«قسد» بين أخطاء التكتيك والخيانة الوطنية
د. وفيق إبراهيم
تواصل منظمة «قسد» الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، اقتراف أخطاء تصاعدية من اعتماد اساليب تكتيكية لتحسين موقعها التفاوضي في شمال شرق سورية، وصولاً الى ارتكابات تنتمي الى الجرائم الوطنية الكاملة.
واذا كان الأسلوب التكتيكي المنضبط مقبولاً في مرحلة تحتل فيه الشمال الشرقي السوري، قوات تركية وأميركية وأوروبية مع عودة تدريجية للجيش العربي السوري مدعوماً من أمن روسي وسط حضور متراجع لقوات «قسد» الكردية الى جانب إرهاب تحول ذئاباً منفردة بعد هزيمته، ان كل هذه القوى تبيح للكرد ممارسة تكتيكات للحفاظ على وجودهم إنما في إطار الانتماء الدائم وغير القابل للمراوغات الى الوطن السوري الأم والأب والتاريخ.
كانت «قسد» ترسل اشارات وطنية الى الدولة السورية، تعرب فيها عن استعدادها للدخول في مفاوضات معها وسرعان ما كانت تعود الى الانكفاء داخل العباءة الأميركية، كلما شعرت ان الاميركيين مؤيدين لدولة كردية مستقلة في شمال سورية وشرقها.
ما استجدّ على تكتيكات «قسد» وأرغمها على كشف مشاريعها الحقيقية هو التخلي الأميركي النسبي عن أحلام «قسد» الذي أتاح للأتراك اقتحام مناطق الكرد في الشمال السوري بعمق 31 كيلومتراً وطول يتعدّى الـ 460 كيلومتراً فتراجعت «قسد» وتراجع معها مشروعها الانفصالي مرتدياً شكل إشارات أرسلتها الى دمشق حول قبولها بإدارة ذاتية.
وكانت طلباتها تزداد اسبوعياً بمواكبة العودة الأميركية التدريجية الى الشرق والشمال وذلك بعد إصرار أميركي على الانسحاب سقط تحت مطرقة الاحتجاجات من المخابرات الأميركية والبنتاغون والأحزاب الاميركية التي رفضت قرارات الرئيس الأميركي بالانسحاب وارغمته على العودة المقنعة.
هذا ما منح «قسد» أوكسيجيناً انفصالياً جديداً. والدليل تراجعها عن الانفتاح على دمشق وانتقالها من الممارسات التكتيكية المزعجة الى الجرائم الوطنية التي لا تغتفر، كيف ظهر التحوّل «القسدي»؟
بداية أرسلت «قسد» الى القيادة السورية مشروعاً أسمته إدارة مدنية، لكنه يرقى عملياً الى مشارف الانفصال، يكفي أنه طرح مسألة وجود سياسي لإدارة مستقلة تماماً وجيش مستقل وحصة أساسية من آبار النفط والغاز التي تديرها قسد مباشرة وتقتطع منها حصصاً أساسية.
بالتفصيل فإن سويسرا دولة كونفدرالية فيها كانتونات متعددة تمثل أعراقاً ولغات مختلفة وفيها إدارات ذاتية تفعل الكثير داخل مداها الذاتي، لكنها تقدّم كشف حساب للدولة المركزية وليس لديها إلا قوات شرطة داخلية مقابل جيش وطني واحد للدولة.
أما لجهة الإنفاق الاقتصادي فتقتطع الدولة المركزية حاجة كل إقليم على أن تنفقها إدارته وتقدّم كشف حساب في مراحل لاحقة، لكنها لا تتدخّل مطلقاً في الإشراف على مصادر الثروة الوطنية.
هذا الأمر يجري على هذا المنوال عند رعاة «قسد» الأميركيين الذين لديهم في بلدهم الفدرالي 51 ادارة ذاتية موسّعة على شكل ولايات ترتبط بوطنها الأم في السياسة والاقتصاد والجيش والعلاقات الخارجية.
فكيف تكون «قسد» مشروعاً وطنياً للأكراد وهي التي تغطي الاحتلال الاميركي وتسرق النفط وتغطي سرقته من قبل الأميركيين وتعمل على فصل شرقي سورية من حدود النفوذ التركي حتى الجنوب عند البوكمال، وتزعم أنها مؤسسة كردية عربية لتغطي على سيطرتها على عشرات آلاف الكيلومترات التي تسكنها عشائر عربية.
بدورها روسيا هي دولة كونفدرالية تحتوي على جمهوريات مستقلة ومترابطة في آن معاً ولديها جيش واحد ومركزية سياسية واحدة واقتصاد وطني واحد، فلماذا تذهب «قسد» نحو اقتراحات إدارية مستقلة الموضع على مشارف الانفصال النهائي، الجواب واضح وهو أن الأميركيين المصرّين على تفتيت سورية بين نفوذ تركي يحاول بناء كانتون سوري مستقل ونفوذ أميركي أوروبي يبحث عن ضحايا سوريين يستعملهم في التقسيم وبين اكراد وعشائر يسعى لزجهم في كانتون له وظيفة واحدة وهو تجريد سورية من قوتها الاجتماعية شعبها والاقتصادية النفط والغاز والوسيلة هي بالطبع «قسد» وليس الأكراد الذين يشكلون جزءاً اساسياً من الشعب السوري.
وقسد المنهزمة أمام الأتراك تعاود التغطية على عشرات القواعد الأميركية الجديدة التي تهدف الى الإشراف على آبار النفط والغاز من نواحي دير الزور الى أقصى الشرق الشمالي.
إن ما يزيد من حدة غرق «قسد» في الجرائم الوطنية موافقتها على خطة أميركية لإعادة إعمار بعض انحاء شرق سورية وجنوبها بمعزل عن موافقة الدولة السورية وإشرافها على المشروع.
ما يدل على أنه لا ينتمي الى فئة المشاريع الوطنية المتعلقة بإعادة إعمار سورية بل يندرج في اطار تقسيمها وانشاء بنية مادية لها من اسس تحتية ومدن سكنية وإدارية لمشروع دويلة «قسد» المزعومة.
لذلك تكتمل عوامل الجريمة الوطنية من ادارة سياسية تقسيمية مشبوهة وجيش مستقل واقتصاد مموّل من السطو على ثروات سورية ورعاية دولية من مستعمر اميركي وعلاقات تحالفية مع «إسرائيل» من دون نسيان الامارات المكلفة من ولي الامر الاميركية ادارة زعماء عشائر يحاولون بأزيائهم الفولكلورية منح قسد ملامح عربان الخليج المتأمركين.
هذه ليست اتهامات مفبركة، بل مجرد قراءة صادقة لقرارات تنفذها قسد بشكل علني وتعتمد على الاميركيين لكبح جموح «التركي».
فهل يقبل الأكراد بهذه الجرائم الوطنية؟
هناك تيارات كردية لا توافق «قسد» على انحرافاتها الخطيرة وتطالب بالمقابل ادارة ذاتية ضمن الدولة السورية. وهذا أمر مشروع فتبقى الدولة السورية التي تتقدم حالياً في انحاء متعددة من الشرق والشمال السوري المحتل. المسؤولة الرئيسية عن كامل بلادها وتحرير المحتل منها، وفق معادلات تدريجية ترتبط بتعدد المحتلين والاحتلالات.
«قسد» إلى أين؟
تمارس سقوطاً وطنياً تاريخياً لا علاج له الا بانقلابها العلني على المشروع الاميركي واندماجها مع الجيش العربي السوري اندماجاً كاملاً لمحاربة استعمار عثماني يستعد لتجديد السلطنة المتهاوية في مقر التاريخ.
ويجب على «قسد» أيضاً قطع كل علاقة لها بالعدو الإسرائيلي الذي يحتل أجزاء من الأرض السورية.
قد تكون هذه الاشتراطات اكبر من امكانات «قسد» فيتبقى لها حل وحيد وهو تدمير مؤسساتها الحزبية والعسكرية ومعاودة الاندماج في اطار الدولة كأفراد ما يعزز آمال الكرد بالتحرر من الاستعمارين التركي والاميركي على قاعدة ادارة ذاتية تعترف بتاريخهم وثقافتهم ضمن سورية واحدة لا تُفرق بين ابنائها إلا بمدى ولاءاتهم لوطنهم ومؤسساتهم السياسية والعسكرية.