فرقة الدراويش الشاميّة تنشد وترقص على مسرح الحمراء
كتب سامر اسماعيل من دمشق ـ سانا : عزّزت فرقة الدراويش الشامية حضورها الفني على مسرح الحمراء، عبر توليفة واسعة من الموشحات الأندلسية والتراثية والأغنيات الصوفية، إضافة إلى رقصات المولوية والأناشيد الصوفية التي قدمتها، معتمدة على مقامات الوجد الصوفي من «السماعي راست» حتى مقام «البيات» حيث دأبت الفرقة على توزيع هذه الألحان بما يتناسب مع رقصة الدراويش. عبر أداء لافت توليفة واسعة من الأناشيد والرقصات دوّنت فيها نوطات الموشحات الدينية والأندلسية والأعمال الموسيقية التراثية والفنية الأصيلة مثل موشح «كلما رمت ارتشافها»، «يا عذيب المرشف»، «العذارى المائسات»، «جلالة مع تقسيم الناي»، «طلع البدر علينا»، لإعادة إحياء التراث الثقافي والفني الروحاني وتقديمه بالمظهر الحضاري الراقي.
تابعت الفرقة برنامج حفلها بلوحة رقص صوفية أدّاها كل من رئيس المولوية حاتم جمل ومحمود الطير وأحمد الطير، ولمع نجم راقصي الفرقة في هذا النوع من الأداء الجسدي العرفاني جنباً إلى جنب مع المنشد عبدالرحمن عبدالمولى الذي قدم أداء صوتياً رفيع المستوى، خاصة في نشيد «صلي لربي» وأغنية «القلب يعشق كل جميل»، ودعم أداء عبدالمولى توزيع الفنان محمد صالح القباني عازف القانون ورئيس الفرقة وفق تلوين مقامي ولحني تنقل بسلاسة بين مقامي الراست والنهاوند والبيات.
عاش الجمهور في صالة الحمراء ساعة وربع ساعة من أجواء الحفلات الدمشقية الكبرى التي يغلب عليها الشجن الطربي، فتجاوب مع أنواع الإنشاد الروحي والرقص الصوفي الذي نشأ في دمشق كدلالة على حضور الزوايا الصوفية في الحياة الدمشقية جزءاً لا يتجزأ من المزاج الشعبي العام.
اقتربت الدراويش في أدائها من الفرق الصوفية العالمية التي استوعبت فرق المتصوفة من سائر أصقاع الأرض فكان الجمهور حيال ما يشبه حضرة صوفية استقت روحانيتها من مقام «الراست» وتفريعاته في مقامات «السوزناك» و»راحت الأرواح»، ونجحت الدراويش التي تأسست كفرقة أم لجميع الفرق الروحية في سورية في التنويع على مختلف المقامات الشرقية، معتمدة على جيل الشباب وذوي المواهب في تطوير عمل الفرقة وتكوين مزاجها العام وبصمتها في عالم الفرق الروحانية.
كان للفرقة الدمشقية أثر كبير لدى جمهور مسرح الحمراء من خلال تفاعله معها وانجذابه إلى رقصات الدراويش التي منحت العرض قيمة إضافية كصيغة متكاملة اتبعتها الفرقة لتتبنى مديرية المسارح والموسيقى برنامج حفلات «الدراويش الشامية» الذي سجل حضوراً فنياً روحانياً متزايداً بعد المشروع الأخير الذي عملت فيه الفرقة العريقة على تقديم خلاصة الأناشيد الصوفية، خاصة موشح «محبوبي لما بدا» وموشح «ذات الجمال» إضافةً إلى موشحات «أتاني زماني»… «الله الله يارب». كما قدمت الدراويش وصلتها الأجمل من خلال مقام النهاوند، مفتتحة هذه الفقرة بمقطوعة من مقام «النكريز» مطوحة بين هذا المقام الصعب وأصله الموسيقي على مقام النهاوند، لتؤدي موشحات مثل «قد صل يا رب على الحبي… صلوا على خير الأنام… قد بدا لي… طالما أشكو غرامي… خير البرية… إن جبرتم كسر قلبي» لتتألق الدراويش في هذه الوصلة بأداء جماعي مزج بين الموسيقى والإنشاد الجماعي ورقص المولوية.
تضمن برنامج الحفل عدداً من الأناشيد والتراتيل، بينها أغنية «عابد» لتختتم بمقطوعة «مدد يارسول الله» وأبرزت هذه اللوحة مهارات رقص صوفية عالية المستوى تناغم فيها أداء الفرقة بين الغناء الصوفي والأندلسي مع الأناشيد الدينية وتواشج مع الموسيقى الآلية ورقص المولوية، فحفلت الأمسية الصوفية بوصلات من التراث الموسيقي الديني والإنشادي وما تختزنه الذاكرة الشعبية من ألحان وغناء ورقص روحاني وفق فهم عميق لطبية المقام العربي وتدرجاته الإيقاعية واللحنية، لما له من أثر في وجدان المتابعين والسميعة.
فاجأت الدراويش جمهورها بأصوات منشديها الذين أدّوا عدداً من الموشحات، فضلاً عن لوحات جمالية للدراويش وفق طريقة المولوية الرفاعية الشاذلية التي حققت حالة من الذوبان الصوفي بين المغني والراقصين والجمهور جعلت من الغناء الصوفي طريقة من طرق معرفة الخالق والذوبان في الوجود، عبر تسليم الكائن بعرفانية خالقه عليه وسعة جلالته اللامتناهية في الزمان والمكان.
الجدير ذكره أن فرقة «الدراويش الشامية» أنشئت مطلع عام 2008 لتعزف وتدوّن نوطات الموشحات الأندلسية والدينية، إضافة إلى الأعمال الموسيقية التراثية والفنية الأصلية من سماعيات ولونغات وبشارف ودواليب، بغية إعادة إحياء التراث الثقافي والديني والفني وإظهاره بالمظهر اللائق وحفظه من النسيان والضياع، بما لا يتنافى مع الأعراف الدينية، كان المشرف على الفرقة الفنان الراحل عدنان أبو الشامات، كما اعتبرت هذه الفرقة من إحدى الفرق العاملة في وزارة الثقافة وأُلحقت إدارياً بمديرية المسارح والموسيقى في دمشق.