مفردات ثقافيّة

رولان رياض مشوح

لكلّ منا مفردات وكلمات خاصة به. كذلك للثقافة مفردات، فالمفردات الثقافية عديدة مثل الإبداع والجمال والفن، إلخ. وفي مقالة اليوم نتحدث عن الإبداع بوصفه إحدى المفردات الثقافية. فالإبداع هو تلك القدرة على تكوين وإنشاء شيء جديد، أو دمج الآراء القديمة أو الجديدة في صورة جديدة، أو استعمال الخيال لتطوير الآراء وتكييفها حتى تشبع الحاجيات بطريقة جديدة أوعمل شيء جديد ملموس أو غير ملموس بطريقة أو بأخرى. وتكمن أهمية الإبداع على ما يقول هارول أندرسون في كونه «عملية إنتاج تشهد كل لحظة من لحظاتها ولادة جوهرة ذات قيمة آنية، ليس ذلك فحسب بل تكمن الأهمية في كون الإبداع ضرورة من ضرورات الحياة».

للإبداع عدة مكوّنات أساسيّة هي:

– العمل الإبداعي.

– العملية الإبداعية.

– الشخص المبدع.

– الموقف الإبداعي.

الإبداع ليس سوى رؤية الفرد لظاهرة ما بطريقة جديدة ومختلفة عن الآخرين، فهو يتطلب القدرة على الإحساس بوجود مشكلة تتطلب المعالجة، ومن ثم القدرة على التفكير المختلف والمبدع ومن ثم إيجاد الحل المناسب.

قسّم تايلور الإبداع مستويات متعّدة هي:

– الإبداع التعبيري: الأصالة والكفاءة فيه على قدر قليل من الأهمية.

– الإبداع الإنتاجي الذي يرتبط بتطوير آلة أو منتج أو خدمة.

– الإبداع الإختراعي: يتعلق بتقديم أساليب جديدة.

– الإبداع الإبتكاري: يشير إلى التطويرالمستمر للأفكار، وينجم عنه اكتساب مهارات جديدة.

– إبداع الإنبثاق: نادر الحدوث لما يتطلّب من وضع أفكار وافتراضات جديدة.

كما تتميز الشخصية المبدعة بعدد من الخصائص والسمات أهمها: الذكاء، الثقة بالنفس لتحقيق الأهداف، امتلاك درجة من التأهيل والثقافة، القدرة على تنفيذ الأفكار الإبداعية التي يحملها الشخص المبدع، القدرة على استنباط الأمور فلا يرى الظواهر على علاّتها بل يقوم بتحليلها ويثير التساؤلات والتشكيك في شكل مستمر، يملك علاقات إجتماعية واسعة، يتعامل مع الأخرين فيفيد من آرائهم، يركز على العمل الفردي لإظهار قدراته وقابلياته، فثمة درجة من الأنانية وغالباً ما يمر في مرحلة طفولة غير مستقرة، ما يعزز الإندفاع على إثبات الوجود وإثبات الذات، فقد يكون من أسرة مفككة أو أسرة فقيرة أو من أحياء شعبية. فضلاً عن الثبات على الرأي والجرأة والإقدام والمجازفة، فمرحلة الإختبار تحتاج إلى شجاعة لدى تقديم أفكار لم تُطرح قبلاً، يفضل العمل من دون قوانين وأنظمة، ويميل المبدع إلى الفضول والبحث وعدم الرضا عن الوضع الراهن.

تجدر الإشارة لدى الحديث عن الإبداع إلى أن ثمة عدداً من المبادىء التي وضعها الكثير من مديري الشركات والمنظمات العالمية تسمى بمبادىء الإبداع، وهي عبارة عن مجموعة من الآراء الرائدة في مجال الابتكار والإبداع، كي تكون هذه المنظمات ناجحة وذات أساليب مبدعة وخلاقة، لذا ينبغي مراعاة بعض المبادئ الأساسية من قبل موظفيها سواء كانوا مديرين أو أصحاب قرار، وهذه المبادئ هي:

– إفساح المجال لأي فكرة أن تولد وتنمو وتكبر ما دامت في الاتجاه الصحيح.

– الأفراد مصدر قوة المنظمة، والاعتناء بتنميتهم ورعايتهم يجعلها الأكبر والأفضل والأكثر ابتكاراً وربحاً، ولتكن المكافأة على أساس الجدارة واللياقة.

– احترام الأفراد وتشجيعهم وتنميتهم لإتاحة الفرص لهم للمشاركة في القرار، وتحقيق النجاحات للمنظمة، وذلك كفيل بجعل الأفراد يبذلون قصارى جهدهم لفعل الأشياء على الوجه الأكمل.

– التخلّي عن الروتين واللامركزية في التعامل ينمي القدرة الإبداعية، وهي تساوي ثبات القدم في سبيل التقدم والنجاح.

– تحويل العمل إلى أمر ممتع لا وظيفة فحسب، ويتحقّق كذلك إذا حولنا النشاط إلى مسؤولية،والمسؤولية إلى طموح.

– التجديد المستمر للنفس والفكر والطموحات.

– التطلع إلى الأعلى من شأنه أن يحرك دوماً حوافزالأفراد إلى العمل، وبذل المزيد، فشعورالرضا بالموجود يعود معكوساً على الجميع، ويعود بالمؤسسة إلى الوقوف على ما أنجز، وهذا بذاته تراجع وخسارة، وبمرور الزمن فشل.

– ليس الإبداع أن نكون نسخة ثانية أو مكررة في البلد، بل أن نكون النسخة الرائدة والفريدة، لذا ينبغي ملاحظة تجارب الآخرين وتقويمها وأخذ الجيد وترك الرديء لتكون أعمالنا مجموعة من الإيجابيات، فالمنظمات وفق الإستراتيجية الابتكارية إما تكون قائدة أو تابعة أو نسخة مكررة.

– لا ينبغي ترك الفكرة الجيدة التي تفتقد آليات التنفيذ، بل نضعها في البال، وبين آونة وأخرى نعرضها للمناقشة، فكثير من الأفكار الجديدة تتولّد مع الزمن، والمناقشة المتكررة قد تهبنا قدرة تنفيذها، فربما لم تصل المناقشة الأولى والثانية إلى تمام نضجها فتكتمل في المحاولات الأخرى.

– يجب إعطاء التعلم عن طريق العمل أهمية بالغة لأنها الطريق الأفضل لتطويرالكفاءات وتوسيع النشاطات ودمج الأفراد بالمهمّات والوظائف.

خلاصة القول: يمكن أن تصدر الأفكار الإبداعية عن الأفراد، لكن الابتكار غالباً ما يتحقق من خلال المؤسسات والمنظمات المحتضنة تلك الأفكار الإبداعية، ومعظم المبدعين والعلماء والمفكرين واجهوا أشدّ الصعوبات في مجتمعاتهِم العامة والخاصة لأنهم خالفوا المألوف، وما زال كثر يتصوّرون أن الحكمة والمهارة والإبداع تتنزل على الإنسان حينما تتقدّم به السن ويبلغ عمراً معيناً.

لعلّ مفردات الثقافة كثيرة وسنتطرق إليها تباعاً في مقالاتنا المقبلة.

محامية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى