قبل المعركة لا تفاوض على العسكريين

روزانا رمال

بالاعتداء الأخير على الجيش اللبناني تثبت «جبهة النصرة» انّ ورقة العسكريين المخطوفين لديها هي أهمّ ما تملك من أوراق في لبنان، وأنها ليست بصدد حل هذه القضية في القريب العاجل، وعليه فإنّ الحكومة اللبنانية اليوم امام مسؤولية أكبر في مواجهة الرأي العام اللبناني وتوضيح المراوغة الحاصلة والعجز عن التوسط لإخراج العسكريين، إما لسوء تقدير او سوء سياسة التفاوض وإما المفاوض نفسه…

يلفت الانتباه الى العلاقة المباشرة بين «جبهة النصرة» ووكالة الأناضول التركية حصراً، وإذا كانت الحكومة اللبنانية لا تنوي الربط المباشر والعلني بين هذا الملف والحكومة التركية فهي أيضا مسؤولة عن شيء من المراوغة وتكريس الفشل، فالوسيط القطري حتى الساعة، وإنْ كان حليف التركي لم يصل إلى أي نتيجة، وكلّ هذا ليس للتعويل على نجاح الوساطة انما لسدّ أبواب اي شكوك او تقصير قد يطاول سلوك الحكومة في هذا الملف.

بعد الكمين الذي نصب للجيش اللبناني في رأس بعلبك يتضح انّ الجماعات الإرهابية لا تريد تأمين أجواء مؤاتية لتفاوض منتج وجدي، والعملية بحدّ ذاتها، توقيتاً وهدفاً، تلفت الى الضغط الذي أصبحت تعاني منه الجماعات المسلحة في لبنان، وخصوصاً في المناطق الحدودية الجبلية بعد تتالي إنجازات الجيش اللبناني بين اعتقالات ومداهمات وخنق تلك المجموعات وحصرها في مكان تواجدها، لكن الأهمّ في هذا الصدد هو ضرورة أخذ الحكومة اللبنانية في الاعتبار انّ الأيام المقبلة قد تحمل عبثاً أمنياً أكبر بسبب عدم القدرة على صمود المسلحين اكثر مع المصير المجهول في أعالي الجبال الباردة، وعليه لا يمكن اعتبار انّ حلّ قضية العسكريين قد يتمّ بسهولة تسبق معرفة مصير هؤلاء.

يتحدث خبراء عسكريون لبنانيون عن ان القناعة تزداد كلّ يوم بأنّ قيام الجيش اللبناني بعملية عسكرية ضدّ المسلحين في جرود عرسال بات ضرورة، وذلك منعاً لعبث الإرهابيين في أرجاء الساحة اللبنانية للضغط باتجاه تخفيف الحصار الذي يواجهونه.

ثبت لدى المسلحين ايضاً ان الساحة اللبنانية ليست تربة خصبة لتحقيق تقدّم ملموس او نجاح في مشروعهم عموماً، نظرا إلى التجربة اللبنانية الحافلة بالمواجهات مع هذا النوع من المجموعات، بالإضافة إلى أنّ السياسة الدولية وما يدور فيها ديبلوماسياً، والحلول والتسويات المفترضة تقطع عليهم الأمل اكثر في أيّ دعم لوجستي، خصوصاً أن معلومات امنية لبنانية تتحدث عن انّ المسلحين يواجهون مشكلة مادية جدية.

الحديث عن اي عملية أمنية يقوم بها الجيش اللبناني يستحضر مباشرة السؤال عن التنسيق بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية في هذا الملف، اذ انّ مواجهة تلك المجموعات بنجاح تتطلب تعاون الدولتين مباشرة، وعليه فإنّ مسؤولية هذا الأمر تتحمّلها الحكومة اللبنانية اذا استمرّت في خلط اوراق السياسة الاقليمية مع اوراق حفظ الأمن في البلاد.

حلّ ملف المخطوفين يعني انّ «جبهة النصرة» فقدت ورقة قوتها في لبنان، ولا يبدو انّ هذه الجماعة او ما يعادلها في لبنان مستعدّة للتخلي عنها قريباً في لبنان ومن دون ضمان او فك للغز مصيرهم المجهول في الجرود، وبالتالي فإنه بدون عملية أمنية حاسمة للجيش اللبناني فإنّ ملف المخطوفين قد يزداد تعقيداً.

الرهان على فصل الشتاء البارد الذي يعتبره العسكريون فرصة مهمة للضغط على مواقف المسلحين ليس قادراً وحده على حسم المشهد، وبالتالي فإنّ كمين رأس بعلبك ليس الأخير، طالما أنّ الارهابيين في حصار وأزمة وجود، وبالتاكيد أنه وفي كلّ مرة يستهدف فيها الجيش اللبناني يستخدمها الارهابيون كرسالة للمراوغة وشراء المزيد من الوقت لبقائهم.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى