واشنطن وبكين ـ حروب سياسية بنكهة الاقتصاد
ربى يوسف شاهين
منذ تولي دونالد ترامب رئاسة أميركا في 2017، وكونه في الأصل من اكبر رجال الأعمال والملياردير الأميركي الذي يملك منظمة تدعى باسمه «ترامب»، لم يكن مستغرباً ان يكون توجهه إلى الحروب الاقتصادية غريباً، فزيادة الثروات غايته، ودأب خلال نهجه السياسي على اتباع سياسة العقوبات الاقتصادية، والتي كان يُدخلها في كلّ قراراته التي يصدرها تجاه الدول، التي تشكل ولو خطراً بسيطاً على تنفيذ أجنداته، او على الدول التي تُعارض قراراته في السياسة الخارجية، كـ الصين وروسيا وفنزويلا وكوبا وإيران وتركيا، فكان الحكم عليها يتجه مباشرة نحو العقوبة الاقتصادية.
من أهمّ تلك الدول التي تعتبر المنافس الأقوى لاقتصاد أميركا، جمهورية الصين الشعبية، التي تملك ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة. حيث استطاعت الصين أن تحقق نمواً اقتصادياً مضطرداً يعتمد على التجارة الدولية، وساعدت في ذلك السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الصين في تعاملاتها الخارجية، فحجم الاستثمارات الأجنبية في الصين في تزايد مستمر لانخفاض الكلفة والتكلفة الاقتصادية بالنسبة لسعر اليوان الصيني مقابل الدولار، والذي وصل فيه الدولار في 2018 مقابل اليوان الصيني إلى 7 دولار كأمر غير مسبوق، بالإضافة إلى الإقبال على الاستثمارات الصينية الخارجية.
ومع التنامي السريع لاقتصاد الصين، كان لا بدّ من العمل من قبل الرئيس ترامب على الحدّ من هذا النمو، عبر اتباع سياسة فرض الضرائب على المنتجات الصينية وبنسبة تتفاوت بين 10 إلى 25 ، والتي قابلتها الصين بالمثل، ففرضت النسب نفسها على السلع الأميركية كردّ فعل على الحرب التجارية التي تتبعها واشنطن، وخاصة لإلزام الصين على شراء المنتجات الزراعية الأميركية، والتي عبّر عنها أحد الخبراء الاقتصاديين في الصين «خه وايوون» يقوله «لا يمثل شراء المنتجات الزراعية الأميركية مشكلة خاصة بالنسبة للصين ولكن مهمّ بالنسبة لفوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات المقبلة».
ومع دخول واشنطن في حروب متعددة في الشرق الاوسط، وشنّها حرباً تجارية على الصين، أصبحت استغاثات البنك الدولي والشركات الأميركية، بالتحذير من مغبة الحرب الاقتصادية التي يفتعلها الرئيس ترامب، وتنبّأت شركة «trade partnership worldwide»، انّ التكلفة السنوية ستزيد بمقدار 2300 دولار لكلّ أسرة أميركية.
الرئيس ترامب يحاول الضغط أكثر على الصين لحثّ الشركات الأجنبية التي تستثمر في الصين على الخروج منها، وباعتقاده انّ الحرب التجارية الطويلة الأجل ستُفيد أميركا، لأنّ شركات الاستثمار الأجنبي في الصين ستغادر هذا البلد تدريجياً وتنتقل إلى دول مثل فيتنام.
وكما تقف كثير من البلدان مع الولايات المتحدة اقتصادياً، كذلك شكلت روسيا والصين حلفاً هاماً في مواجهة الهجمة الأميركية على التجارة العالمية، وخصوصاً لفنزويلا وكوبا، وبدأتا العمل على تشكيل تحالف في منطقة أميركا اللاتينية أو الحديقة الخلفية لواشنطن، وتعزيز الاستثمارات السياسية والاقتصادية. فالهيمنة الأميركية التي طالت دول الجنوب الأميركي قد شكلت سبباً لتمكين روسيا والصين من الأرض اللاتينية، وهذا ما يقلق الخبراء في الولايات المتحدة، والتي تتزايد تحذيراتهم من مخاطر التعاون المتزايد بين البلدين. هذا الأمر عبّر عنه قائد القوات الأميركية في المحيط الهادئ الأميرال فيليب ديفيدسون، حيال بلاده من التعاون العسكري القائم بين الصين وروسيا، معتبراً قدرات روسيا في الشرق الاقصى «تهديداً وجودياً»، وقال ديفيدسون في منتدى أمني في مدينة اسبن كولورادو «نشهد منذ العام الماضي وحتى الحاضر تعاوناً متزايداً بين روسيا والصين».
ورغم اختلاف الأهداف التي تتبناها روسيا والصين، إلا أنّ كلّاً منهما تجد في الأخرى سبيلاً للحدّ من الهيمنة الأميركية، سواء بالاقتصاد عبر الصين أو بالسياسة عبر روسيا، فلكلّ واحدة منهما دفته التي يوجهها وفق توجهاته الداخلية والخارجية. فروسيا ترى في الصين واجهة سياسية في حال اندلاع الأزمات السياسية والعسكرية كـ أزمة أوكرانيا أو جورجيا او يوغسلافيا، كما تجد الصين في روسيا ومع التطوّر الكبير في منظومتها العسكرية ملجأ آمناً للصفقات التجارية العسكرية، وبالتالي الحصول على رُخص نقل هذه التقانة العسكرية، وإمكانية تصنيع عدد آخر من المنتجات العسكرية الروسية، ومن جهة أخرى تعدّ روسيا سوقاً استهلاكية جيدة للمنتجات الصينية، والأهمّ أنّ روسيا لا تُشكل منافساً تجارياً للبضائع الصينية.
كما تجد روسيا في الصين البلد الحليف والصديق، والأقرب لها في السياسة الخارجية، والذي ظهر من خلال استخدام الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن، إنْ كان ضدّ مشاريع القرارات بالنسبة للحرب على سورية او فنزويلا او فلسطين والصراع مع كيان العدو الإسرائيلي، وهذا مؤشر على التوافق في السياسة الخارجية.
كما أنّ روسيا لا تجد في الصين المنافس التجاري او العسكري على المستوى الإقليمي، بل على العكس تعتبر روسيا الصين من أهمّ الشركاء الاقتصاديين، فقد شهد حجم الاستثمارات الصينية في روسيا قفزة نوعية منذ 2013، والأهمّ هو دخول القوات البحرية للبلدين في أضخم مناورات بحرية حية في بحر اليابان، فما يهمّ روسيا هو وقف جماح الولايات المتحدة المتغطرس في الشرق الأوسط، وما انتجته سياساتها تجاه الملف اليمني والسوري والأسبق لهما العراقي.
أستاذ أبحاث أميركا اللاتينية في معهد الدراسات الاستراتيجية التابع لكلية الحرب العسكرية الأميركية إيفان أليس، يدعو الى اعتبار النشاط الروسي في أميركا اللاتينية تهديداً استراتيجياً للولايات المتحدة اكثر من النشاط الصيني، إذ إنّ موسكو تمتلك احتياطياً أكبر في فهم السياسة في المنطقة منذ زمن الحرب الباردة. هذا الأمر لا يعني تحييد الكباش السياسي بين واشنطن وبكين، لكن تبقى الحرب السياسية بين البلدين بنكهة اقتصادية بحتة.