تقارب بالإكراه بين تركيا و«العمّال الكردستاني»… وغزل مفتوح على الأفق بين روسيا وباكستان

إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

يسجّل التاريخ العداء القائم بين النظام التركي وحزب «العمّال الكردستاني»، والطرفان غارقان في العداوة حتّى النخاع. والتاريخ أيضاً يسجّل عشرات القتلى من الطرفين، والاغتيالات بحق بعضهما، ولا ننسى اعتقال زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان من قبل تركيا، والكراهية التي يكنّها الأكراد، في سورية والعراق، لتركيا. لكن ما وحّد الأضداد على الصعيد العالمي، لن يعجزه جمع هذين الضدّين ولو بالإكراه.

«داعش» على الأبواب، وحلمه أوسع من تطلّعات الأكراد ومن أطماع العثمانيين الجدد، وخطره على الأتراك كما الأكراد واحد. لذلك، على الطرفين أن «يرخيا» حبل التشدّد قليلاً، وأن يؤمنا بأنّ «داعش» خطر عليهما سويّا، ومع الأخبار المنتشرة حول المقاتلات الإناث المنتميات إلى حزب «العمال الكردستاني» ودفاعهنّ المستميت عن عين العرب، بدأ العالم الخارجي يسجّل تعاطفاً أعمق مع هذه المجموعة، فضلاً عن قلّة قليلة من الأتراك. فيجب على حزب «العمال» ألا يخطئ في التعامل مع التعاطف المتناثر عليه من كلّ حدب وصوب. وإذا أراد أن يصبح حليفاً حقيقياً في الحرب ضدّ «داعش»، ومحاوراً جيداً ولبقاً يمكن الاعتماد عليه في عملية السلام مع تركيا، سيحتاج إلى ضرورة نبذ العنف الذي لا مبرّر له ولا طائل منه.

في المقابل، يشهد العالم غزلاً مفتوحاً على المدى الرحب بين روسيا العائدة إلى الواجهة العالمية، وباكستان التي تطمح لأن تكون أكثر من قاعدة أميركية في الشرق، وفي هذا الصدد، تُسجّل نقطة إيجابية لزيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى إسلام آباد، وما يترتّب على هذه الزيارة من اتفاقيات تُقلق العمّ سام أكثر فأكثر.

في التقرير التالي، مرورٌ على موضوعين نُشرا في موقعين مختلفين، الأول في «فورين آفيرز»، حول إمكانية التقارب بين تركيا وحزب «العمال الكردستاني» لمواجهة الخطر الداعشيّ الداهم. والثاني نُشر في مدوّنة « Bhadrakuma»، حول المباحثات الروسية ـ الباكستانية الأخيرة، والتي اعتُبرت نقطة تحوّل هامة في ملفّ العلاقات الثنائية بين البلدين.

الأكراد المثيرون للجدل

كتب بيتر زاليوسكي:

في الثالث والعشرين من تشرين الأول الماضي، أُعدم ثلاثة جنود أتراك فارّون من الخدمة، رمياً بالرصاص في «يوكسيكوفا» وهي بلدة صغيرة، مكتظّة وقديمة تقع في الجنوب الشرقي من مقاطعة هكاري. وفي اليوم التالي، عُثر في المنطقة عينها على مجنّد تركي مربوطاً إلى فرع شجرة في حقل واسع، وقد ملأت جسده ثقوبٌ أحدثتها أعيرة نارية ثقيلة. سارعت السلطات التركية إلى اتهام حزب «العمّال الكردستاني» ـ وهم جماعة متشدّدة تعادي الجيش التركي، ومؤخراً تنظيم «داعش» باعتبار أن قتل المجنّد جاء ردّاً انتقامياً على مقتل العناصر الثلاثة التابعين لحزب «العمال الكردستاني»، بعد هجوم شنّوه على محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية في اليوم السابق. نفى حزب «العمال» تورطه بسرعة. ولم تمضِ سوى أيام قليلة حتى اغتال ملثمون مجهولو الهوية جندياً كردياً آخر كان يتجوّل برفقة زوجته في أسواق «ديار بكر»، المعقل الرئيسي للحركة السياسية الكردية، وذلك في 30 تشرين الأول.

وما لبثت أن ارتفعت أسهم حزب «العمال الكردستاني» في عدد من العواصم الغربية، بعد إثبات هذه المجموعة قدرتها الفاعلة والنادرة في قتال تنظيم «داعش». فقد تدفق المئات منهم من الجبال إلى شمال العراق لمنع وصول المسلّحين إلى أربيل، عاصمة الحكومة الإقليمية الكردية. أما في سورية المجاورة، فقاتل فرع حزب «العمال الكردستاني» ـ حزب الاتحاد الديمقراطي ـ «داعش» لأكثر من سنة. وفي مدينة عين العرب، وعلى مرأى من كاميرات التلفزة ومدرّعات الجيش التركي التي تقف مكتوفة الأيدي ومتفرجة عن بعد على الجانب الآخر من الحدود، يقاوم حزب «الاتحاد الديمقراطي» الهجمات الإرهابية «الداعشية» بمساندة الضربات الجوية الأميركية وذلك على مدى أكثر من شهرين.

وحتى واشنطن التي تستمرّ في تصنيف حزب «العمال الكردستاني» على أنه حزب إرهابي، بدأت باحتضان هذه المجموعة باعتبارها مسانداً أساسياً لها في حربها ضدّ «داعش». ففي التاسع عشر من تشرين الأول، أسقطت الولايات المتحدة من طائراتها صناديق أسلحة خفيفة للأكراد غير المسلّحين ليدافعوا بها عن بلدتهم عين العرب. ودافع وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن هذه الخطوة، معتبراً أنّ أيّ تصرف من نوع آخر كان ليأتي «غير مسؤول وغير أخلاقي». ويؤكد المسؤولون الأميركيون ـ في الوقت عينه ـ على افتتاح جولة من المحادثات مع قادة حزب «الاتحاد الديمقراطي»، على رغم ارتباط هذا الأخير المعروف بحزب «العمال الكردستاني»، الذي لطالما صُنّف على أنّه إرهابيّ بامتياز. ويبدو أنّ عدداً من النقاد ومن أبرزهم بالتواي، يدعون إلى شطب هذه المجموعة من قائمة الإرهاب الأميركية التي أصبحت روتينية وتقليدية.

بطبيعة الحال، لم يكن على أنقرة تقبّل كلّ هذا برحابة صدر. على رغم المحادثات التي كانت تركيا قد أطلقتها مع زعيم حزب «العمال الكردستاني» المسجون عبد الله أوجلان، على مدى أكثر من سنتين، فقد استمرّت تركيا باعتبار هذا الحزب مصدر الخطر الرئيس على أمنها. فهي فتحت أبوابها لأكثر من مئتي ألف لاجئ قروي هارب من عين العرب، في الوقت الذي رفضت فيه دعوة الأكراد الأتراك والحكومات الغربية لتسليح الرجال والنساء المدافعين عن المدينة. ومنذ أسابيع قليلة، غيّرت أنقرة سياستها، بعد أن سمحت لـ150 مقاتلاً كردياً من قوات البشمركة في شمال العراق بالانتشار في عين العرب عبر تركيا. وعندما قدّمت الولايات المتحدة المساعدات لمقاتلي عين العرب، اتهمتهم الحكومة التركية بـ«الخُبل». وصرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائلاً: «فعلتها الولايات المتحدة على رغم ممانعتنا ذلك… قلتُ لهم إنكم ترسلون هذه المساعدات لمجموعة إرهابية».

ساوى أردوغان بين المدافعين عن عين العرب ومهاجميها. وكان قد صرّح خلال رحلة له إلى لاتفيا في تشرين الأوّل الماضي: «يتساوى بالنسبة إلينا، كل من داعش وحزب العمال الكردستاني». غضبت العواصم الغربية من الرئيس التركي، لكنها لم تلحظ أنّه عبّر عن شعور عارم يشترك فيه معظم الأتراك، سواء من المتعاطفين مع حزب «العدالة والتنمية» ذي الجذور الإسلاميّة، أو المعارضة العلمانية، وقد قامت الولايات المتحدة وأوروبا بإعادة تأهيل حقيقية لحزب «العمال» في الصحافة العالمية. لكن حتى لو قام الأتراك بإدانة «داعش»، فهم أقلّ حرصاً من الغرب بكثير، وأقلّ حماسةً لاحتضان حزب «العمال» على أنه «الرجل الجيد»، أو أنه أسهل الشرّين. وفي استطلاع للرأي نُشر مطلع تشرين الثاني، تبيّن أنّ 43.7 في المئة من الأتراك يرون أنّ حزب «العمال الكردستاني» يشكل تهديداً حقيقياً لبلادهم أخطر بكثير من ذلك الذي يشكله «داعش»، وذلك مقارنة مع 41.6 في المئة ممن يؤمنون بالعكس.

تعمّقت جذور الخلاف بين الدولة التركية وحزب «العمال الكردستاني»، وعلى غرار معظم الصراعات، أسفرت عن سقوط ضحايا أكثر من تخليدها للأبطال.

وفي ذروة الصراع، عمدت الحكومة التركية إلى حرق مئات القرى الكردية، تعذيب آلاف النشطاء والمتعاطفين مع حزب «العمال»، فضلاً عن إخفاء عدد لا يُحصى منهم خلال عمليات قتل غير شرعية. وبقيت الحكومة التركية متعنّتة تجاه أبسط الحقوق الثقافية السياسية الكردية حتى أواخر التسعينات من القرن الماضي بما فيها حقهم بالتحدث بلغتهم الأم في الأماكن العامة.

وقد خطف حزب «العمال الكردستاني» ـ من جهته ـ وقتل مدنيين أتراك، بمن فيهم الأكراد الذين اختاروا الوقوف إلى جانب الدولة. كما جنّد هذا الحزب مجموعة من الجنود الأطفال ليقاتلوا ضدّ الفصائل المتناحرة. فأوجلان نفسه كان يعاقب ـ بالموت ـ كلّ من يتجرّأ من جماعته على تحدّي سلطته.

ثلاثون سنة على بداية الصراع، تخلّى فيها الطرفان عن انتهاكات ماضية كثيرة. وبعد مجموعة من الإصلاحات الثقافية التي قدمتها الحكومة التركية للأكراد، تقلّص استهداف المدنيين من قبل حزب «العمال الكردستاني» إلى حدّ كبير، خصوصاً بعد تبنّي الحكومة إمكانية التوصل إلى تسوية عن طريق المفاوضات، وتعديل أهداف الأكراد الرامية إلى الاستقلال الذاتي الثقافي والسياسي الكردي في الجنوب الشرقي من البلاد. أما محادثات السلام بين المسؤولين التركيين وأوجلان والتي أطلق عليها اسم «عملية الحلّ». فقد خفّت وتيرتها علماً أنها لا تزال تسير على الطريق الصحيح.

ومع ذلك، فإن لائحة ضحايا الحرب تتزايد بعد أن تجاوزت ثلاثين ألفاً اسماً. ففي بداية شهر تشرين الأوّل، أصيبت أنقرة بالإحباط بعد رفضها مساعدة سكان عين العرب، وبعد أن اجتاحت البلاد احتجاجات كثيرة في الجنوب الشرقي، مخلّفة أربعين قتيلاً. فقد قام حشدٌ من أنصار حزب «العمال» في ديار بكر بإعدام وحشيّ بحق الطفل ياسين بورو إبن الستة عشر ربيعاً، والذي يعمل لمصلحة جمعية خيرية إسلامية مع اثنين من رفاقه بعد اتهامهما بأنهما من أنصار «داعش». وبعد أسبوع فقط من هذه الحادثة، وتحديداً في مدينة أضنة التركية، اغتال مقنّعون قادري باغدو البالغ من العمر 46 سنة، وموزّع صحف موالية لحزب «العمال» بينما كان يركب على دراجته متوجهاً إلى عمله.

يحقّ للأكراد الغضب من تركيا لتقاعسها في مساعدة عين العرب. ويحق من ناحية أخرى للأتراك عدم إعطاء الحق لحزب «العمال الكردستاني» بقتل المدنيين أو حتى الجنود الأكراد ممّن هم خارج الخدمة في تركيا بسبب معاناتهم.

أخطأ أردوغان كثيراً في تصنيفه حزب «العمال الكردستاني» في الخانة عينها مع «داعش». وإذا وضعنا جانباً بعض الاختلافات الواضحة ـ نرى أنه خلال أيام قليلة من آب الماضي، قتل «داعش» من المدنيين أكثر بكثير مما فعله حزب «العمال الكردستاني» على مرّ عقد من الزمن. فالذي يباعد بين المجموعتين هو موقفهما المتناقض حيال الحلول الوسط. فبعد نجاح «عملية الحلّ» التي تبناها أردوغان، يمكن لحزب «العمال الكردستاني» أن يكون شريكاً في عملية السلام. لكن هذا لا ينطبق على «داعش». وإذ يؤمن بعض المسؤولين في أنقرة بغير ذلك، فلا بدّ أن يتأكدوا أنّ المتطرفين الذين يحاصرون عين العرب لا يمكن يهدأوا أو أن ينجح أحدٌ في استرضائهم. ونظراً إلى سهولة اختراق حدود تركيا على طول 780 ميلاً مع العراق وسورية، فمن غير المحتمل إمكان السيطرة عليها بلا حراسة مكثّفة ومشدّدة.

غير أن بقعة الضوء تشرق اليوم من تركيا وتلقي بظلالها على حزب «العمال الكردستاني» والأكراد. فمع الأخبار المنتشرة حول المقاتلات الإناث المنتميات إلى حزب «العمال الكردستاني» ودفاعهنّ المستميت عن عين العرب، بدأ العالم الخارجي يسجّل تعاطفاً أعمق مع هذه المجموعة، فضلاً عن قلّة قليلة من الأتراك. فيجب على حزب «العمال» ألا يخطئ في التعامل مع التعاطف المتناثر عليه من كلّ حدب وصوب. وإذا أراد أن يصبح حليفاً حقيقياً في الحرب ضدّ «داعش»، ومحاوراً جيداً ولبقاً يمكن الاعتماد عليه في عملية السلام مع تركيا، سيحتاج إلى ضرورة نبذ العنف الذي لا مبرّر له ولا طائل منه. فالهجمات التي حدثت في هكاري وفي ديار بكر لن تكون أسباباً مساعدة له على تحقيق أهدافه ولا حتى إشباع تطلعات عين العرب.

روسيا توقّع معاهدةً عسكرية مع باكستان

شكّلت زيارة وزير الدفاع الروسي إلى باكستان بعد قطيعة دامت خمسة وأربعين سنة، نقطة تحوّل هامة في ملف العلاقات الثنائية بين البلدين، وقد لاقت تأثيراً ورواجاً على مستوى السياسة الإقليمية. والأهم من ذلك كلّه، رمزية قدوم سيرغي شيوغو إلى باكستان كمحطة ثانية بعد الأولى له في الصين إبان لحظة حاسمة من العلاقات الاستراتيجية بين روسيا والصين.

إنه لمن السابق لأوانه وضع النقاط على حروفها في الوقت الحالي، أقلّه قبيل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإسلام أباد ـ وما من جدال في أن المصالح المشتركة تتزايد وتيرتها باطّراد بين الدول الثلاث: روسيا، الصين وباكستان.

وقد ركّزت وسائل إعلام وزير الدفاع الباكستاني خلال زيارة شيوغو، على جانبين اثنين: إعراب الاثنين عن ارتياحهما لتقارب وجهات النظر حول معظم القضايا الدولية والإقليمية… وعلى معاهدة التعاون العسكري ـ الأولى من نوعها بين البلدين ـ والتي وُقّعت خلال هذه الزيارة.

يأمل الباكستانيون أن تحسّن هذ المعاهدة من العلاقات بين البلدين لما تتضمّنه من شروط ملموسة، ولتعبيدها الطريق أمام تبادل الآراء والمعلومات حول القضايا السياسية والعسكرية، فضلاً عن تلك المتعلقة بتعزيز الثقة المتبادلة، حماية أمن البلدين، تكثيف أنشطة مكافحة الإرهاب، الحدّ من التسلّح، توسيع العلاقات في مختلف أنشطة التدريب العسكري وغيرها. وقد أعرب البيان الصحافي الذي عقده شيوغو عن تقديره وامتنانه لقدرات الإنتاج الدفاعية لدى الباكستان، مؤكداً أن المجتمع الدولي يعمل على إقامة علاقات تجارية مع باكستان في الوقت الحالي. فمن المنطقي إذاً، أن تتطلّع روسيا إلى باكستان كشريك محتمل في مجال المبيعات العسكرية وإنتاج الأسلحة.

وكانت وكالة «تاس» للأنباء قد نقلت تقارير من إسلام أباد، تفيد تأكيد شيوغو على «التعاون العسكري المتبادل والمساهمة في زيادة الكفاءة القتالية لقواتنا المسلّحة».

يبدو أن التفاعل العسكري الروسي ـ الباكستاني يُبنى باطراد. فقد قام رؤساء الدوائر الروس الثلاث بزيارة باكستان خلال هذه السنة. ومن الواضح أن استعداداً ضخماً افتُعِل للتحضير لمثل هذه الزيارة التاريخية لوزير الدفاع الروسي سيرغي شيوغو، الذي قال إنه بحث مع الجانب الباكستاني مجموعة مواضيع معينة ذات أهمية خاصة. وكان لا بدّ لهذه التصريحات أن تشكّل صفعةً مدوّية يُسمع صداها في الأروقة الإقليمية والدولية.

لكن كيف نفسّر هذا الانفتاح الروسي على باكستان؟

في المعنى الواسع، هو انفتاح جاء نتيجة لحالة الجمود التي تصبغ العلاقات الروسية مع الولايات المتحدة. فمن المنظور الروسي، باكستان لاعب استراتيجي رئيسي لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة، وأنه من مصلحة موسكو خلق آفاق مساحة سياسية ودبلوماسية لباكستان كي تصمد بوجه الضغط الأميركي.

أما من الناحية الجوهرية، فستقوم روسيا جاهدةً بتعزيز اتجاه السياسات الخارجية المستقلة في باكستان. ويمكن القول، إن خطاب بوتين الأخير في تشرين الأول الماضي كان دبلوماسياً للغاية ضمن مقاييس النظام العالمي الجديد، فواقع باكستان يتلاءم تماماً مع ما يطلق عليه الروسي «إجماع عالمي جديد من القوات المسؤولة».

إقليمياً، إن لدى روسيا الكثير لتكسبه من خلال علاقاتها الوثيقة مع باكستان. وقد اعترف شويغو بهذا بقوله: «تشبه الاتفاقية الروسية ـ الباكستانية إلى حدّ بعيد تلك الموقعة مع أفغانستان إن لم تكن هي ذاتها».

ومن المؤكد أنّ روسيا تنظر بتشكيك إلى نوايا الولايات المتحدة في التأسيس لتواجد عسكري روسي طويل الأمد في أفغانستان، نظراً إلى سِجلّ الولايات المتحدة الحافل باستخدام العناصر المتطرّفين هناك كأدوات جيوسياسية لها. كذلك، فإن باكستان لا تريحها فكرة تواجد قاعدة عسكرية أميركية في أفغانستان. والثابت أن تبادل المعلومات الاستخباراتية أصبح واقعاً مهيمناً على التعاون الروسي ـ الباكستاني.

ترغب موسكو في تتبّع النشاطات السرّية للاستخبارات الأميركية المتواجدة بكثافة في أفغانستان، والحقيقة أنّ الأراضي الباكستانية بقيت مسرحاً لهجمات إرهابية تدبّرها جهات عدّة عبر حدودها مع الأراضي الأفغانية.

أما من وجهة النظر الهندية، فترى نيو دلهي أن انفتاح روسيا على باكستان يأتي كردّ فعل على الاتفاق الهندي ـ الأميركي. «لكن باستنتاجنا نكون قد بسّطنا الحقائق كثيراً». لقد أصاب ـ تفوّق الولايات المتحدة كمزوّد رقم واحد للأسلحة المتدفقة إلى الأسواق الهندية ـ روسيا في الصميم. وبالتالي، فلن تتخذ روسيا قراراً استثنائياً إن هي زوّدت باكستان بالأسلحة، الأمر الذي يقوم به الأميركيون والأوروبيون منذ فترة مع الهند. فعلى نيو دلهي أن تقلق في شأن فشل السياسة الهندية في عزل باكستان أو إقناع المجتمع الدولي بتصنيفها على أنها دولة إرهابية. الأمر الذي يبدو بعيد المنال، فيوم زيارة شويغو لإسلام أباد، كان يقام تكريم قائد الجيش الباكستاني الجنرال رحيل شريف من قبل مضيفيه الأميركيين. ما من شك ـ إذاً ـ أن باكستان لا تخشى مخاطر العزلة التي لطالما هدّدتها بها جارتها الهندية. فقبل أيام قليلة فقط من هذا الحدث، كان رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف ينهي زيارة رسمية إلى بكين، أيضاً وأيضاً.

إن زيارة شويغو إلى إسلام أباد تؤكد انضمام روسيا إلى الولايات المتحدة والصين في الاعتراف بالتحوّل في السياسات الباكستانية ضدّ الإرهاب، مع ما تثبته التحقيقات من انهيار متزايد لقواعد «طالبان» و«حقاني» وشبكاتهما هناك. وفي العمل مع باكستان تأمل موسكو في السعي إلى التوصل إلى تسوية أفغانية تصون فيها روسيا مصالحها في القوقاز وفي آسيا الوسطى.

لذا، ومع مرور الوقت، ستُلام نيو دلهي لعجزها عن تقديم مبرّر لعدم إشراك باكستان في الحوار. فضلاً عن أنّ توقّع حدوث طفرة في التنسيق الروسي ـ الباكستاني، وتحديداً حين نضوج العلاقات بين البلدين لناحية التطوّرات الحاصلة في أفغانستان، ما سيزيد ـ في نهاية المطاف ـ من عزلة الهند الدبلوماسية في كابول.

وأخيراً، فإن الهدف الرئيس من زيارة شويغو، التحفيز على زيادة الأنشطة العسكرية في ما بين البلدين. في الوقت الذي تسعى فيه البحرية الروسية إلى إعادة التموضع في المحيط الهندي أسوة بما كانت تفعله إبان الحرب الباردة. فقد توجهت السفن الحربية الروسية من المحيط الهادئ إلى ميناء كراتشي في نيسان الماضي.

وليست مصادفة أن تقوم روسيا اليوم بتفحّص حدود تعاونها العسكري مع باكستان، خصوصاً أنّها أمام مرحلة دقيقة، تصعّد فيها الهند علاقاتها الدفاعية الثنائية ومتعدّدة الأطراف مع الولايات المتحدة، اليابان، وأستراليا، وتعطيها بُعداً مناطقياً في المحيط الهادئ. وأصبح من المستحيل تفادي إعادة التموضع الاستراتيجي في هذه المنطقة، فالاتفاقية العسكرية الروسية ـ الباكستانية لا يمكن أن تجد ضالتها في النقاط المتفق عليها فقط وأن تبقى دوماً منشغلةً بها عن كلّ ما عداها.
 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى