مكتبة «البناء»
في كتابه الجديد «أصول الناصورائية المندائية في أريدو وسومر»، الصادر لدى دار «فضاءات» في عمّان، يواصل الدكتور خزعل الماجدي بحثه وكشوفاته في أعرق الديانات التي عرفتها المنطقة العربية، الديانة المندائية. وكتابه هذا امتداد لكتابه السابق «جذور الديانة المندائية»، الصادر في بغداد عام 1997، لكنه يتجاوز منطلقاته إلى أفق أكثر سعة وغزارة.
يبدأ الكتاب بفصل تعريفيّ بالجذور الناصورائية لهذه الديانة، وبتكوينها المندائي وباسمها الصابئيّ الذي عرفها به المسلمون، ثم يستعرض النظريات التي بحثت في أصلها بدءاً من وجهة نظر المندائيين أنفسهم بتاريخهم، مروراً بآراء الفقهاء والمؤرخين المسلمين، وصولاً إلى النظريات الغربية في دوائر البحث العلمي الحديث. ثم يقدّم الماجدي وجهة نظره في تاريخ الديانة الممتد من أريدو إلى العصر الحديث. أما الفصل الثاني فيعقد فيه مقارنة بين المعتقدات الناصورائية والسومرية من خلال عوالم الوجود واللاهوت في الديانتين الماء، النور، الظلام ، ويناقش الأفكار الدينية الكبرى التي تدور حول الله والآلهة والأنبياء والوحي والموت والعالم الآخر والمؤسسة الدينية، من أماكن عبادة ورجال دين. وفي الفصل الثالث يقارن الماجدي بين الأساطير الناصورائية والسومرية من خلال البحث في ميثولوجيا التكوين خاصة وتشمل الثيوغونيا خلق الآلهة والكائنات الإلهية والكوزموغونيا خلق الكون والأنثروبوغونيا خلق الإنسان والبحث المقارن في شخصيات آدم وحواء والأفعى فضلاً عن بحث في عقائد الموت والآخرة الإسكاتولوجيا . والفصل الرابع مليء بمقارنات بين الطقوس الناصورائية المندائية والسومرية، ويتناول فيه الماجدي طقوس العبادة التقليدية من صلاة وصوم وطقوس الأضاحي والتعميد والأعياد والاسم الديني. وفي الفصل الخامس التراث الديني المندائي في مقدمة وافية عن الغنوصية والمندائية، وتصنيف هذا التراث وفق مكونات الدين الرئيسية أولا، ومكونات أخرى قريبة، مع التركيز على الكتاب المقدّس للمندائيين كنزا ربّا وعرض لمحتوياته وتاريخ كتابته وعلاقته بالتراث الروحي لبلاد الرافدين.
يؤكد الماجدي أن الديانة المندائية لم تكن وليدة العصر الهيلنستي، على ما يتردّد، بل هي ذات جذور أبعد من هذا العصر، فهي ترتبط بوشائج عميقة مع ديانة الأسرار السومرية، خاصة بعد اختفاء الديانة السومرية. وظهرت بدايات هذه الديانة في أريدو ثم من بقايا الديانة السومرية وعناصرها المعروفة: الهواء والماء، النور والظلام، عالم ما بعد الموت، إلخ. لكنها تعرضت لضغط الكثير من العقائد الدينية التي ظهرت في العراق القديم، مثل الديانة البابلية والآشورية وقبلهما الأكدية. ويرى أن إعادة صوغ شاملة لها تمت بعد سقوط بابل بوجود عناصر كلدانية وآرامية، وعلى أساس العرفانية النبونائيدية التي ظهرت منذ منتصف القرن السادس قبل الميلاد، وكانت تسمى بـ»الناصورائية». ولأنّ هذا الصوغ تمّ باللغة الآرامية وبإحدى لهجاتها التي هي «المندائية»، فقد أطلق على هذه الديانة اسم المندائية، وربما كانت العقيدة الدينية هي السبب في إطلاق تسمية المندائية، فكلمة «مندا، مندع» بالآرامية تعني «العارف»، ولذلك يكون المندائيون هم العارفون أي العرفانيون على وجه الدقة.
ميزة وجهة نظر الماجدي أنها مختلفة عن وجهات النظر المعروفة التي تجعل من الديانة المندائية فرقة غنوصية تدور في الفلك اليهودي أو المسيحي للعصر الهلنستي وامتداده الروماني 332 ق. م – 332 م ، وهذا ما لا يصدقه المندائيون أنفسهم، إذ يعتقدون بأن ديانتهم هي «ديانة آدم»؟ وتقترب وجهة النظر هذه من وجهة نظرهم، رغم أنهم يؤمنون بالأمر دينياً.
اكتشاف الماجدي تم عبر وسائل البحث العلمي في الأديان وتاريخ الأديان، فالتاريخ الذي وضعه للديانة المندائية منذ أريدو إلى العصر الحديث يلملم ما تبعثر من تاريخ هذه الديانة العريقة في نسق منطقيّ، ويرمّم صورتها التي عبثت بها أهوال الزمان، وما تعرض له هؤلاء المنادون بديانة المحبة والسلام والنور والروح، والتي لم تسعَ يوماً إلى شنّ حرب أو تأسيس دولة أو مال أو جاه، وكانت تدافع عن نفسها، دوماً، بالصمت والتخفّي بسبب قسوة التعصب وعقلية التفتيش والتحرّي والشكوك في معتقداتها لدى فقهاء الأديان الأخرى المحيطين بها ومتعصّبيها.
الديانة المندائية، على ما يرى الماجدي، هي دين توحيدي عرفاني جاء قبل الأديان التوحيدية المعروفة: اليهودية والمسيحية والإسلام، واختلف عنها في كونه الدين الذي يعرف الله من خلال المعرفة التي تحتويها الروح أساساً، باعتبارها صادرة عن الخالق، وتتضمن المعرفة به، فهي ديانة تنظر إلى الوحي نظرة أخرى لكونه متضمّناً في الروح «نشمثا، مانا»، ويمكننا الوصول إلى معرفة الله ذاتياً عندما نعرف روحنا وأصلها القادم من الله ومن عالم النور، وهي نبع صاف من ينابيع الأغوار الروحية للبشرية وتطلّع مخلص لعبادة إله واحد لا يسكن السماء فحسب بل في عالم أبعد من السماء هو «عالم النور»، وكذلك أهلها الطيبون الصامتون على قهرهم وجروحهم، والرافعون راية النور والمعرفة في وجه من يتعرض لهم بالجهل والظلام والتكفير. كما أنها ديانة قديمة يصنفها علماء الأديان ديانة غنوصية عرفانية إلاّ أنهم يضعونها في الدائرة الروحية للعصر الهلنستي، ويهملون جذورها العريقة في وادي الرافدين باعتبار أن الغنوصية، عامة، نشأت في حدود القرن الميلادي الأول، ما يخالف نشأة المندائية القديمة.
لكن ما يقف معترضاً على القِدم البعيد للمندائية الممتدّ إلى أبعد نقطة في التاريخ، وما قبل التاريخ، هو عدم وجود نصوص ولقىً أثرية تؤيد ذلك القِدم، وما قُدّم من استنتاجات نظرية حاولت سدّ هذا النقص لم يكن كافياً، لكنه محاولة للتقصي والاستنتاج بمنهج علمي مقارن.
«مجهولات» موديانو يبحثن عن الملجأ المفقود
في رواية «عشب الليالي» لباتريك موديانو نوبل الآداب لهذا العام ، بتساءل بطل الرواية عبر مونولوغ داخلي حول ما يعتريه: «تُرى ما مصدر الشعور بالامتعاض الذي كان ينتابني في الماضي؟»، ثمّ يعدّد أسباب هذا الشعور التي يُرجعها إلى الشوارع القليلة التي تستظل بمحطة القطارات والمقبرة وغيرها، ثمّ يشك في أحد الأسباب التي ذكرها: «هل ممكن حقًا أن الآخر الذي تركته هناك كان يعيد حركاتي القديمة، حركة حركة، ويواصل السير في طرقاتي القديمة إلى الأبد؟ كلا لم يبق شيء منا هنا. لقد طوى الزمن كل شيء».
رغم الاعتراف بأن الزمن طوى كل شيء، إلا أنه لا يمنع من أن تكون واحدة من أحابيل الكتابة ومراوغاتها التي يريد المؤلف أن يوقع بها القارئ في فخ المباشرة والبساطة. في عبارة سابقة لموديانو يُلخِّص فيها جوهر روايته يقول: «إنّ الحياة عبارة عن باقة من الصور القديمة في صندوق الذاكرة» وهذا يتمثّله جيدًا في كتاباته الروائية، فالذاكرة هي المحور الذي تدور حوله رواياته، ما أهَّله لأن يكون واحدًا مِمَّن أعادوا لفن الذَّاكِرة بريق بالكتابة، إذ يستعيد باريس الماضي بشوارعها وحوادثها وحدائقها، كما يفتّش عبر شخوص رواياته عن الهويات المفقودة عبر الزمن أو على حدِّ وصف بيتر إنغلند السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية، مسوغاً حصوله على الجائزة إذ عالم باتريك موديانو «حقًا رائع وكتبه تتحاور في ما بينها، إذ تتكرّر فيها مواضيع الهوية وفقدان الأمل. أما نزعته الروائيّة فتميل إلى الشّك أصلاً في هوية الكائن والأفراد والسعي إلى البحث عن الهوية المفقودة والمنسية».
في رواية «مجهولات» القصيرة التي ترجمتها رنا حايك وأعادت طباعتها دار «ميريت» المصرية بعد فوزه بنوبل يقدِّم إلينا الكاتب عبر الراوي أو الأنا ثلاث حكايات لفتيات متفرقات يجمعهن السرد. لكلِّ منهن ماضيها المُخْتَلف وأحلامها المتباينة، إلا أنّهنّ يتقاسمن رغبة الانعتاق من الماضي، إما بالهرب من المكان نفسه مدن النشأة بحثاً عن عمل، كما في حالة الفتاة الأولى، أو بحثاً عن الحب الكبير مثل الفتاة الثانية، أو باستعادة الذات كما في حالة الفتاة الثالثة القادمة من لندن.
حكايات الشخوص الثلاث التي يقدمها موديانو بسيطة، ولا تعتمد التشويق أو حتى آليات كتابية وأسلوبية مميّزة تهبها بعضًا من الأهميّة والتمايز، بل يعتمد الكاتب على بنية شكلية كلاسيكية فالسَّرد هو بالضمير الأنا، مستفيداً من التداعيات الحرة والمونولوغات، كما يبدأ السرد من نقطة ثابتة تنتمي إلى زمن حاضر الفتاة قبل رحلة الانتقال إلى باريس ثمّ تحدث التقاطعات عبر فعل التذكُّر. الماضي الذي يستعيد أجزاء منه بالاسترجاعات، ليس نوعاً من الشعور بافتقاده أو الحنين إليه، بقدر ما هو نوع من الحسرة والتألم من سيرته، وما كان دافعًا لهنّ للهرب منه إلى آخر/باريس.
الهرب من الماضي هو الثيمة التي تشكّل العُنصر الرئيسي لهذه الرواية، فالفتيات الثلاث مجهولات الإسم، جميعهن يهربن من ماضٍ ليست فيه ذكرى واحدة سعيدة، بل هو حافل بالمآسي والذكريات المُشَوَّشَة. تقول الفتاة الثانية: «ذكريات طفولتي ليست جيدة ولا سيئة». ورغم أن الكاتب يتنقل بالفتيات من مكان النشأة ليون/أنيسي/لندن إلى باريس إلا أنه يتخذ من هذه التنقلات حيلته لاستعادة مكان طفولته الخاص/باريس عبر تجوّلات هؤلاء الفتيات في أزقتها وشوارعها وغاباتها وملاجئها أيضاً، في مسعى جادّ عبر هذه الأنماط الثلاثة إذ تعتبر كلّ منهنّ نمطًا دالاً على إفرازات العصر وأمراضه القرن العشرين لاستعادة هويته القديمة غير المختلفة عن هويات الفتيات الثلاث المُمزّقة، بل تكاد تكون الشخوص الثلاث تنويعات مختلِفة لشخصية المُؤلف ذاته. فالكاتب، بحسب المترجمة في تقديمها للرواية، هو مثل شخوصه «أمضى حياته مسكونًا بهاجس الفقدان يحاول لمّ أشلاء ماضيه وانتمائه من خلال كتابة مشاهد من حياته الخاصة وأسماء شوارع مرّ بها، وملاجئ سكن فيها وأشخاص سكنوه إلى حدّ الألم».
يدخل بنا الكاتب عبر ثلاث شخوص متقاربة عمراً بين السادسة عشرة والثامنة عشرة، وثلاث حكايات مُنفصلة لا يجمعُ بينها سوى الفقر والغربة والاغتراب ومدينة باريس والوحدة وغياب الإسم والمصير المجهول الذي ينتظر الفتيات الثلاث، إلى عالم روائي يشيده وفق أطروحات فلسفية تتعلق بأزمات وجودية كالبحث عن الهوية، واستعادة الذات، والقلق من المصير الإنساني، واكتشاف معنى الحياة، أو حتى تكرار مأساة الأب مثلما حدث للفتاة الثانية التي أعادت سيرة الأب الذي لم تلتقه عبر تواصل الجينات.
مصير الفتيات الثلاث مُتعلق بتحقيق حلم الهرب، والتخلُّص من رواسب الماضي. فالفتاة الأولى راحتْ تبحث عن وظيفة وتركتْ مدينة ليون المظلمة إلى باريس. في الأصل كانت لديها أسرة لكنها لا تنتمي إليها إذ فارقتها منذ زمن ولم يشغلها أو يشغل أفرادها تَتَبُّع أخبار بعضهم البعض الآخر. حتى عندما فاجأها صديقها الذي تعرفت إليه في باريس كنوع من التواصل مع الآخر، المفقود دومًا صورة الحبيب/الجسد/الأهل ، رغم أنه أنكر اسمه الحقيقي عليها وما إن سألها عن رأيهم عائلتها باستقرارها في باريس قالت: «أربكني السؤال، لم أفكِّر في أهلي للحظة واحدة وأنا أغادر ليون». في باريس تسكن مع إحدى النساء اللاتي تعرفت من خلالهن إلى صديقتها في ليون.
الفتاة الثانية هي أكثر الفتيات تشرُّدًا وضياعًا. ولدت في أنيسي توفي والدها، لكن علاقتها بأمها متوتِّرة مذ فارقتها وذهبتْ لتعيش في الحي لدى لحّام غريب الأطوار أسبغ على أمها من صفاته الغريبة، ثمّ انتقلت لتعيش مع خالتها التي تعمل خادمة لفترة في بيوت الأثرياء، وتفتقد حس الحياة العائلية. في مرحلة الدراسة في المدرسة الداخلية مدرسة سانت آن عاشت حياة منغلقة على ذاتها، وأيضًا على الجسد الذي لم يكن يُسمح له بالتعري وفق تقاليد الكنيسة، وكانت علاقتها بالعالم الخارجي منحصرة في جهاز راديو استعارته من خالتها تستمع إليه في أوقات محدّدة وكانت تحرص على إخفائه. عاشت عمرها باحثة عن الحب الكبير من دون أن تحظى «بمن يتمكّن مِن جعل قلبها يدق». في باريس تنقلت بين أعمال مختلفة من عاملة في مقهى إلى جليسة لامرأة كبيرة تنزّه كلبها، وكانت لديها رغبة عارمة في أن ترحل «أبعد إلى مكان لا يتكلمون فيه الفرنسية لأقطع الجسور نهائيًا».
أما الفتاة الثالثة فهي قادمة من لندن، غادرتها بعد صرفها من الخدمة في محل باركرز، وعملت في مشغل حتى التقت مصادفة في المقهى أستاذ الفلسفة الذي يكون هاديًا لها للخروج من شرنقة الوحدة التي عاشتها بعد قدومها إلى فرنسا، ومع الأسف لم يقضِ عليها تسكعها في حدائق بولونيا أو الذهاب إلى السينما.
المُثير في حكايات موديانو أنه بعدما طَافَ بنا في عالم الضياع مع الفتيات الثلاث وسلّط الضوء على سبب هذه الأزمة التي لا تخرج جميعها عن أزمات هوية في المقام الأول بعد غياب الأسرة، كما في نموذج الفتاة الأولى، وغياب الأب وتأثرات الأم بالزوج غريب الأطوار والتربية الصارمة سواء مع الخالة أو في المدرسة الداخلية، مع نموذج الفتاة الثانية، إلا أنه استطاع أن يقدم الحل الأمثل عبر نموذج الفتاة الثالثة، الأكثر ضياعًا بسبب عدم معرفتها للعائلة أساسًا عبر النموذج المعرفي الذي بدّل حياتها بعد تعرّفها إلى أستاذ الفلسفة.
عبر صور وحكايات الفتيات الثلاث كان موديانو معنيًا بالبحث عن هويته هو، وأماكنه هو، في صورة الفتيات، فافتقاد الأب ومطاردة الماضي والتشرد والانزواء والوحدة كلها عاناها موديانو في حياته، ومن ثمّ أراد أن يختبر شخوصه في ظل ظروفه التي عاش فيها. العجيب أنه اكتشف أن مصير الضياع هو ما انتظر الفتيات، مع فرق بسيط في حالة الفتاة الثالثة التي تحوَّلت إلى قاتلة، وحين عثرت على النور في المعرفة كانت نجاتها، وهو الدرس الذي يُمرّه بين ثنايا حكايته البسيطة.
كتاب علميّ بحثيّ مهمّ لأحمد صالح اليمني حول تحكّم الغرب في سلوك البشر وتوجيههم
موضوع السيطرة والتحكم في البشرية لا يخص فرداً بعينه، ولا بلاداً بعينها، بل يمس العالم كله، خاصة إذا كان الجديد في هذا المجال هو شريحة تزرع في الجسد الآدمي لتحل مكان النقود وبطاقات الهوية. هذا ما تناوله بالدراسة والتحليل كتاب، صدر حديثاً للمهندس أحمد صالح اليمني وعنوانه «في أحضان الشيطان» ونفدت طبعته الأولى في أشهر قليلة شهور معدودة، ولعلّ موضوعه الغريب والمثير كان سبباً في تكرار ظهور عنوانه على صفحات الصحف وعبر التلفزيون.
يتناول الكتاب الصراع الدائر بين الغرب والشرق في ظل تصادم الحضارات على مر العصور، ويتواصل في التدرج التاريخي في كل حقبة من حقب التاريخ، حتى يصل الى المرحلة التي بدأ تنفيذها على الأرض الآن، فهو في هجمته تلك لا يريد أن يعد العدة القتالية ليحتل المنطقة ثم يسيطر عليها، بل يريد السيطرة على العقول فتأتي إليه المنطقة، وهذا ما تُحققه له شريحة «البيو تشيب».
Bio-chip التي تزرع في معصم اليد اليمنى أو الجبهة لتكون البديل من استخدام النقود وآليات التعريف الشخصية. يتناول الكتاب موضوع الشريحة ضمن مخطط مرسوم للسيطرة والتحكم في البشرية، والشريحة الإلكترونية لبنة من لبناته فحسب.
هذه الشريحة هي في حجم حبة الأرزّ تقريباً إذ يبلغ طولها 11.5 مليميتراً ولها العديد من المسميات مثل «جيني تشيب»، وهو الجيل الأول منها. والشريحة هذه تحل مكان جميع المعاملات المادية النقود وبطاقات «الفيزا» ومكان بطاقات الهوية، فلو أراد الشخص الذي زرعت له الشريحة الذهاب إلى السينما مثلاً، ما عليه إلاّ اختيار الصالة، والفيلم الذي يريد مشاهدته من على مواقع عرض الأفلام في الإنترنت، ثم يحجز التذكرة عبر الموقع على الإنترنت، فيحسم ثمنها من حسابه في المصرف، وتسجل بيانات تلك التذكرة في رأسه الشريحة ، فيذهب بعد ذلك إلى السينما وما عليه إلا أن يترك المسؤول أيضاً يضع قارئ الشرائح على جبينه، فيجد أنه فعلاً حجز تذكرة في المقعد رقم س فيدعه يمرّ ويذهب إلى مقعده ويستمتع بمشاهدة الفيلم.
يقول المؤلف إنه كان ضرورياً الإعداد الجيد لترويج الشريحة كي تقدم الأمم والأفراد على زراعتها طواعية من دون إرغام، على أن يتم ذلك في نطاق التطور الطبيعي للتقنية التكنولوجية، ومن طريق العولمة وتوحيد المعايير: 1- توحيد العملة وهي الدولار بكونه العملة العالمية الأولى والرئيسية ترتبط بها جميع العملات العالمية، 2- توحيد معايير التعاملات المصرفيّة عالمياً من طريق شبكات المصارف المتصلة عالمياً في ما بينها، 3 – توحيد بطاقات الهوية عالمياً، فينجز رقم مسلسل واحد لجميع البشر يسمى بالرقم الحقيقي real IP، وكانت بدايات ذلك التوحيد في الولايات المتحدة الأميركية عبر إصدار قانون رخصة القيادة الموحدة، تمهيداً لإصدار بطاقات الهوية الموحدة.
عملية زراعة الشريحة تحصل فعليّاً منذ عام 1974، إذ زرعت أول شريحة في ولاية أوهايو في الولايات المتحدة الأميركية، وتزرع الآن بالولايات المتحدة الأميركية لتسجيل بيانات المرضى في المستشفيات، وتزرع أيضاً في دولة الفلبين منذ عام 1992 وحتى تاريخه، لكن في الفلبين الأمر مختلف، إذ تستخدم للتجارب على الجنس البشري للتتبع والتحكم، فالفلبين ليست من دول العالم المتقدم التي يمتلك السواد الاعظم من شعبها حسابات مصرفية أو تقنيات حديثة في المعاملات التجارية، وحتى الآن فإن عدد الدول التي وافقت وانضمت الى تلك المنظومة العالمية بلغ عددها عشرين دولة.
عام 2004 وافقت منظمة الأغذية والدواء على أول RFID للزرع لدى البشر وكان اسمها «VeriChip»، وأنتجتها شركة «VeriChip»، وتُستخدم تلك الرقاقة لتحديد المريض وتوفير وصلة لسجلات المريض الطبية في قاعدة بيانات، وتبعتها شريحة «موندكس» Modex بإنتاج نوع آخر متطور حجماً وتقنية، وتعتزم شركة «موندكس» تغطية سكان العالم كله خلال ست سنوات، إذ أنتجت بإنتاج المليار شريحة الأولى، وتعتزم انتاج مليار شريحة سنويّاً لتغطي سكان الكرة الأرضية في ست سنوات .
أضحى الأنسان، بحسب المؤلف، جزءاً من منظومة معلوماتية لا تعرف للخصوصية إسماً ولا معنى، فلكي تعمل المنظومة لا بد من أن يُسجل الإنسان كوحدة ذات رقم تسلسلي، مثل رقم الـ IP تماماً الذي يتم التعامل به في أجهزة الكمبيوتر، غير أن لكل إنسان تردداً كهربياً حيوياً مستقلاً عن سواه في الدماغ، تماماً مثل البصمة، وتسجل جميع ارقام الذين زرعواالشريحة في مركز يسمى المركز العالمي لتتبع البشرية، وهو المركز المسؤول عن تخزين بيانات جميع الأشخاص الذين زرعوا الشريحة داخل أجسادهم، وتتبع خط سيرهم، بالإضافة إلى تحديد أماكنهم في أي لحظة. والتتبع هو أول المخاوف وأبسطها، فلو علمنا انه يعمل في المنظومة السابقة وجزء لا يتجزء منها ما يسمى بالأقمار الاصطناعية التجسسية، فإن ذلك يدعو الى القلق لأن الأقمار الاصطناعية التجسسية تستطيع من ضمن مهامها أن تصوّر داخل المباني وتلتقط الأصوات، كما تستطيع قراءة أفكار الأشخاص ذوي الشريحة، بل السيطرة عليهم كهرومغناطيسياً. وثمة قدرة مرعبة أخرى للأقمار الاصطناعية وهي التلاعب بعقل الشخص بواسطة «رسالة» صوتية خفية، وهو صوت ضعيف جداً لا يمكن أن تسمعه الأذن بشكل واعٍ إنّما يستقبله العقل اللاواعي، لجعل الشخص يقوم بعمل ما تريد منه فعله.
لو عرفنا حجم الأجيال الجديدة المصنعة من شريحة «الميكرو تشيب» التي استخدمت فيها تقنية «النانوتكنولوجي» وتقنية «الميكروتشيب»، فمن السهولة بمكان زراعتها من دون علم الانسان. الأجيال الجديدة من الشريحة يصل قطرها خمسة ميكرومليميترات علماً أن قطر شعرة من الرأس هو خمسين ميكرومليميتراً المليميتر = 1000ميكرو ميتر . وتبين بواسطة فحص نوع خاص من الرنين المغناطيسي للدماغ البشرية مناطق بعينها ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع اتخاذ القرار، ومناطق ترتبط بالتحكم في السلوك، وتلك المناطق موجودة في الفص الجبهي. تلك المنطقة من الرأس هي المسؤولة عن اتخاذ القرار ـ مثل قرار الإيمان أو الكفر، لذا أصبح بديهيّاً لو شئنا السيطرة على قرار شخص أن نجد وسيلة ما بشأنها أن تتحكم في هذا الجزء من الدماغ، ولما كانت «البايوتشيب» تُزرع في هذا الجزء، ولما كانت كلمة «bio» تعني «حيوي»، فإنها تتوافق مع أنسجة الجسم، فبالتالي سوف تكون المهمة الرئيسية ربطها بتلك المراكز ييتم التحكم فيها عن طريق الأقمار الاصطناعية والتوجيه عن بعد، وبذلك يتم إقناع جميع البشر الذين تمت زراعة تلك الشريحة في جباههم بأي أمر كان، حتى لو كان أن يترك الإنسان إيمانه بربه ويؤمن بكائن آخر.