صمود سورية يقلب الموازين

جمال الكندي

«انتصارات الجيش السوري»… عنوان عريض نقرأه هذه الأيام، ونراه واضحاً على جباه رجال هذا الجيش في كلّ موقعة يطهّرون فيها وطنهم من رجس الإرهاب الأسود. عنوان نراه في عيون أعداء سورية، الذين بذلوا الغالي والنفيس، من أجل تدمير سورية، وجعلها كغيرها من بلدان المنطقة، لا حول لها ولا قوة، مسلوبة الإرادة مُسيّرة وفق ما تقتضيه المصالح الأميركية.

سورية تنتصر، هذا هو الواقع، وما تشهده الجغرافيا السورية هذه الأيام من شمالها وجنوبها إلى غوطتيها، ينطق بأنّها تنتصر، وهذا الانتصار نزل كصاعقة على رؤوس عملاء الغرب في المنطقة، الذين أنفقوا، حسب آخر الإحصائيات ما يقارب 34 مليار دولار أميركي، من أجل نزع هذا القلب العروبي المقاوم، واستبداله بقلب اصطناعي ينبض بأوامر أميركا وحلفائها في المنطقة، ويكون برداً وسلاماً على «إسرائيل».

إنّ من يتابع خارطة النزاع المسلح بين الجيش السوري والجماعات التكفيرية قبل سنتين، ويقارنها بما يحدث الآن، يدرك أنّ سورية تنتصر. فقبل سنتين من الآن كان المسلحون، ينخرون الجسد السوري من جميع الجهات، وكانوا يسيطرون على مناطق جغرافية واسعة من سورية وعلى المعابر الحدودية الشرعية والغير شرعية، وكان المسؤولون الغربيون يعلنون، في كلّ يوم، أنّ أيام الرئيس بشار الأسد قليلة وأنّ ساعة رحيلة باتت قريبة.

ونسأل هنا: لماذا لم تسقط الدولة السورية قبل سنتين؟ وكيف صمدت هذا الصمود الأسطوري؟ الجواب ببساطة هو أنّ العرف السياسي والعسكري يقول أنّ إسقاط أي دولة يكون بإسقاط عاصمتها، ودمشق كانت منذ بداية العدوان على سورية عصيّة على العصابات المسلحة، كما أنّ الصمود السوري كسر شوكة الغرب وأعوانه في المنطقة، والصمود الذي أعنيه هنا، ليس العسكري فقط، لكنه يتعداه إلى الصمود السياسي والشعبي والاقتصادي، وهي منظومة متكاملة مكنت الجيش السوري من الثبات والمقاومة ضدّ أشرس أنواع الصراعات الداخلية، الممولة من دول الاستكبار العالمي الذي يمعن النظر إلى خارطة سيطرة القوات السورية على الأرض، ويقارنها بما كان عليه الوضع قبل سنتين. ونحن نعلم أنّ سبب الجنون الغربي تجاه سورية، هو أنّ صمودها قلب كلّ الموازين وأفشل خطط تقسيمها التي كانت مُعدّة منذ فترة طويلة.

إنّ تبدُّل الخطاب السياسي ضدّ سورية، عمّا كان عليه قبل سنتين، يثبت أنّ السياسة تتبدل حسب القوة العسكرية والسيطرة الميدانية، فقبل ذلك كنا نسمع من القادة الغربيين وعلى رأسهم الرئيس الأميركي باراك أوباما أنّ الأسد فقد شرعيته، وأنّ أي حكومة تتشكل في المستقبل، لن يكون فيها مكان للأسد. فأين ذهبت كلّ هذه التصريحات اليوم؟

بعد أن فشل داعمو الإرهاب في تحقيق مبتغاهم، تغيرت السياسة الأميركية، وأصبح هدفها محاربة «داعش» ووقف تمدّده في سورية والعراق، بعد أن كان إسقاط النظام السوري، وهنا جوهر الخلاف بين أميركا وحلفائها من العرب والأتراك. وبعد مرور أكثر من شهرين على عمليات التحالف الدولي لضرب «داعش» في سورية والعراق، لم يتم ضرب أي قاعدة عسكرية للجيش السوري، وهذه رسالة مهمة إلى حلفاء أميركا في المنطقة مفادها أنّ الجيش السوري خارج نطاق الاستهداف بالنسبة إليها، ليس بسبب ضعف القدرة الأميركية، لكن بسبب التغيرات في الخارطة السياسية والعسكرية في سورية، وقوة منظومة الردع الصاروخية لديها، والدعم السياسي والعسكري الإيراني والروسي لها، وهذا ما أدركته أميركا فلم توسّع نطاق حربها الجوية في سورية، كما عارضت أي موقف يدعو إلى استهداف الجيش السوري من قبل التحالف، وما استقالة أو إقالة وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل، والذي كان من المعارضين لسياسة الرئيس أوباما في سورية، إلا إحدى نتائج هذا التوجه.

إنّ صمود سورية أمام أمواج الإرهاب التكفيري العاتية وتصديها له، دليل على ثبات وقوة المعادلة الثلاثية وهي الجيش والشعب والحكومة، ولولا هذا الترابط الصلب والذي حاولت القوى المعادية لسورية كسره عن طريق الإعلام المأجور، لوجدنا في سورية الفوضى التي نراها اليوم في ليبيا.

إنّ إدراك ما يسمى «المعارضة المسلحة» المتأخر لهذه المعادلة، قلب الطاولة على أعداء سورية وسحب عنصر الحاضنة الشعبية للمجموعات الإرهابية، وما المصالحات التي تحصل في ريف دمشق وحمص ودرعا وحلب وغيرها، وعودة آلاف السوريين إلى حضن الوطن، حسب تقرير غربي، إلا ترجمة لفشل المؤامرة على سورية، حيث أدرك من تسلح من السوريين، أن لا بديل عن حضن الوطن، وأنّ الشيشاني والأفغاني وغيرهما، لن يعلموا السوري الحرية، أو يؤسّسوا لديمقراطية مزعومة، وقد أشاعوا الخراب والدّمار أينما حلوا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى