انخفاض أسعار النفط وانعكاسها على الاقتصاد العالمي
حميدي العبدالله
واصلت أسعار النفط تراجعها الحادّ، وبدأت تدور حول سعر 70 دولاراً للبرميل الواحد. ويجهد خبراء الاقتصاد في تحليل نتائج هذا الانخفاض وتداعياته على الاقتصاد العالمي، لكن لا يمكن عبر معيار واحد قراءة هذه النتائج، فلا بدّ من مقاربة مركبة أو متعدّدة للتعرّف بدقة أكثر على أثر انعكاسات هذا الارتفاع على الاقتصاد العالمي.
وضمن هذه المقاربة يمكن توزيع دول العالم إلى ثلاث جماعات:
الجماعة الأولى، هي الدول المنتجة للنفط، ولا يمكن حصر هذه الجماعة بدول أوبك وروسيا، بل إنّ الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدول الاسكندنافية هي في عداد الدول المنتجة للنفط.
انعكاس انخفاض الأسعار على الدول المنتجة للنفط، ولا سيما دول الخليج وروسيا وإيران وفنزويلا وبعض الدول الأفريقية، هو انعكاس سلبي تأثرت به موازنات هذه الدول، كما تأثرت به الشركات المرتبطة بالمشاريع الحكومية، ولا أدلّ على ذلك من تهاوي أسعار البورصات في الدول الخليجية.
الجماعة الثانية، هي الدول الغربية، وهذه الدول لا يمكنها أن تبقى بمنأى عن تأثير انخفاض الأسعار، فهذا الانخفاض يؤثر عليها سلباً في مجالات عديدة أبرزها انخفاض أرباح الشركات، والشركات النفطية الفاعلة عالمياً غالبيتها ملكية أشخاص وحكومات أو شركات مساهمة، غربية، كما ينعكس ذلك على أداء البورصة في هذه الدول نتيجة لانخفاض أسعار أسهم الشركات النفطية، وتتأثر سلباً أيضاً بتراجع عائدات الخزينة المتأتية من الضرائب على أرباح الشركات النفطية، كما أنّ الطلب سيتأثر سلباً لأنّ زبائن الاستهلاك واستثمارات الكثير من الشركات الغربية هم من الدول المنتجة للنفط، إضافةً إلى أنّ انخفاض أسعار النفط دون الـ 60 دولاراً للبرميل الواحد يهدّد عشرات مليارات الاستثمارات في النفط الصخري.
إذا كانت هذه الآثار السلبية هي موضع إجماع وليس هناك خلاف بين الخبراء الاقتصاديين حولها، لكن هناك مسألة أخرى هي موضع نقاش، وتتعلق بما إذا كان انخفاض أسعار النفط سيقود إلى خروج الاقتصادات الغربية من الركود، لكن الركود الذي تعاني منه الاقتصادات الغربية لا يعود إلى ارتفاع أسعار النفط، بل يعود إلى حدة المنافسة ودخول منتجين جدد إلى هذه الحلبة، وانخفاض أسعار النفط تستفيد منه الاقتصادات الغربية مثلما تستفيد منه الاقتصادات المنافسة، مثل الاقتصاد الصيني والهندي والبرازيلي واقتصاد كوريا الجنوبية، والاستفادة المتساوية تفقد الاقتصادات الغربية من إمكانية الاستفادة من تدني أسعار النفط، لأنّ كلفة الإنتاج في الدول النامية سوف تنخفض جراء انخفاض أسعار النفط في المستوى ذاته لانخفاض كلفة الإنتاج في الدول الغربية، وبالتالي تظلّ المعادلة على ما هي عليه على هذا الصعيد قبل انخفاض أسعار النفط.
الجماعة الثالثة، هي الدول النامية والاقتصادات الناشئة، أيّ اقتصادات الصين والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية، فهذه الدول هي التي سوف تستفيد أكثر، وهذا يساعدها على خفض كلفة منتجاتها، وبالتالي تعزيز قدراتها التنافسية في مواجهة الاقتصادات الغربية، وتخفيض أعباء المعيشة في دولها وتعزيز الطلب الداخلي.