الاحتفال بعيد البربارة على الطريقة الأميركية

الياس عشّي

لم يمرّ عيد البربارة هذا العام مروراً عابراً، بل كان علينا أن نتوقّف أمام مشهد امرأة خليعة تنكرت وأبدعت، وحملتك على أن توازن بينها وبين أميركا التي لها في التنكّر والمساحيق وتغيير جلدها باع طويل.

في التفاصيل «أنّ ثمّة امرأةً خليعة لا تلتزم الحشمة في ثيابها، ولا في سلوكها، كانت تتهيّأ للمشاركة في حفلة تنكريّة. وكانت تفتش عن زِيّ مستعار يخفي شخصيتها تماماً، بحيث لا يتعرّف إليها أحد. فنصحها أحد عارفيها قائلاً : إن شئتِ أن تتنكّري تماماً، وألاّ يكشف أحد شخصيتك من خلال زيّك، فما عليك إلا أن تلبسي زيّ امرأة محتشمة، وأن تلتزمي الرصانة والوقار في حركاتك». وأخذت المرأة بالنصيحة، ولبست زيّاً غاية في الحشمة، ودخلت حلبة المسابقة ملتزمةً الرصانة والوقار، فلم يتعرّف إليها أحد، وتُوّجت ملكة العام للتنكّر.

أليس ما فعلته أميركا منذ نصف قرن، وما تفعله اليوم في حربها المعلنة على «داعش»، مشابهاً لما فعلته تلك المرأة في الكرنڤال؟ ألم ترتكب، وحلفاؤها العرب والغربيون معها، جميع الموبقات؟ ألم تعطِ السلاح، وتشترِ الضمائر، وتزوّر الإعلام، وتحمِ القتلة، وتقمْ معسكرات للتدريب، ثم تقرأ الفاتحة على روح الغائب والحاضر معاً؟

ثم ألم ترَ الولايات المتحدة و«أصدقاؤها» إلى الآثار كيف تنهب؟ وإلى الثروات الاقتصادية كيف تصادر؟ وإلى معالم الحضارة كيف تدمّر؟ وإلى الأقليات في سورية كيف تهجّر أو تقتل أو تباع؟ وإلى النساء وقد صرنَ جواريَ يغسلن قدمي السلطان، فيما «الجنّة تحت أقدام الأمهات» على ما جاء في القرآن الكريم؟

بلى رأت، وسمعت، بل هي شاركت في ارتكاب المعصية، وقادت المؤامرة من ألفها إلى يائها بحجة مكافحة الإرهاب، ويوم شعرت بأن مصالحها في خطر، وبأنّ الإرهاب له طموحات أخرى أبعد من دمشق وبغداد والقاهرة والرقة والموصل… وأنه سيطرق حتماً البوابتين الأميركية والأوروبية، قررت إقامة حفلة تنكرية، عنوانها : القضاء على «داعش» في مكان، والسكوت عنها في مكان آخر، والحرب إلى جانبها في مكان ثالث… وذلك كلّه بزيّ المرأة المحتشمة التي قال عنها سعيد تقي الدين: «ما أفصح القحباء عندما تبشّر بالفضيلة».

في أيّ حال، ما من حفلة تنكرية تدوم إلى الأبد، وإذا رفض المهرّجون الخروج من السيرك، فإن الزوابع بما تحمل من أمطار وأعاصير كفيلة بأن تغسل المساحيق، وأن تجرف الآوساخ، وأن ننتصر، لأنّ «المؤمنين بالنصر ينتصرون دائماً». وما زلت أراهن على أن اتفاقية سايكس – پيكو سارية المفعول حتّى إشعار آخر فلا المقسّم سيقسّم، ولا الحدود ستمحى، ولا الدولة الواحدة «الداعشية» سترى النور، والسبب:

أوّلاً: أن بعض العرب سعوا إلى ذلك، وما سعى هؤلاء إلى شيء ونجحوا به.

ثانياً: أنّ ثمّة أجيالاً لها موقف من الكون والأمة والوطن والسيادة والحرية والحضارة والشهادة، ومن العبث أن تحيد عن موقفها.

وثالثاً: أنّ الكثيرين قد تحرّروا من عقدة أن كل ما تريده أميركا يمشي، وأن حفلات التنكر ما عادت تنطلي عليهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى