المهمات العاجلة لأيّ حكومة جديدة 1
زياد حافظ
الإجراءات المالية خدمة الدين العام
يتفق جميع الفرقاء اللبنانيين سواء الأطراف السياسية الممثلة في مؤسّسات السلطة أو الشعب اللبناني المنتفض منذ شهر في الساحات، على أولوية الحاجة لتغليب الإجراءات الإنقاذية للوضعين المالي والاقتصادي على أيّ مهام أخرى للحكومة، التي ستبقى محكومة بصفة كونها حكومة إنقاذ مهما كانت تسميتها.
ليس الوقت هنا للحديث عن دور السياسات المالية والاقتصادية الخاطئة في بلوغ اللحظة القاتلة التي دخلها لبنان على الصعيدين الاقتصادي والمالي، ولا هو وقت استعراض الحلول المتوسطة المدى والبعيدة المدى الواجب اعتمادها لإعادة تأسيس بنية اقتصادية صلبة قادرة على النهوض بلبنان مجدّداً.
على الصعيد المالي تتمثّل الأولوية بوضع رؤية متكاملة لمواجهة ثلاثة تعقيدات متوازية: الأول هي حجم خدمة الدين أيّ الفوائد وأقساط رأس مال الدين المترتبة على لبنان سدادها سنوياً لقاء كتلة من الدين تبلغ مرة ونصف حجم الاقتصاد اللبناني، والثاني هو أسعار الفوائد المعتمدة في الأسواق اللبنانية على الديون، والثالث هو التعامل مع النقص الحادّ في السيولة بالعملات الأجنبية، في ظلّ حاجات ملحّة لتأمين استيراد السلع الضرورية ومخاطر تأثير العجز عن ذلك على سوق المحروقات ووضع الكهرباء والأدوية وسواها.
في خدمة الدين العام، قبل البحث في كيفية السيطرة على نمو هذا الدين ومعالجته، المطلوب خطوة شجاعة من الحكومة الجديدة، تتمثل بمصارحة أصحاب الدين الداخلي والخارجي بأنّ لبنان يقارب وضعاً خطيراً قد يصل حد العجز عن السداد للدين وفوائده، ما لم يتمّ التوصل لحلول تفاوضية يجري تطبيقها بالتراضي قبل وقوع كارثة السقوط الكامل. فعند ذلك الحين يضيع الدين وفوائده. وأصحاب الديون هم، حاملو سندات الخزينة بالعملات الأجنبية وبالليرة اللبنانية الذين تدير سنداتهم بنوك ومؤسّسات مصرفية داخلية وخارجية، والمصارف اللبنانية والمصرف المركزي.
أما الحلّ التفاوضي المنصف والإنقاذي للأطراف المعنيين، أيّ الدولة وأصحاب الدين معاً، هو في اعتبار الفائدة المستوفاة على الدين موضوعاً للتفاوض إضافة إلى مدة الدين الذي يجب أن يتحوّل من دين قصير الأجل إلى دين طويل الأجل. الهدف من كلّ ذلك هو الوصول إلى خدمة دين عام لا تشكّل عبئاً على الدولة يمنعها من القيام بواجباتها الخدميّة وإعادة تأهيل البنى التحتية ودفع العجلة الاقتصادية. فالدولة هي محرّك أساسي للعجلة الاقتصادية. حجم خدمة الدين العام لا يجب أن يتجاوز عشرة بالمئة من واردات الدولة. فمن هنا ضرورة تطويل أجل السندات وتخفيض الفوائد.
ليست مهمةُ هذه المطالعة الخوضَ بتفاصيل تحديد مدّة الدين و/أو أسعار الفوائد الجديدة، حيث الاقتراحات عديدة ومتنوّعة كاعتبار الفائدة على كلّ الديون التي استوفت فوائد تعادل قيمة رأس مال الدين الأصلي، أو اعتماد معادلة للفائدة المعتمدة على سندات الخزينة الأميركية زائد نقطة واحدة أو أكثر، أو للائحة تتدرّج مع سلم من عشر نقاط تنخفض منه نقطة إضافية لكلّ 10 من قيمة الدين جرى استيفاؤها كفوائد بحيث تكون الفائدة على الدين الذين استوفى 90 من قيمته كفوائد نقطتين زائد الفائدة على سندات الخزينة الأميركية، وصولاً للدين الذي لم يستوفَ بعد أيّ نسبة من أصل الدين عبر الفوائد، فتكون الفائدة عليه إحدى عشرة نقطة زائد الفائدة على سندات الخزينة الأميركية، وهي السندات الحديثة الاكتتاب، بالليرة اللبنانية أو بالعملات الأجنبية.
إنّ المصارف اللبنانية والمصرف المركزي طرفان محوريان في هذا الحلّ التفاوضي الذي يبدأ معهما، وقد حقق كلّ منهما أرباحاً خيالية طوال ثلاثين سنة من عائدات سندات الخزينة، وستكون كلها عرضة للضياع ما لم يتمّ القبول بالتوصل لحل تفاوضيّ مربح لكل الأطراف بتحقيق الحفاظ على أصل الديون والحفاظ على قدرة الدولة على السداد.
هذا الحلّ التفاوضي في شقه الخارجي ممكن جداً تطبيقه، لأنّ المؤسّسات المالية المعنية تدرك معنى دفع لبنان نحو الإفلاس والخسارة الشاملة، كما انّ انخراط المصارف اللبنانية والمصرف المركزي في تسويق الحلّ التفاوضي المطلوب يمنح قوة ووزناً إضافيين لاعتماد هذا الحلّ وقبوله من الدائنين الخارجيين، أو استبدال بعض الديون المحدودة خارجياً بديون موازية داخلية أو خارجية ترتضي المعادلة المعتمدة للفائدة عبر الحلّ التفاوضي.
النتيجة الممكنة والمتوقعة لمثل هذا الحلّ هي خفض خدمة الدين العام إلى أقلّ من الثلث، فبدلاً من ملياري دولار أميركي وثمانية آلاف مليار ليرة لبنانية، تصبح خدمة الدين العام قرابة نصف مليار دولار سنوياً، وألفي مليار ليرة، قابلة للاحتواء في الموازنات العامة للدولة، وتشكل نقطة الخروج الأولى من النفق المظلم.
خبير اقتصادي وأستاذ جامعي سابق والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي.