إيران مشروع عملقة في الشرق الأوسط
علي موسى كعدة
إنّ ما يجري من أحداث في منطقتنا العربية والإسلامية، أرجعني بالذاكرة إلى شهر أيلول من العام 1986، وهو الشهر الذي دخلت فيه الأراضي الإيرانية لأول مرّة بقصد زيارة العتبات المقدسة أولاً، والتجارة المتواضعة لتغطية النفقات ثانياً، وكانت الجمهورية الإسلامية قد خرجت حينها من حرب دامت 8 سنوات مع النظام العراقي البائد المدعوم أميركياً وخليجياً. تلك الحرب التي استهدفت الثورة الإيرانية «ثورة الورود»، وقد رأيت بأمّ عيني ما خلفته هذه الحرب المجنونة من تدمير للبنى التحتية وانهيارات في الاقتصاد، أدّت إلى عطش شديد في الأسواق إلى كافة المواد الأساسية وإلى نقص حادّ في الخدمات الصحية والاجتماعية، ومن تهتك لأسطول النقل بكلّ أنواعه وتخريب كلّ شيء في البلاد ما عدا سمتين موجودتين لدى المواطن الإيراني، هما الإيمان بالله والجدية في العمل. وقد قدّرتُ حينها أنّ هذا الشعب قادر على تجاوز المحنة رغم كلّ ما يعتريه من صعوبات. من خلال سفري المتكرّر إلى إيران، وجدت أنّ شعبها قد تحوّل بأكمله إلى ورشات عمل مستمرة تعمل ليلاً ونهاراً، لإعادة ما دمّرته الحرب، فأعجبت بهذا الشعب العظيم لما يتميّز به من صبر وأناةٍ، وبتمسّكه بنهج الثورة وقائدها الإمام الخميني.
وبعد انقطاعي عن السفر إلى إيران منذ عام 1993، تابعت أخبار الثورة من خلال وسائل الإعلام كافة، المرئية والمسموعة والمقروءة، وما حققته وتحققه من إنجازات مهمّة، وخصوصاً في المجال العسكري والنووي. ولمّا سنحت لي الفرصة في آب 2011، سافرت إليها بقصد الزيارة والسياحة ولدى تجوالي في مدن عدة أبرزها: تبريز وطهران وقم وأصفهان ومشهد، ومن خلال ما رأيته في الطرقات العامة وفي المعالم التاريخية والدينية والسياحية، اكتشفت إيران جديدة حديثة متطورة لا تشبه في أي شكل من الأشكال إيران التي رأيتها أول مرة عام 1986، فأدركت الإنجازات الهائلة للثورة الإيرانية.
وأستطيع اليوم أنّ أصف الثورة بأنها أخلاقية، حضارية، علمية، صناعية، مؤسساتية، نووية، وسياسية، ولا تزال مستمرة في خط بياني تصاعدي، واستطاعت أن تحوّل إيران من دولة ليس لها أي ثقل دولي أو أقليمي، إلى دولة إقليمية مهمة وشريكة رئيسية في اتخاذ القرارات المصيرية في المنطقة، وهذا ما يفسّر فرض العقوبات الغربية عليها في شكل مستمرّ، لكبح جماحها النووي لأنها أصبحت تشكل خطراً جسيماً على أمن الكيان الصهوني وعلى مصالح الغرب.
وأمام هذا التطور السريع الذي حققته إيران في زمن قياسي بسيط جداً، هناك سؤال يطرح نفسه بإلحاح: ما هو سرّ هذا النجاح؟ ولا بدّ من الإجابة عليه، وقد حاولت الإجابة لعلي أصيب الحقيقة، فرأيت أنّ أسرار هذا النجاح هي: إيمان الشعب الإيراني المطلق بالله، الجدية والمصداقية في العمل لدى الشعب والقيادة، السياسات الاقتصادية الناجحة التي اتبعتها إيران أثناء الحرب وبعدها من خلال الحدّ من استيراد الكماليات واستبدالها بالصناعات المحلية وزيادة نسبة الصادرات من الناتج القومي الإيراني بما في ذلك الصناعات المحلية، اتباع سياسة الأعصاب الباردة دولياً وإقليمياً، الاهتمام بالعلم كأولوية في البلاد، الاستفادة من انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي السابق من خلال الاستعانة بالخبراء الروس لا سيما في المجال النووي، اكتشاف النفط في بحر قزوين بكميات هائلة ولإيران حصّة فيه، ما عزّز ودعم اقتصادها، تعزيز علاقاتها مع الدول الصديقة، وخصوصاً روسيا والصين وسورية ودول البريكس، نجاحها في تشكيل جبهة مقاومة تمتدّ من إيران حتى لبنان وفلسطين، لمواجهة أطماع قوى الشرّ المتمثلة بأميركا وحلفائها في المنطقة.
إنّ دخول إيران المجال النووي وامتلاكها علومه أعطاها قوة معنوية ومادية رادعة للغير، ما جعل الدول الغربية، وعلى رأسها أميركا، بالإضافة إلى الكيان الصهوني، يتحسّسون قوتها وخطرها على مصالحهم، لذلك عمدوا إلى تدويل الملف الإيراني النووي السلمي وتحويله إلى مجلس الأمن هيئة الطاقة الذرية ، ولا تزال المفاوضات مستمرة في هذا الخصوص بين إيران ودول ال 5 + 1، علماً أنّ الغرب لجأ إلى مجلس الأمن بعد إفلاسه من التهديد والوعيد لإيران من قبل أميركا وحلفائها بضرب مفاعلها النووي. إذاً إنّ إيران اليوم قوية بشعبها واقتصادها وحلفائها، وهي مستمرة في تقدمها النووي والصناعي، وبذلك تكون مرشحة بامتياز وجدارة لأن تتحوّل من لاعب إقليمي إلى لاعب دولي بين عمالقة العالم، وأعتقد أنّ ذلك سيتحقق خلال زمن قياسي قصير.
محام