كلمة في الراحل ميشال إده
مسعد حجل
ودّعنا، منذ أيام، واحداً من أعمدة لبنان، غير مشابه لغيره من الأعمدة، تاركاً وراءه كمّاً من المشاكل التي تستولد ذاتها في الوطن الصغير، لأنّ أياً من العهود الاستقلالية لم يعمل، جادّاً وجاهداً، لمعالجة أزماته الدائمة.
قيل الكثير في الرجل الكبير، وقرأنا العديد من المقالات، في شتى الصحف البيروتية على اختلافها، أجمعت كلها على صفات الرجل معدّدة مآثره وشهاداته واختصاصاته وعلومه، منهية بعضها، بخبر عن تشريفه بـ «وسام جوقة الشرف برتبة ضابط»! لكنْ، أنا أردّد قول شاعر:
الأوْسِمِهْ بتكرّم صْدور الرجال
لكنما ع صدرك بيتكرّموا
تعرّفتُ إلى الأستاذ ميشال، يوم زار الكاميرون آتياً من السنغال، برفقة رجل أعمال من عائلة تابت، فاتتني الذاكرة لإسمه عله يكون أنطوان، لمشروع صناعي لإنشاء معمل يتعلق بـ «عجينة الورق» في مدينة «EDEA».
وعندما ركبا سيارة الأجرة من المطار إلى الفندق سألا السائق إنْ كان يعرف أحداً من اللبنانيين في العاصمة فأجاب: PAPA HAJAL .
وبعد إجراء معاملات الفندق أتى بهما إلى دارتي، ذلك المساء، كنت، بالمناسبة، أقيم حفل عشاء على شرف وفد لبنان إلى مؤتمر الفرنكوفونية المنعقد في العاصمة ياوندي المؤلف من النائبين خاتشيك بابكيان وعبد اللطيف الزين.
ويا للمناسبة الحلوة إذ كانت سهرة جميلة وسارة بحضور الضيفين الكريمين الأستاذين إده وتابت والنائبين الكريمين وممثل رئيس جمهورية الكاميرون وعدد من الوزراء والسلك الدبلوماسي العربي والأجنبي وعموم عائلات الجالية اللبنانية.
لم يسمح لنا الوقت ليلتها بالتخاطب كثيراً، فعزمتُ على دعوتهما إلى عشاء خاص في منزلي.
استطردنا بالأحاديث، وبإسهاب، حول مجمل أوضاع بلدنا، منها الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية، وخصوصاً، دار الحوار حول أزمة النظام اللبناني المزمنة…
قلتُ عنه، إنّه غيره من أعمدة لبنان، حيثه ملمّ ومتخصّص بالصراع العربي ـ «الإسرائيلي» والحركة الصهيونية، واعتباره أنّ الصراع هو وجودي وليس حدودياً، فالتقينا في سياق الفكر النهضوي الذي أتى به الزعيم أنطون سعاده، لناحية تأسيس دولة مدنية علمانية تعتمد المواطنة، ارتكازاً، والكفاءة والعلم والشهادة والإختصاص، معياراً، للخدمة العامة والوظيفة الرسمية.
وعن وجود الجيش السوري في لبنان قال معاليه إنّ ذلك ضرورة موضوعية للبنان لحفظ الأمن والاستقرار والسلم الأهلي.
كان ذلك في الكاميرون، سنة 1982.
أما في لبنان، وبعد سنوات طويلة بعد عودته من أفريقيا، فقد سمعناه يردّد أنه سيقف أمام الدبابات السورية لمنعها من الانسحاب من لبنان، لأنّ ذلك الانسحاب سيعرّض البلد إلى أزمات ومشاكل جديدة مستعصية.
فهل كان معالي الأستاذ ميشال إدّه محقاً بموقفه ومصيباً بجرأته ومصداقيته؟
ربما كان ذلك…
الرئيس الأسبق للحزب السوري القومي الاجتماعي