«عشق الصباح»
يا امرأة من ندى: ها قد تجاوزتنا الحياة ومع مرور الزمن وعطرك لم يغادر أمكنتي.
..وحيدة كانت والريح غاضبة، وهي: قلبها ينتفض كيمامة بللها الماء، وقفت تنظر إلى البحر بعيني عاشقة، تسحرها هذه العلاقة الأزلية بين الشمس والبحر وهذا الأرجوان الذي يكتب قصيدة اللازورد على الموج، تسحرها، فتحلق إلى عالم خيالي خصب، جلست على شاطئ البحر.. غمر الموج قدمَيْها الحافتين، وهي تستلقي على الرمل البليل، هنا تشعر براحتها، بعيداً عن ازدحام المدن وصخب الضجيج، تسترسل في تأملاتها الحالمة، تعيد ترتيب تفاصيل حياتها، لتستعيد ذكرياتها.. ولكنها ما تلبث أن تعود إلى الواقع، بدأ المطر.. لملمت حوائجها وتركت البحر وهي تتلهّف إليه كأنها خلقت لتبقى على كتفه كامرأة تعيش في حكايا حوريات البحر. رائحة البحر تدفع غريزتها لتنشد الدفء بين ذراعيه. وضعت على كتفها الشال الحريري الذي أهداها إياه في آخر لقاء بينهما وقالت: اشتقت إليك..
ضحكت من حالها متسائلة: بعد الخمسين يا دعاء تحاولين عبثاً أن تحافظي على حيويتك !
كثيراً ما تتشابه حياتها مع البحر بزرقته الأزلية وغموضه وموجه المالح، كأن المكان يتواطأ معها لتكون وحيدة، حتى طيور النوارس غادرت، والسماء بدت تفقد زرقتها شيئاً فشيئاً، وقد بدأت الغيوم الداكنة تُغطي السماء والمطر صار غزيراً.
أشعلت لفافة تبغ، نظرت إلى الموج، تناولت حفنة رمل قذفتها إلى الماء، غمغمت:
أن تتجاوز المرأة الخمسين وهي وحيدة شيء يقلقها، مع أنّها لم تزل تمتلك مشاعر متدفقة تمنحها محبة التعلق بالحياة. يا له من زمن، حيث كانت ترقصه تحت مطر الشتاءات، يتدلّى شعرها الأسود على كتفيها يسافر مع أغنية عبد الحليم «والشعر الغجري المجنون» وهي تتلوّى بين ذراعيه تكاد تطير فرحاً، تحفّ نهداها المتكوّران خلف قميصها الشفاف فيندفعان بنزق لهف إلى حضنه الدافئ، ها هي وحيدة.. وفي أعماقها شوق لا يعرفه إلا الذين يكابدون معاناة العشق.. يا بحر..؟
حسن إبراهيم الناصر