أمن الناس في خطر… أين هو الجيش؟

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

قرأت تغريدةً للواء العزيز جميل السيد يقول فيها: «إنّ الجيش سيسقط بعد أول رصاصة مجهولة ستُطلق بين متظاهر ومتظاهر!».

هذا كلام واقعي من شخص عمل في السياسة والأمن ويعرف خطورة ما وصلت إليه الأزمة، ودقة الظروف الداخلية والتدخلات الخارجية ومخاطر اندلاع مواجهات بين الناس. الجيش الذي نُصرُّ على وحدته وقوته وهيبته وحسمه، لا يعمل للجم هذه الفوضى التي أول ما ستصيب، ستصيب الجيش نفسه، كمؤسسة وكدور ضامن لوحدة الوطن. فلماذا تتزعزع الثقة بالجيش عند كل الأطراف؟ المصارحة تقتضي قول الحقيقة بجرأة وتجرّد. فنحن في لحظة نحتاج فيها إلى مَن ينقذ وضعنا ويساعدنا للخروج من هذه الأزمة ولو سخط العالم كله عليه. مصلحة البلد وأمنه واستقراره أهم من شهادة خدّاعة من دولة خارجية كالولايات المتحدة الأميركية التي لها مصلحة أكيدة في بقاء الجيش على هذا الموقف البارد، أو من صحيفة أو زعيم وسياسي وغيرهم ممن يرتلون لـ الثورة أناشيدها من دون إدراك إلى أننا دخلنا في أتون خطير من الكراهية والتصرفات المنذرة بحرب أهلية إن لم تتخذ قيادة الجيش إجراءات ملموسة تحمي البلد من الانهيار والفوضى والاقتتال! لا يكفي أن تُلقي قيادة الجيش المسؤولية على السياسيين. ولا يجوز لها أن تتذرّع بالتوازنات داخلية كانت أم خارجية والبلد على شفير الانفجار. هناك أولويات أهم من مراعاة فلان وفلان وأكبر من دول همها أن تصل للحظة الصدام بين الجيش والمقاومة!

إنّ الجيش هو سياج الوطن ووطننا مهدد اليوم بالتدخلات الخارجية. فأين هو الجيش؟

إنّ الجيش هو درع الوطن ووطننا مهدّد اليوم من قبل سياسيين يجعلون مصالحهم ومصالح أحزابهم فوق كل مصلحة. فأين هو الجيش؟

إنّ الجيش هو ضمانة السلم الأهلي ووطننا اليوم مهدد بالاختراقات المالية والاجتماعية والاقتصادية. فأين هو الجيش؟

قبل يومين وإثر الحادث المؤلم الذي وقع في منطقة الجية وأودى بحياة كل من المرحومين سناء الجندي وحسين شلهوب قلت: «إن ّما يحصل من قطع للطرقات لا يمكن السكوت والتغاضي عنه. السلطات المولجة بحماية أمن الناس وأرزاقهم ودمائهم يجب أن تتحرك وألا تسمح للمجرمين على الطرقات التمادي في إذلال المواطنين وتعريض حياتهم للخطر تحت ذرائع حرية التعبير والتظاهر والعصيان المدني. فلم يعُد ما يحصل في الشارع له علاقة بالقيم الوطنية والإنسانية، وإنما فوضى وقطع أرزاق المواطنين وتهديد لحياتهم، وتعدٍ على حقوقهم وحرية تنقلاتهم. وهذا ما يستوجب موقفاً شديد اللهجة للقوى الأمنية كافة التي تتفرّج على مشهد قطع الطرقات والدماء التي تسيل عليها ببرودة واستغفال وتردد وتفرج. فماذا تنتظر القوى الأمنية؟ هل تنتظر أن ينزل كل عابر أن يفتح الطريق بوسائله الخاصة؟

إنّ ما يحصل ليس معيباً فحسب، بل إجهاض وإفراغ لمؤسسات الدولة من سلطتها وقوتها وإيكال الأمر للمواطنين ليفعلوا ما يحلو لهم. إنّ قطاع الطرق المجرمين يجب أن ينالوا أشد العقاب لأنهم مفسدون وقتلة. وهذا ما لا يجب أن يستمر». لكن أين التحقيقات وأين المحاكمات وأين موقف كل القوى الأمنية التي يدفع اللبنانيون الأموال لها من أجل حمايتهم وتأمين الاستقرار لهم كي يستمروا في أعمالهم وسد حاجاتهم المعيشية وبناء البلد؟

نعم، المسؤولية كبيرة وكبيرة جداً في هذه اللحظة التاريخية. والمطلوب أن يعيد الجيش الاعتبار إلى نفسه أولاً، ومنع قطاع الطرق مجدداً من إغلاق الطرقات. فما يخسره إنما يخسره من رصيده ومن رصيد الوطن الذي يجب أن يبقى موحداً لأهله الشرفاء، ولكل من نزل متظاهراً من أجل حقوقه المهدورة ووطنه الذي يموت أمامه بسبب طغمة الفاسدين في الداخل والمتآمرين من الخارج.

الحياد ليس موقفاً مشرفاً. الحياد انتحار. الموقف اليوم للجيش قبل أن ينهار السقف على رؤوسنا جميعاً.

فهل مَن يسمع؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى