلاعب بالمال العام، طبعاً مع إقرار القوانين والتشريعات اللازمة لرفع الحصانات وكشف الحسابات تمهيداً لاستعادة الأموال المنهوبة وهي بمئات المليارات من الدولارات التي تظهر علاماتها بوضوح في طريقة عيش عدد كبير من الذين تولوا مسؤولية عامة في البلد… وجلّهم تقريباً معروفون من كلّ اللبنانيين.

هذه المحاسبة كفيلة وحدها بتغيير مسار الأمور لأنها تبث الأمل في النفوس وتعطي زخماً جديداً للحركة الاقتصادية والاستثمارية، على أن ترافقها ورشة إصلاحات تشريعية لتحديث القوانين وتطبيقها على الجميع من دون استثناء، والمطلوب في الوقت نفسه أيضاً تنفيذ الورقة الإصلاحية التي أقرّتها الحكومة السابقة في آخر جلسة لها في قصر بعبدا، وكذلك نثق بأنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون صادق جداً في ما يعلنه بشأن تطبيق القوانين ومكافحة الفساد وملاحقة كلّ المرتكبين والمخالفين مهما علا شأنهم.

المطلوب الآن وبإلحاح شديد تشكيل الحكومة الجديدة وإطلاق عجلة عمل المؤسّسات والبدء بورشة الإصلاح الشامل اقتصادياً ومالياً وإدارياً، وأيضاً لا بدّ من السعي جدياً لإقرار قانون جديد للانتخابات النيابية على أساس الدائرة الوطنية الواحدة والنسبية الكاملة، ذلك أنّ الإصلاح السياسي برأينا هو أساس كلّ الإصلاحات الأخرى لأنّ العلة هي في السياسة أصلاً وامتدّت كالأخطبوط إلى الاقتصاد والإدارة والمال… ومن خلال الإصلاح السياسي الحقيقي يمكن التخلص من كلّ شوائب الحياة السياسية في لبنان وأوّلها الطائفية والمذهبية التي تسبّبت بكلّ هذا الخراب…

أمين عام منبر الوحدة الوطنية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى