هل كانت «إسرائيل» وراء كمين جرود رأس بعلبك؟
كتب المحرر السياسي:
الإشارات المتزايدة نحو تغليب منهجية التشارك والتشبيك على منهجية التصادم، بعد سنوات من الحرب المفتوحة، لا يعني أبداً الانتقال إلى مناخات دولية وإقليمية بصراعات صفر، هذه هي الرسالة التي حملها التزامن بين الكلمة المدروسة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رسالته السنوية للجمعية العامة إلى اتحاد روسيا، مع اللقاء الذي جمع وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف مع نظيره الأميركي جون كيري على هامش اجتماع منظمة الأمن والتعاون الأوروبي في بازل في سويسرا، حيث كان بوتين واضحاً في رسم استراتيجية تقوم على التمسك بالندية في العلاقات الدولية، ورفض سياسات الهيمنة الأميركية وإعلانه الواضح أن موسكو مستعدّة للمواجهة السياسية والعسكرية والاقتصادية، قائلاً: التفاهمات ليست تنازلات متبادلة بل تسليم بحقوق، ونحن لن نتنازل عن حقوقنا، ومستعدون للمواجهة ولدينا جيش قويّ ومقاتل، ولن يخيفنا الحديث عن درع صاروخية في أوروبا، والعقوبات سياسات سيّئة نرفضها، لكننا لن نرضخ لها، ونعتبرها محفزاً اقتصادياً، ودعا بوتين في ردّ عنيف على العقوبات، إلى عفو مالي عام، دعا بموجبه كلّ الرساميل الروسية المهاجرة إلى العودة، بما فيها تلك التي تدور حولها أسئلة قضائية حول كيف جُمعت وما عليها من ضرائب، ومن هم أصحابها، واعداً بعدم ملاحقة أي من هذا النوع من القضايا تجاه الذين يستجيبون مع الدعوة للعودة للاستثمار في السوق الاتحادية الروسية، ومعلوم أنّ الرساميل المستهدفة بهذه الدعوة وفقاً لوسائل إعلام روسية تزيد على تريليون دولار، متهمة بالتهرّب الضرائبي والفساد والتبييض والتورّط بمؤامرات سياسية والانضواء في ما يعرف بتشكيلات المافيا الروسية.
وصل كلام بوتين إلى بازل في سويسرا حيث كان لقاء الوزيرين كيري ولافروف، وكان الكلام المتبادل تأكيداً للمواقف المبدئية للفريقين بإعلان رغبة واشنطن فك العقوبات عن روسيا مقابل إشارات إيجابية في أوكرانيا، وردّ لافروف بتحميل واشنطن وحلفائها مسؤولية تعطيل تطبيق اتفاق مينسك لوقف القتال في شرق أوكرانيا والدخول في حوار سياسي بين حكومة كييف المدعومة من الغرب ومقاتلي شرق أوكرانيا الذين تدعمهم موسكو، إلا أنّ الصدى الحقيقي لم يكن في سويسرا بل في أوكرانيا، حيث أعلن عن البدء بوقف للنار الثلاثاء المقبل في التاسع من الشهر الجاري ودعوة مراقبي منظمة التعاون الأوروبي للبدء بنشر مراقبيها على خطوط الاشتباك.
ثنائية المواجهة والانخراط، كانت تشهد نماذج أخرى، مع التجاذب الإيراني ـ الأميركي من جهة والتعاون في ملفات إقليمية يفترض دفعها نحو الحلحلة من جهة أخرى، كما جرى في الاستقبال الرسمي للخارجية الأميركية لوفد من المعارضة البحرينية، والتأكيد على احترام حقوق الإنسان ومعايير المشاركة والحوار وصولاً إلى الحلّ السياسي لأزمة البحرين.
نموذج ثالث عبّرت عنه الاستخلاصات الأميركية المتداولة على مواقع مراكز الأبحاث المهتمة بالشرق الأوسط، من كلام الرئيس السوري بشار الأسد عن لا جدوى غارات التحالف وإشارته إلى أولوية ضبط الأداء التركي والحدود التركية والتورّط التركي مع «داعش»، قبل الرهان على غارات لن تنتج شيئاً ما لم يكن هناك عمل عسكري جدي في ميادين المواجهة، فاعتبر كلام الأسد رسالة واضحة لوقف النقاش حول ما أراد الأميركيون تسويقه من تسوية مع تركيا، باستبدال مشروع المنطقة الآمنة بما يسمّونه بالشريط الآمن الذي ينشأ على الحدود التركية ـ السورية ويسلّم لمجموعات مسلحة من المعارضة ترعاها تركيا وواشنطن، ودعوة سورية للتعايش معها، ورأى متابعون أميركيون أنّ الأسد يهدّد برفع البطاقة الحمراء في وجه الغارات التي ينفذها التحالف في الأراضي السورية بعدما اعتبرت رسمياً غير شرعية وغير قانونية في محادثات موسكو التي أجراها وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع المسؤولين الروس، وأضاف إليها الرئيس الأسد وصفاً جديداً هو البلا جدوى.
في قلب معادلات التعاون والتجاذب، تقف «إسرائيل» حائرة حيث لا مقعد محجوزاً لها في معادلات المنطقة المقبلة، وهي ترتبك داخلياً في التحرك نحو انتخابات لا تعرف نتائجها إلا بالمزيد من الضعف في المركز السياسي القادر على الذهاب للحرب أو السلام، فتلجأ كالعادة إلى خلط الأوراق بالعمليات الأمنية، وهذا ما جعل مصدر أمني كبير، يرسم علامة استفهام كبرى، حول تحديد الجهة التي أمدّت مسلحي «النصرة» بالمعلومات الدقيقة والاستخبارية عن الدورية التي استهدفت في جرود رأس بعلبك وقوامها وموعد مرورها والطرق التي تسلكها، مشيراً إلى أنّ وجود غرفة عمليات معلنة بين «النصرة» و»إسرائيل» في الجولان السوري المحتلّ لا يعني حصر مهامها بالجولان وجبهة القنيطرة، بعدما ظهرت بصورة لافتة لطائرات التجسّس الإسرائيلية في أجواء البقاع خلال اليومين السابقين للكمين.
وكانت مضادات الجيش اللبناني تصدّت لطائرة تجسس «إسرائيلية» فوق منطقة رياق في البقاع الأوسط.
وفيما أكدت مصادر عسكرية لـ«البناء» «أنّ ما قامت به «إسرائيل» من انتهاك جديد للسيادة اللبنانية، هو رسالة دعم للمسلحين الإرهابيين، مفادها أنها إلى جانبهم في أعمالهم الإرهابية»، مشيرة إلى «أنّ التدابير التي اتخذها الجيش تدعو إلى قدر من الطمأنينة». إلا أنّ مصادر أخرى لم تستبعد أن تكون «إسرائيل» تزوّد الجماعات الإرهابية بمعلومات تجسسية عن مواقع الجيش وانتشار وحداته في المنطقة لكي يسهّل عليها تنفيذ اعتداءات على الجيش».
تشدد للجيش بعيداً من تحذيرات «المستقبل»
من جهة أخرى، كشفت مصادر أمنية لـ«البناء» أن «الجيش يتجه إلى التشدد في تطبيق القواعد العسكرية التي تمليها شؤون الدفاع في المنطقة، من دون الاكتراث إلى بعض الإملاءات أو التحذيرات التي دأب تيار المستقبل على إطلاقها، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الوضع العسكري وعلى المنظومة الدفاعية في محيط عرسال ورأس بعلبك».
وأوضحت المصادر أن «المستقبل» يحاول وضع «خطوط حمراء» أمام تحرك الجيش في تلك المنطقة ولا سيما على صعيد الطرق التي يسلكها أو أماكن انتشاره.
قضية العسكريين المخطوفين على تعقيداتها
في غضون ذلك، استمرت قضية العسكريين المخطوفين على حالها من التعقيد بحسب توصيف رئيس الحكومة تمام سلام، علماً أن الخاطفين وأهالي العسكريين حافظوا على «تهدئة الأجواء» من دون أي عملية ابتزاز لـ«لجبهة النصرة»، ولا قطع طرق للأهالي في العاصمة والمناطق.
وأكد سلام خلال جلسة مجلس الوزراء أمس «أن خلية الأزمة مستمرة في عملها للتوصل إلى تحرير العسكريين المخطوفين»، وكرر أن «الموضوع دقيق ومعقد ويجب أن يتابع بتكتم ومسؤولية»، معتبراً «أن التغطية الإعلامية لا تخدم في الوصول إلى حلول».
وفي ما يتعلق بالاعتداء الأخير على الجيش في رأس بعلبك، رأى سلام إن الجيش يدفع دائماً ضريبة الدم للدفاع عن الوطن.
وخلال الجلسة رد وزير الصحة وائل أبو فاعور على منتقديه في موضوع العسكريين المخطوفين مؤكداً «أن كل خطواته التفاوضية منسقة مع الرئيس سلام».
كذلك، أكدت مصادر وزارية في «8 آذار» لـ«البناء» أن «ملف العسكريين المخطوفين معقد جداً، ويتطلب وقتاً». وإذ رفضت المصادر التعليق على رد أبو فاعور داخل الجلسة، اعتبرت «أن الحديث عن تضارب وعدم تنسيق بين الأخير وبين المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم من شأنه أن ينعكس سلباً على الملف»، مشيرة إلى «أن هذه الثغرة يعالجها رئيس الحكومة».
وتم التأكيد خلال الجلسة، بحسب المصادر، على ضرورة التضامن الوزاري والابتعاد عن السجالات الوزارية في الإعلام.
الحوار ولاءات حزب الله
وفي هذه النقطة، أكد مصدر وزاري «وسطي» لـ»البناء» أن الأمور في مجلس الوزراء تسير في شكل طبيعي ولا يوجد أية إشكالات، مشيراً إلى وجود إرادة خارجية وغطاء دولي بحماية السلم والاستقرار في لبنان واستمرار عمل الحكومة في ظل الفراغ في سدة الرئاسة الأولى إضافة إلى وجود مجلس نيابي ممدد له ما يجعل الحكومة حاجة وضرورة للبلد في هذا الظرف لتأمين مصالح المواطنين.
وهذا المنحى أيضاً سيكون في صلب الحوار المرتقب بين حزب الله وتيار المستقبل مع استبعاد أي موضوع خلافي، إلا أن موعده ما زال يتأرجح بين عدة تواريخ من دون حسمه نهائياً، بحسب ما أكدت مصادر مطلعة على التحضيرات للحوار لـ»البناء». فهناك رأي يقول أن يعقد الحوار قبل عيد الميلاد ويكون بمثابة هدية للبنانيين، ورأي يحبذ أن يحدد موعده بعد الأعياد، إلا أن المصادر رجحت «أن ينطلق الحوار بين المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين خليل ومستشار الرئيس سعد الحريري نادر الحريري مطلع العام الجديد برعاية رئيس مجلس النواب الذي سيحضر الاجتماع الأول الذي سيعقد في عين التينة، لتتحول الجلسات اللاحقة إلى ثنائية بين الحزب والتيار.
وشددت المصادر على «أن ملفات المحكمة الدولية وسلاح المقاومة والتدخل في سورية لن يتم التطرق إليها لا من قريب ولا من بعيد»، مشيرة إلى «أن النقاش سيدور حول قانون الانتخاب، آلية تنفيس الاحتقان، تفعيل عمل المجلس والحكومة، والانتخابات الرئاسية من حيث المبدأ من دون الدخول في الأسماء». وجزمت المصادر بأن «حوار حزب الله مع تيار المستقبل لا يعني تهميش التيار الوطني الحر، لأن ما سيتم الاتفاق عليه سيمر في الرابية». في مجال آخر، يعقد في السراي اليوم اجتماع رباعي برئاسة سلام وحضور الوزراء بطرس حرب ومحمد فنيش وجبران باسيل لمتابعة البحث في الملاحظات على دفتر الشروط الذي أعده حرب لإطلاق مناقصة الخليوي وما آلت إليه الأمور في هذا الملف.
بوغدانوف في بيروت
ومساء وصل إلى بيروت نائب وزير الخارجية الروسي موفد الرئيس الروسي إلى منطقة الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، في إطار زيارة إلى لبنان تستمر يومين، يلتقي خلالها عدداً من المسؤولين اللبنانيين من الفعاليات السياسية ويبحث معهم في أوضاع المنطقة، إضافة إلى العلاقات الثنائية بين لبنان وروسيا.
ومن المقرر أن يشارك بوغدانوف مساء اليوم في احتفال يقام في الأونيسكو، لمناسبة مرور سبعين عاماً على العلاقات اللبنانية – الروسية برعاية وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل.