نظرة استشرافية على سباق الرئاسة: الحملة تنطلق
دخلت الولايات المتحدة رسمياً موسم أعياد نهاية السنة، الميلاد ورأس السنة، مما حدّ من حجم مشاركة النخب السياسية والفكرية. بيد انها خصصت حيّزاً لا بأس به لمناقشة إقالة وزير الدفاع تشاك هيغل وترشيح خلفه آشتون كارتر.
سيستعرض قسم التحليل مسألتي حيثيات ترشيح آشتون كارتر ومحورية الدور المعوّل عليه وكذلك اصطفاف المرشحين لدخول جولة السباق الرئاسي وإلقاء الضوء على أعدادهم وميزاتهم وعيوبهم ايضاً. تجدر الإشارة الى تباين عدد المرشحين لدى الحزبين اذ ينعم الحزب الديمقراطي بعدد محدود من المرشحين الأوفر حظاً، ويعجّ الحزب الجمهوري بعدد أكبر من المتنافسين على دخول حلبة السباق الرئاسي.
الاستراتيجية الأميركية في المنطقة
نبّه معهد الدراسات الحربية الى تراجع قدرة الولايات المتحدة على شنّ الحروب «بكفاءة»، واوضح انه بعد انقضاء نحو 15 عاماً على هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، برزت على السطح «معاناة الولايات المتحدة من الإعياء لشن الحروب، لا سيما انها تركز بشكل اساسي على الانتصار في المعارك». وحذر من مثالب ذاك «التكتيك… ان خسارة الحرب أشدّ بغضا وكراهية.» وحث صناع القرار على «تركيز الأنظار ليس في بعد القتال الحربي فحسب، بل في القدرة على شنّ الحروب… كما فعلنا سابقاً في الحرب العالمية الثانية».
مصر
اعرب معهد كارنيغي عن عدم رضاه لقرار المحكمة المصرية تبرئة الرئيس المخلوع حسني مبارك، معتبراً ما جرى انه «انتصار للاستراتيجية السعودية لقطع الطريق على ثورة عام 2011 واستعادة الحكم العسكري المستبدّ…» وحذر المعهد من تداعيات انخفاض اسعار النفط على قدرة السعودية «تمويل بقاء ضباط الجيش المصري في السلطة»، على الرغم من تصريحات الأمير متعب بن عبدالله بأنّ بلاده «ستدعم المؤسسات الشرعية في مصر مهما كلف الثمن».
عنصر جديد على رأس البنتاغون
أوضحت مؤسسة هاريتاج انّ الازمة الناجمة عن إقالة وزير الدفاع تشاك هيغل «تشير الى انّ جذرها يقع في البيت الابيض… الذي يتعيّن عليه إقصاء مجلس الأمن القومي من إدارة وبلورة السياسة الدفاعية» للبلاد. وأضاف «انّ الخلل الوظيفي الناجم عن جهود الطاقم الضيّق التحكم بمفاصل التوصيات المقدمة إلى الرئيس يقوّض مهام الوزراء الاساسيين، بمن فيهم وزير الدفاع،» حاثاً الرئيس اوباما على «بذل جهوده لتذليل تلك العقبات… واتاحة الفرصة» لوزير الدفاع أداء مهامه بفعالية.
اما معهد كاتو فقد اعتبر الأولوية التي ينبغي على وزير الدفاع المقبل العمل عليها هي «ادارة ميزانية الدفاع عوضاً عن شن الحروب»، واوضح «انّ المرشح للمنصب آشتون كارتر باستطاعته الإشراف على وإدارة ميزانية البنتاغون الضخمة»، وكذلك «إبراز رئيس هيئة الاركان مارتن ديمبسي الى الواجهة لإيجاد التبريرات لكيفية انفاق تلك الموارد». وأشار المعهد ايضاً الى «تبرّم الصقور داخل وخارج الكونغرس من انتقاد قرارات القادة العسكريين،» خاصة انّ توجه ديمبسي «لإسداء النصائح ضدّ انخراط اوسع للولايات المتحدة في شن الحروب، سيكون بمقدوره التأثير على مفاصل السياسة الخارجية افضل من نظرائه من المدنيين بمن فيهم آشتون كارتر».
اعتبر معهد المشروع الاميركي انّ العقبات التي تواجه البنتاغون العام المقبل «ينبغي على الكونغرس الجديد توفير الحلول لها… خاصة انه المسؤول الرئيس عن زيادة كلفة القوات المسلحة في اعادة بناء نفسها.» واوضح انّ الكونغرس «دأب عاما بعد آخر على رفض توصيات البنتاغون بابطاء معدلات النمو في ميزانية وزارة الدفاع… مما استدعى الأذرع المعنية في البنتاغون اللجوء إلى الإنفاق على المتطلبات على حساب اولويات اخرى.»
شدّد معهد هدسون على ضرورة تحلي وزير الدفاع المقبل بالقدرة والجرأة لإدارة شؤون وزارته بمفرده وإعادة تصويب المسار… لا سيما انه ليس بوسعه الاعتماد على مساندة من جانب البيت الابيض او طاقم مجلس الأمن القومي.» وحث القادم الجديد على «مدّ الجسور للكونغرس الجديد بأغلبية للجمهوريين الذين يدركون تداعيات كلفة تخفيض موازنة الدفاع… ووضع حدّ لمسار اقالة الضباط الكبار «… والذين سنكون في أمسّ الحاجة إلى خبراتهم في مرحلة اعادة بناء القوات العسكرية بعد ولاية الرئيس اوباما».
سباق الحملة الرئاسية
انطلقت الاصطفافات السياسية وحملات التبرع المالية مبكراً في المشهد السياسي الاميركي، ويتسابق الراغبون لحجز مكان لهم في الانتخابات الرئاسية التي تتطلب تمويلاً مالياً يصل الى عشرات ملايين الدولارات دشنها السيناتور عن تيار حزب الشاي، تيد كروز، بعقده لقاءات مع مموّلين يهود لحملته الانتخابية وكذلك فعل أخرون لضمان التمويل المالي. اضافة إلى ذلك، تزاحم البعض الآخر لحشد الدعم الشعبي في ولايات جسّ نبض الانتخابات للحزبين، وفق التقليد الاميركي: الحزب الديمقراطي في ولاية نيو هامبشير، والجمهوري في ولاية ايوا، استعداداً للمؤتمر السنوي لكليهما العام المقبل.
منذ انفضاض الانتخابات النصفية في تشرين الثاني الماضي، دخل المشهد السياسي الاميركي مرحلة إطلاق العنان للمرشحين والطامعين في منصب الرئيس اطلق عليها «الفصل السفيه،» فضلاً عن التقلب السريع في التنبّؤ بأبرز المرشحين عن الحزبين وحظوظهم. توقيت إعلان المرشحين عن دخولهم الرسمي تنطوي عليه جملة من الاعتبارات والحسابات المتشابكة، ليس أقلها الاستناد الى دعم مالي ثابت والشروع في تشكيل لجان استكشافية لفحص مدى تقبّل الجمهور الانتخابي تمتدّ لبضعة شهور قبل الغربلة الاولى والتدقيق في النتائج يليها إعلان الترشيح.
الحزب الديمقراطي، من جانبه، يضمّ عدداً محدوداً من المرشحين والمحتملين: هيلاري كلينتون في المركز الاول، ينافسها كلّ من: السيناتور عن ولاية فرجينيا جيم ويب الذي عارض قرار غزو العراق ويحمّلها مسؤولية التصويت على القرار السيناتور اليزابيث وورين المحسوبة على جناح يسار الحزب الديمقراطي وربما الحاكم السابق لولاية ماريلاند مارتن اومالي. تجدر الإشارة الى «انّ نائب الرئيس جو بايدن سيتردّد قبل دخوله السباق مقابل هيلاري»، كما يسود الاعتقاد بين زعماء الحزب الديمقراطي.
المشهد في جانب الحزب الجمهوري يعجّ بالطامعين من ذوي خلفيات متباينة وخليط من حكام ولايات حاليين وسابقين، وأعضاء في مجلس الشيوخ، اذ بلغ العدد ما يناهز 10 مرشحين. من نافل القول ان البحث التالي سيركز على أهمّ المرشحين الحائزين على قدر ما من الإجماع وحظوظهم في السباق إلى حين انعقاد المؤتمر الحزبي واختياره احدهم.
نظراً إلى كثافة عدد المرشحين داخل اوساط الحزب الجمهوري، وُصِف السباق المقبل بأنه الأغنى في عدد المرشحين يمثلون توجهات متعدّدة، لا سيما تيار حزب الشاي الأشدّ تطرفاً وعنصرية. أبرز المرشحين نجل الرئيس الأسبق جورج بوش، وشقيق الرئيس السابق جورج بوش الابن، جيب بوش، الذي شغل منصب حاكم ولاية فلوريدا بنجاح، ويُحسب على التيار المعتدل في الحزب الجمهوري، ويتمتع بالإرث السياسي لآل بوش ويحظى بتأييد كبرى شركات الطاقة وصناعة السلاح. في الجانب المقابل، يعرب عدد من المتنفذين في الحزب الجمهوري قلقهم من تجديد «سلالة آل بوش» ووراثة المنصب الرئاسي ولو بالانتخابات.
وكعادة السياسيين والمخضرمين منهم بشكل خاص، يجهد المرشحون إلى عدم ارتكاب أخطاء بديهية تضرّ بحملاتهم الانتخابية. ولم يشذّ جيب بوش عن ذلك، اذ صرّح مطلع الاسبوع انّ حزبه بإمكانه الفوز بمنصب الرئيس «من دون الاستناد الى دعم التيار المحافظ داخله»، مما سيشكل شبحاً يلاحقه وينذر بعزوف المحافظين عن دعم ترشيحه. على الرغم من تلك المخاطرة، يعدّ جيب بوش احد أصحاب أوفر الحظوظ للسباق الانتخابي.
ومن ضمن المرجح دخولهم السباق مرشح الحزب السابق ميت رومني، والذي يُعتقد بأنّ لديه نية جدية لخوض السباق الرئاسي مرة اخرى، خاصة انْ أخفق الحزب الجمهوري في فرز مرشح يميل إلى الاعتدال والوسطية.
أفرزت التجربة السياسية الاميركية عدداً من المرشحين الأكفاء للمنصب الرئاسي من بين حكام الولايات. ومن الشخصيات المرجحة حاكم ولاية تكساس الجمهوري، ريك بيري، المحسوب على تيار يقع بين المعتدلين والمتشدّدين في الحزب، وشرع في التوجه إلى شريحة الاثرياء خاصة في قطاع الطاقة – واستمزاجهم بغية ضمان تدفق الدعم المالي لحملته. جدير بالذكر انه خلف جورج بوش الابن في المنصب، منذ 14 عاماً، وباستطاعته استغلال مستوى العيش الرغيد الذي تنعم به ولاية تكساس للدلالة على صوابية برنامجه الاقتصادي. ما يؤرق هذا النجم الصاعد الاتهام القضائي الجاري ضدّه باستغلال منصبه للتهديد باستخدام حق النقض الفيتو والذي يعتبر مؤيدوه أن دوافعه سياسية بامتياز ترمي الى وضع حدّ لطموحاته الرئاسية.
حاكم ولاية ويسكونسن، سكوت ووكر، ايضاً لديه طموحات انتخابية، لا سيما لتيقنه من ثقة الناخبين الذين جدّدوا انتخابه في المنصب مرتين وهو الجمهوري الذي يتربّع على أعلى منصب في ولاية أغلبيتها من الديمقراطيين. يصنف ووكر في معسكر المحافظين المتشدّدين في الحزب، وقد عزز سمعته من خلال تصدّيه الحازم ورفض مطالب النقابات العمالية في الولاية والفوز عليها. من المرجح ان يبقى ووكر ضمن دائرة استهداف النقابات العمالية في طول وعرض الولايات المتحدة في ايّ جولة انتخابات مقبلة.
الشخصية التي تحظى باهتمام إعلامي معتبر هي حاكم ولاية نيوجيرسي الجمهوري كريس كريستي، الذي يمثل التيار التقليدي الأوسع انتشاراً في الحزب الجمهوري، ونال معارضة التيار المحافظ لعدم تأقلمه مع مطالب المتشدّدين. جدير بالذكر انّ ولاية نيو جيرسي تصنّف من أشدّ الولايات معارضة لحرية اقتناء السلاح الفردي، مما سيضع كريستي في عين عاصفة قطاع واسع من جمهور اقتناء السلاح الذي عادة يصوت لمرشح الحزب الجمهوري.
من ضمن حكام الولايات المرجح ترشيحهم، وانْ بدرجة وصخب أقلّ، حاكم ولاية لويزيانا بوبي جيندال، ذو أصول هندية آسيوية ، ربما كمرشح لنائب الرئيس كحدّ أقصى. دخول جيندال حلبة السباق يضعه في موقع استقطاب الناخبين ذوي الاأصول الاسيوية، خاصة أنّ غالبيتهم فقدت الأمل بالرئيس اوباما.
كما يرجح انضمام حاكم ولاية نيو مكسيكو الجمهورية، سوزانا مارتينيز، من أصول لاتينية، للسباق الرئاسي استناداً إلى الدعم الواسع الذي تلقته من الغالبية الديمقراطية في الانتخابات الأخيرة لولايتها. مارتينيز ايضاً مرشحة محتملة لمنصب نائب الرئيس، اسوة ببوبي جيندال.
لم يتبقّ سوى شخصيتين مثيرتين للجدل داخل الحزب الجمهوري: السيناتور راند بول عن ولاية كنتاكي والسيناتور المتشدّد عن ولاية تكساس تيد كروز. يصنف بول، كما والده السياسي المتقاعد رون بول، بالميل إلى التيار الليبرالي، وفق تعريفات الحزب الجمهوري، وهو من أنصار الدعم الفاتر لـ»إسرائيل،» وينادي بتقليص حجم المؤسسات الحكومية المركزية. شعبيته تلقى صدى معتبراً داخل أوساط الجيل الشبابي في الحزب الجمهوري. أهمّ نقاط الضعف لراند بول تتمثل في سطحية تجربته وخبرته السياسية التي ستصبح مادة دسمة للهجوم عليه.
من ميزات راند بول قدرته على توسيع قاعدة الدعم لتضمّ عدداً من التجمعات الديمقراطية والمستقلين، والأوساط الشابة والاقليات. يتعمّد بول حضور لقاءات سياسية الطابع تبتعد عن الترحيب بممثل عن الحزب الجمهوري، ويتبنى بعض مطالب القاعدة الديمقراطية، الأمر الذي كلفه استعداء التيار التقليدي المؤسّساتي في الحزب.
اما تيد كروز المغرم بالاهتمام الإعلامي وهوس إثارة الفتن والقلاقل داخل مجلس الشيوخ، نال مقعده بدعم تيار حزب الشاي عام 2012، ويتعيّن عليه منافسة حاكم ولاية تكساس ريك بيري لكسب الناخبين. استطاع كروز استعداء التيار التقليدي والمؤسساتي في الحزب باكراً، لا سيما زعيم الأغلبية ميتش ماكونيل، مما قد يشكل ميزة تخدم أهواءه الانتخابية.
السيناتور عن ولاية فلوريدا، مارك روبيو، ذو أصول كوبية، أعرب ايضاً عن طموحه دخول السباق الرئاسي وكان على وشك الفوز بدعم تيار مؤثر داخل الحزب إلى حين إعلان اصطفافه إلى جانب إدخال إصلاحات على قوانين الهجرة، الذي يرفض الحزب الجمهوري إخضاعه للنقاش. من المرجح انّ روبيو سيواجه مرحلة قاسية لنيل رضى قيادة الحزب.
الحاكم السابق لولاية اركنساس، مايك هاكابي، من ضمن المرشحين الأقلّ حظاً بالبقاء طويلاً في السباق الرئاسي، على الرغم من تأييد قاعدة المحافظين له. يشاطره المرتبة الطبيب بن كارسون الذي تنطح للرئيس اوباما علناً خلال مأدبة إفطار جماعية أكسبته شهرة قصيرة الأجل، بيد انّ موقفه المؤيد لفرض قيود على اقتناء السلاح الفردي سيضعه في دائرة استهداف التيارات المعارضة الأخرى داخل الحزب. العضو الآخر في تلك القائمة المرشح السابق لمنصب نائب الرئيس، بول رايان.
فوز الحزب الجمهوري بأغلبية مناصب حكام الولايات، وتجديد دماء القاعدة الانتخابية وحماسة الناشئة، ستؤدّي الى دخوله السباق الانتخابي بنشاط وحيوية، لاختيار المرشح الأفضل لمنافسة هيلاري كلينتون كما يعتقد.
الحزب الديمقراطي يمرّ في أوضاع صعبة لا يُحسد عليها، ابتداءاً من خسارته عدد من مناصب حكام الولايات، وانتهاء بالتدهور المستمرّ لشعبية الرئيس اوباما التي أضحت عبئاً أمام اي مرشح يطمح بالفوز بأصوات شريحة المستقلين والمتردّدين من الناخبين. كما لا يجوز إغفال عامل عمر المرشح، اذ يفتقد الحزب الديمقراطي إلى عنصر فتيّ يستطيع إلهاب حماسة القاعدة الانتخابية. السيدة كلينتون، المرشح الأقوى، ستبلغ 69 عاماً يوم الانتخابات المقبلة.
عند الأخذ بعين الاعتبار قدرة كلينتون على حشد قطاع المرأة لتأييد ترشيحها، يبرز عدد من نقاط الضعف: قطاع الناخبين المستقلين لا يكنّ لها الود، دلّت عليه خسارة بعض المرشحين الذين دعمتهم علناً في الجولة الماضية. كما انها ضحية زلات لسانها المتعددة، خاصة أثناء جولتها لتسويق كتابها الجديد مطلع العام الجاري التي اعتبرت كارثة بكلّ المقاييس ولم تعد قادرة على استقطاب سوى عدد محدود من الناشطين في حملاتها المتعددة.
من بين ثوابت حملتها الانتخابية المرتقبة حضور مميّز لزوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون المشهود له بمهاراته الخطابية وجاذبيته في استقطاب الجمهور، بيد انّ أعباء سياساته السابقة، وفضائحه ايضاً، ستفرض عليها إبقاءه بعيداً عن الأنظار فضلاً عن نضج الناخبين السابقين قبل 20 عاماً الذين ينظرون إلى الزوجين كلينتون كجزء من الماضي وليس من طموح المستقبل المفروض.
لا زال بعض الشخصيات المؤثرة داخل الحزب الديمقراطي غير راضين عن سجلها وأدائها. أحدهم حاكم ولاية ماساتشوسيتس الديمقراطي الأسود ديفال باتريك، الذي وصف تلك الأعباء وحتمية ولوج هيلاري كلينتون حلبة السباق الرئاسي بأنها «تثير اشمئزاز الناخبين.» واوضح في مقابلة متلفزة انّ «الجمهور الاميركي يطلب، بل ينبغي ان يطالب، مرشحيه بنيل المنصب بعرق جهودهم… وإقناع الناخبين بأهلية ترشيحهم للمنصب في الوقت المناسب.»
أشار عدد من استطلاعات الرأي الحديثة الى أفول نجم وحتمية ترشيح الحزب الديمقراطي لكلينتون، بينما تفوّقت على خصمها الجمهوري المفترض بنسبة ضئيلة لم تتعدّ 4 نقاط مئوية. تستند المرشحة كلينتون في تسويق أهليتها إلى منصب الرئاسة الى تجربتها «الغنية» في منصب وزيرة الخارجية لأربع سنوات، بيد انها لن تستطيع المجاهرة بإنجازات حقيقية ملموسة.
خصم كلينتون المحتمل، لكنه غير مرجح، هو نائب الرئيس جو بايدن الذي يبرز كخلف طبيعي للرئيس اوباما، لا سيما ان تاريخه حافل بالخبرة سواء أثناء عضويته الطويلة في مجلس الشيوخ او في منصبه الراهن. بايدن ايضاً سيبلغ من العمر 73 عاماً عشية الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويشتهر بزلات لسانه المتكررة.
لو اطحنا جانبا اهمية كلينتون وبايدن، كلّ بميزاته وعلاته، تتضح سطحية مشهد الحزب الديمقراطي السياسي. السيناتور المستقلّ المشاكس عن ولاية فيرمونت، بيرني ساندرز، يراوده حلم دخول السباق الرئاسي كمرشح مستقلّ غير تابع للحزب الديمقراطي. يعتنق ساندرز الفلسفة الاشتراكية ويحظى باحترام وتأييد واسع بين تيار اليسار في الحزب الديمقراطي، تدعمه قاعدة عريضة من المموّلين الصغار، وربما لن يستطيع مجاراة مموّلي حملتي جيب بوش وهيلاري كلينتون. التيار التقليدي المسيطر على الحزب الديمقراطي يتوجس من ساندرز وتوجهاته السياسية التي تنذر بخسارة مرشحه أمام الحزب الجمهوري.
من ضمن المصنّفين على يسار الحزب الديمقراطي ايضاً تبرز السيناتور اليزابيث وورين، لا سيما انها تتمتع بالحيوية والنشاط وصغر السن مقارنة بكلينتون وبايدن. بحكم كونها امرأة ايضاً من شأنها إيقاظ حماسة قطاع المرأة العريض، بيد انّ توجهاتها السياسية تماثل ساندرز في اعتدالها ومحاباة القطاعات الاجتماعية المسحوقة والمهمّشة.
لو جاءت نتائج الانتخابات النصفية مغايرة للنتائج الراهنة وفوز بعض مرشحي الحزب الديمقراطي لأصبح لزاماً علينا إيلاء اهتمام كاف للسيناتور عن ولاية كولورادو، مارك يودال، المرشح الأقوى بعد كلينتون، الذي كان يعوّل عليه لتبوء منصب عالي.
السيناتور عن ولاية فرجينيا، جيم ويب، ربما سيثبت انه المرشح الأقوى في السباق المقبل، لا سيما انه يتمتع بسجل الخدمة العسكرية كضابط في سلاح مشاة البحرية، المارينز، ويعتبر من تيار المعتدلين في الحزب الديمقراطي. بيد انّ القواعد الحزبية لا تشاطره توجهاته المتباينة مع الطموحات الشعبية.
في خانة حكام الولايات يبرز الحاكم السابق لولاية ماريلاند، مارتن اومالي، الذي يتمتع بسجل ناصع من الإنجازات ويحسب كأحد أقطاب التوجهات الليبرالية الصلبة في الحزب. خسارة مرشحه لخلافته في المنصب قد تقوّض حظوظه بين اوساط القاعدة الديمقراطية والليبرالية.
الحزب الديمقراطي في وضعه الراهن لا تنقصه المآزق والمتاعب المتراكمة، لعلّ ابرزها عزوف جمهور الناخبين عن دعم وتأييد الرئيس اوباما وقادة حزبه، فضلاً عن انّ معظم المرشحين المحتملين لسباق الرئاسة ساندوا الرئيس وبرامجه، لا سيما البرنامج الأشدّ إثارة للجدل برنامج الرعاية الصحية الشامل، او باماكير.
تداعيات المشهد السابق ستترك آثارها على الجيل الناشئ من الناخبين والمرشحين على السواء، لا سيما اولئك الذين يراودهم احتمال دخول الحملة الانتخابية، بل قد يُدفع البعض الى إخلاء الساحة «لجيل مضاربي السياسة القدامى»، ومواجهة الخسارة امام مرشح الحزب الجمهوري. استناداً إلى ذلك التوجه، يصبح لزاماً على قادة الحزب إفساح المجال لبروز جيل شاب لانتخابات الرئاسة الأبعد عام 2020، والذي سيحظى بالضرورة بحظوظ نجاح أوفر من التركيبة الراهنة.