تقرير
كتب نحمايا شترسلر في صحيفة «هاآرتس» العبرية:
الأمل الأكبر الذي يطلّ في هذه اللحظات على كلّ بيت في «إسرائيل»، أنّه بعد ثلاثة أشهر ونصف الشهر، سنستيقظ على فجر يوم جديد، على واقع أفضل بكثير. وبالفعل، في الأشهر الثلاثة القريبة، سنعاني من أصوات طبول الدعاية، ولكن بعد 17 آذار، سنحظى برؤية حكومة جديدة، مستقرّة وواعدة، تعمل بانسجام لأربع سنوات، من دون مواجهات ومن دون تشهيرات، وتقودنا نحو أفق جديد أفضل وأكثر وعداً بكثير.
طوبى للمؤمنين. ما كان هو ما سيكون. انعدام الاستقرار، المواجهات والتشهيرات ستستمر، ستتعاظم، والثمن لنا جميعاً سيزيد فقط.
كل استطلاعات الرأي العام التي جرت مؤخّراً تفيد بظاهرة مريضة تجذّرت عندنا: موت الأحزاب الكبرى. فليس هناك كهذه لا في اليمين ولا في اليسار. الاكبر، «الليكود»، يحصل في الاستطلاعات على 22 إلى 24 مقعداً، بينما معظم الحقل السياسي يتشكل من أحزاب متوسّطة، عدد أعضاء مقاعدها يتراوح بين 10 و16. هذا واقع يخلق طريقة حكم مميزة: دكتاتورية الأقلية.
فور تسلم رئيس الوزراء مهام منصبه، سيكتشف شيطان الواقع يرقص بقوة على طاولته: ظننتً أنك انتُخبت لتحكم؟ إنسَ هذا، فأنت متعلّق في كل ساعة وفي كل لحظة بكل واحد من أحزاب الائتلاف.
هذه هي اللحظة التي يقع فيها حزن كبير على رئيس الوزراء. وسيفهم بعمق بعد أن اجتاز سلسلة أليمة من نتف الريش في أثناء المفاوضات الائتلافية ، والتي في طريقة الحكم في «إسرائيل» تكون فيه الأحزاب المتوسطة هي المسيطرة. لكل واحد منها جدول أعمال خاص به، مصالح خاصة وطموحات كبرى لتغييره قريباً حقاً ـ ومن هنا انعدام الاستقرار وانعدام الفعل للحكومة.
إن العدد الكبير من أحزاب الائتلاف يجبر رئيسه على أن يتعهّد أمامهم بمبادئ متضاربة، الأمر الذي يؤدّي إلى الاحباط وخيبة الأمل. والمصالح المختلفة لا تسمح له بالمبادرة إلى إصلاحات ذات مغزى، أو الدخول في مسيرة سياسية. كل شيء عالق.
ولأنّ هذا هو الوضع، فإنّ رئيس الوزراء لا يحلم حتى بالبدء بخطط للمدى البعيد. وهو يعمل كل الوقت تحت الفرضية بأنّ الانتخابات المقبلة تكمن له خلف الباب ـ وهكذا الاضرار في الاقتصاد تزداد وتتّسع.
من مشكلة مشابهة عانت إيطاليا حتى غيّرت في 2005 طريقة الحكم بحيث أن الحزب الذي يجمع غالبية الأصوات، يحظى بـ 55 في المئة من إجماليّ المقاعد في البرلمان. وهكذا يكون في وسعه أن يحكم وحده، إذا شاء. وقد أجبر التغيير الأحزاب المتوسطة على الاتحاد قبل الانتخابات، لخلق كتل كبرى. وهكذا حظيت إيطاليا بالاستقرار الذي لم يُمسّ بالتمثيل. فقد حصل التمثيل على تعبيره في داخل كل كتلة.
اليونان هي الأخرى عانت من المرض ذاته المتمثل بعدم الاستقرار المترافق والأزمات الاقتصادية إلى أن تقرّر عام 2012 أنّ الحزب الذي يحصل على غالبية الأصوات سيحظى بعلاوة سُدس إجماليّ المقاعد في البرلمان. لو كان مثل هذا القانون عندنا، فإنّ حزب «العمل» ـ المركّز واسع وموحّد سيحصل لنفترض على 30 مقعداً، ولنفترض أيضاً أنّ هذا كان أعلى ممّا حصل عليه «الليكود»
الموسّع. في مثل هذه الحالة كان إسحق هرتسوغ سيحصل على 20 مقعد إضافيّ في «الكنيست»، بالإجمال 50، ما كان سيسمح له بائتلاف مستقرّ لأربع سنوات، وهو أمر أساسيّ وضروري لكل محاولة لمفاوضات سياسية.
ولكن، لأنّنا نعيش في واقع ساخر، يفكر فيه السياسيون بأنفسهم أساساً، فإننا محكومون بتعميق أزمة الحكم، إلى أن يتفجر كل شيء. مدة حياة الحكومة ستتدنّى إلى سنة واحدة فقط، وهي لن تفعل شيئاً، لا بل ستفسد الوقت على محاولات مثيرة للشفقة للحفاظ على وجودها القصير.