صوت المعلّم في كلّ مكان
يكتبها الياس عشي
أنا حزين حتى الموت يا معلّم، ففي مثل هذا اليوم من عام ألف وتسعمئة واثنين وثلاثين، أعلنتَ انطلاق النهضة القومية الاجتماعية، متحدّياً الأوصال المتقطعة التي تركها اتفاق سايكس – پيكو في جسم الأمة السورية، غير آبه بالانتداب الفرنسي وعملائه، ولا بضعاف النفوس اللاهثين وراء طوائفهم، أو نزواتهم، وربما الإثنتين معاً.
أنا حزين يا معلم لأنّ مناسبة ذكرى التأسيس تحلّ اليوم ولبنان ليس بخير، فهو منذ الاستقلال حتى اليوم يعيد إنتاج الأزمات نفسها، وليس من شجاع واحد يعلن على الملأ بأنّ العناوين الكبيرة التي يرفعها المتظاهرون اليوم، هي من صلب المبادئ الإصلاحية للحزب السوري القومي الاجتماعي، والتي من أجلها اغتالوك يا معلّم.
أنا حزين لأنّ كلَّ الرؤساء أصحابَ الفخامة، وكلَّ الوزراء ورؤسائِهم، وكلَّ أصحاب المدارس الفكرية، اجتماعيةً كانت أم سياسيةً، كانوا امتداداً لثقافة الانتداب التي على أساسها عومل سعاده بعد التأسيس.
حزين؟ لا بأس…
ولكنه حزن يختبئ، يا معلّم، تحت عباءة الفرح.
أليس استمرارنا مدهشاً في العطاء والشهادة؟ سبعةٌ وثمانون عاماً: نتفاعل، ونفعل، ونستشهد، رغم كلّ المصاعب التي مرّ بها حزبك. يكفي أن نباهي العالم بهذا الكمّ الهائل من المثقفين الذين أنرت طريقهم يا معلم، فكتبوا، وأبدعوا، وتركوا بصماتهم على أجيال بكاملها.
في عام 1950 كتب محمد يوسف حمود مقالاً تخيّلكَ، يا معلم، تقول:
« وقل لهم يا رفيقي، لا يجزعوا فأنا لمّا أزل معهم في صميم لبنان، هذا الجبل الأشمّ الذي أحببتُه فأحبّني، وحضنني بأمجاده السرمدية، فغمرته بعناقي الأبدي».