عون في الاستقلال يردّ على فيلتمان وشينكر حول ترسيم الحدود البحريّة الحريريّ متردّد في قبول تسمية سواه كثمن لحكومة صف ثانٍ سياسيّ

كتب المحرّر السياسيّ

جاءت تداعيات الأزمة التي تعصف بكيان الاحتلال لتظهر تفسير القلق الأميركي من غياب حكومة في لبنان والتأقلم مع تمثيل حزب الله في أي حكومة جديدة، بعدما قدّمت سيطرة إيران على الاضطرابات التفسير لعدم مواصلة الرهان على المزيد من التصعيد في لبنان، ورسمت لعبة المصالح الكبرى والتنافس مع روسيا والصين على ساحل المتوسط إطار الموقف الأميركي.

في كيان الاحتلال تزاوجت نهاية مهلة تشكيل الحكومة التي نالها بني غنتس، دون تحقيق تقدّم مع إعلان المدّعي العام توجيه اتهامات بالفساد والرشوة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فيما بدا كيان الاحتلال مترنّحاً بين الاستعصاء الحكومي والذهاب إلى انتخابات ثالثة، في ظل اعتراف أميركي إسرائيلي بأن الوضع في غزة وسورية ولبنان لا يزال متماسكاً وقادراً على التفاعل بقوة الردع اللازمة مع أي مشروع مواجهة، حيث أظهرت الجولة الأخيرة في غزة أن حركة الجهاد الإسلامي وحدها تمكّنت من إثبات قدرة ردع كانت الجهاد وحماس معاً ضرورة لفرض مثلها، بينما يقول الأميركيون والإسرائيليون إن قوة حزب الله لم تمسّ برغم كل الصخب الذي أحاطوا به الفرصة المتاحة لإسقاط الحزب في الفتنة وحصاره سياسياً وشعبياً، واللعب على توريطه بصدام مع الجيش. وبدا الحزب ضرورة لقيام أي حكومة فاعلة رغم كل الكلام الغربي عن حكومة تكنوقراط، كما بدت التهدئة المالية شرطاً لتهدئة الوضع الأمني وصولاً للحدود.

الكلام الذي قاله جيفري فيلتمان أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس لا زالت تردّداته في بيروت رغم محاولات التقليل من شأنه بداعي الصفة غير الرسمية لفيلتمان، ليأتي كلام معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر الرسمي جداً يدحض هذا الادعاء بالتلاقي مع مضمون ما قاله فيلتمان، حيث التركيز على عدم ربط الاهتمام بمنع الانهيار المالي غير مشروط بشخص رئيس الحكومة، ولا بمَن يشارك فيها، مع تركيز على مسعى أميركي واحد هو إراحة إسرائيل في ملف النفط والغاز تكرّرت النصائح لحسابه، في كلام فيلتمان وشينكر عن مطالبة لبنان بقبول ورقة ديفيد ساترفيلد لترسيم الحدود البحرية التي تقتطع من الحقوق اللبنانية البحرية، ما يحقق سيطرة إسرائيل على المناطق الغنيّة منها بالنفط والغاز.

في ذكرى عيد الاستقلال كانت كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون توجّهاً لشباب الحراك بتأكيد السعي للحوار ورفضاً للفساد، وحرصاً على تذليل العقبات من طريق تشكيل الحكومة الجديدة، وتحذيراً من مخاطر العبث بالسلم الأهلي وتذكيراً بالمغامرات التي أدّت قبل أربعة وأربعين عاماً إلى الحرب الأهلية، لكن الأهم في كلمة رئيس الجمهورية كان ما تضمّنته من ردّ على كلام فيلتمان وشينكر حول إعلان التمسك بحقوق لبنان بثرواته في النفط والغاز، ورفض التفريط بذرة من حقوق لبنان.

على مسار التفاوض الحكومي عادت المراوحة وعاد الانتظار لموقف الرئيس سعد الحريري، الذي وصلته الرسائل الغربية حول الحاجة لتسريع تشكيل الحكومة، وغياب الشروط التي يضعها على تشكيلها عن الرؤية الغربية التي تستشعر خطورة الموقف، من زاوية مصالحها ورؤيتها للأمن الاستراتيجي الذي لا تغيب إسرائيل عن مرتكزاته عند الغرب ورغم عودته للتواصل بإيجابية مع ثلاثي التيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله، لا تزال تحول بينه وبين رغبته برئاسة الحكومة محاولاته لاستيلاد حكومة يغيب عنها الوزير جبران باسيل، الذي لا يبدو متحمّساً للمشاركة، لكن هناك من بات يرى أن خروج باسيل من حكومة برئاسة الحريري يشكل تحقيقاً لما ورد في كلام فيلتمان الذي اعتبر الإنجاز الأهم للحراك من وجهة نظر واشنطن شيطنة صورة باسيل واعتبار السعي لإضعافه وإقصائه عن المشهد السياسي هدفاً مقبلاً لتدفيعه ثمن مواقفه مع المقاومة. وهذا ما جعل الصيغة التي تقوم على حكومة برئاسة شخصية يختارها الحريري وتضمّ ممثلين من الصف الثاني للقوى السياسية تتقدّم في التفاوض، من دون أن يبتّ بها الحريري المتردّد بين الصيغتين، على أمل أن يستطيع الوصول إلى القبول بحكومة يترأسها ولا يتمسك باسيل بالمشاركة فيها، والبحث بما يمكن ان يشكّل تعويضاً عن هذه المشاركة، فيما أكدت مصادر متابعة أن الأمر سيتبلور في غضون العطلة التي تنتهي مطلع الأسبوع، حيث يجب أن يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود، من دون أن يُسحب من التداول خيار فشل المفاوضات والعودة لخيار رئيس حكومة من خارج فريق الرئيس الحريري، لأن الفشل سيقرأ علامة على وجود خطة استنزاف وتلاعب بالوقت الذي لم يعُد يحتمل المزيد من الفرص.

أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن لبنان ينتظر حكومة جديدة تعقد عليها الآمال كان من المفترض أن تكون قد ولدت وباشرت عملها ، كاشفاً أن التناقضات التي تتحكم بالسياسة اللبنانية فرضت التأني لتلافي الأخطر ، مشدداً على وجوب التوصل الى حكومة تلبي ما أمكن من طموحات اللبنانيين وتطلعاتهم، تكون على قدر كبير من الفعالية والإنتاجية والانتظام، لأن التحديات التي تنتظرها ضخمة، والاستحقاقات داهمة .

وإذ أشار إلى أن الصفقات والتسويات التي تُعدّ للمنطقة، تهدّد ليس فقط استقلال الدول المعنية، بل أيضاً كيانها ووجودها ، أكد أن استقلال لبنان لا يعني خصومة مع أي دولة أو استعداء لأحد .

وخلال الكلمة التي وجّهها أمس الى اللبنانيين، عشية الذكرى السادسة والسبعين للاستقلال دعا عون اللبنانيين إلى أن تكون السنة المقبلة، سنة استقلال اقتصادي فعلي، من خلال تغيير النمط الاقتصادي الريعي إلى اقتصاد منتج والبدء بحفر أول بئر للنفط في البحر، وإقرار قانون الصندوق السيادي الذي سوف يدير عائداته، إضافة الى سنة استقلال جغرافي عبر التمسك بكل متر من المياه، تماماً كما التمسك بكل شبر من الأرض، وسنة استقلال بيئي واجتماعي فعلي، والتحرّر من النزاعات الطائفية والمذهبية، للبدء بالخطوات اللازمة لإرساء الدولة المدنية .

ودعا اللبنانيين الى المساعدة في معركة محاربة الفساد ، واصفاً إياها بالمعركة القاسية، لا بل من أقسى المعارك ، مشيراً الى أن لا أحد غير اللبنانيين قادر على الضغط من أجل تنفيذ القوانين الموجودة، وتشريع ما يلزم من أجل استعادة الأموال المنهوبة وملاحقة الفاسدين .

وناشد المتظاهرين للاطلاع عن كثب على المطالب الفعلية لهم وسبل تنفيذها، لأن الحوار وحده هو الطريق الصحيح لحل الأزمات ، وداعياً القضاء إلى الالتزام بقسمه للقيام بواجبه بأمانة، لأن مكافحة الفساد، أينما بدأت، فإن الانتصار فيها رهن شجاعته ونزاهته .

وإذ سجّلت الساحات يوم أمس، تراجعاً كبيراً في الحشود، عمد بعض المتظاهرين فور انتهاء خطاب عون، الى قطع تقاطع برج الغزال باتجاه جسر الرينغ في بيروت. وكان لافتاً أن المناطق التي قطعت فيها الطرقات تُعدّ فقط مناطق نفوذ وسيطرة لكل من تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب الاشتراكي، وأعلنت غرفة التحكم المروري عن قطع طريق عام القبة – زغرتا وأوتوستراد البداوي بالاتجاهين. كما قُطعت طرقات مكسة وقب الياس وتعلبايا وسعدنايل والمرج.

كما تجمّع عدد من الشبان على طريق القصر الجمهوري لمطالبة الرئيس عون بتشكيل حكومة مستقلّين. كما وحضر متظاهرون بباصين إلى طريق الشام، وحاولوا قطع الطريق أمام باتيسري بلادان ، فأبعدتهم عناصر الجيش الموجودة في المكان إلى جنب الطريق. وقطعت مجموعة من المحتجين في بلدة الناعمة – حارة الناعمة، مسربي الأوتوستراد الساحلي عند الناعمة. وقُطعت الطريق في خلدة بالإطارات المشتعلة بالاتجاهين والسير متوقف.

الى ذلك، تستمر المشاورات بين القوى السياسية للتوصل الى حلّ للأزمة الحكومية، وبحسب ما علمت البناء فإن الأجواء تميل نحو الإيجابية، لكن لم يتم التوصل الى حل نهائيّ والمشاورات مستمرة، ويجري التداول بعدد من الأسماء منها النائب بهية الحريري والنائب سمير الجسر وأسماء أخرى ليست من تيار المستقبل إنما يرضى بها الرئيس سعد الحريري. وفي حال الاتفاق على أحد هذه الأسماء سيبادر عون الى تحديد موعد الاستشارات النيابية . ورجّحت المصادر أن يكون الأسبوع المقبل هو اسبوع الحكومة إذا استمرت الأجواء الايجابية . وأشارت أوساط عون لـ البناء الى أنه يعمل على تأمين نوع من التوافق على رئيس مكلف وعلى شكل الحكومة قبل تحديد الاستشارات وسيعطي فرصة ومزيداً من الوقت لإنضاج الأمور وتسهيل التأليف .

وأكدت معلومات الـ OTV أن الحريري تسلّم مجموعة أسماء مقترحة لرئاسة الحكومة المقبلة، وأن الأفرقاء الآخرين ينتظرون جواباً منه، يتأكد يوماً بعد يوم وفق الأوساط السياسية عينها، أن إدارة رئيس الجمهورية لهذا الملف تقترب من تحقيق أهدافها في ضمان حصول التكليف وربطه حكماً بحصول التأليف في فترة زمنية مقبولة لتفادي الدخول في المجهول، بسبب طبيعة الدستور اللبناني الذي لا يضع لرئيس الحكومة المكلّف مهلة ملزمة لتشكيل الحكومة.

وقالت مصادر رئيس المجلس النيابي نبيه بري لـ البناء إن الرئيس بري متمسك بالحريري أو باسم آخر بموافقة الحريري يكون من فريقه السياسي ، وحذّر بري بحسب المصادر من التأخير في تأليف الحكومة لما يترك من تداعيات على المستويين الاقتصادي والمالي إضافة الى الأمني ، مشيرة الى أن رئيس المجلس لا يزال متمسكاً بموقفه الداعي الى حكومة توافقية تكنوسياسية تمثل الطوائف والكتل النيابية الأساسية مع أغلبية وزارية تكون من الاختصاصيين أصحاب الكفاءة والخبرة مع تمثيل الحراك الحقيقي .

وإذ تمّ التداول برسالة تحذير نقلها بري الى النائب السابق وليد جنبلاط ينذره فيها بعدم الذهاب بعيداً في الخيارات الأميركية ضد لبنان، أوضح المكتب الإعلامي لبري في بيان نفى فيه ما يتم التداول به على مواقع التواصل الاجتماعي لمواقف منسوبة للرئيس بري. وقال المكتب: إن أية مواقف أو كلام ما لم يكن صادراً عن المكتب الإعلامي للرئيس بري هو غير صحيح على الإطلاق، ويندرج في سياق التضليل وبث الشقاق بين أبناء الوطن الواحد .

وحذرت أوساط نيابية من تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية في حال استمرّ تعطيل عمل المؤسسات، لكن الأوساط لفتت البناء الى أن التهديد بالوضع المالي والاقتصادي للضغط في فرض شروط طرف على آخر لن تنجح. فانهيار الوضع لا يخدم أحداً وسيدفع ثمنه الجميع، وبالتالي لن يسمح رئيس الجمهورية وفريق المقاومة للفريق الآخر الضغط عليه بالشارع والفتنة تارة وبالانهيار المالي تارة أخرى. فهذه اللعبة مكشوفة وأثبتت فشلها في مراحل سابقة، والحل بالتهدئة والحوار والكفّ عن استخدام الشارع واللعب بالوضع المالي والمصرفي .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى