خصام ظاهر وتعاون مزمن
د. فايز الصايغ
التكامل والتماثل في العلاقات والتنسيق بين تركيا و«إسرائيل»، والذي تناولته في مقال سابق، نشهد ترجمته الواقعية على الأرض السورية من خلال الدور الإرهابي التركي الرسمي واستغلال تركيا الحدود الواسعة مع سورية لتمرير الإرهاب وحمايته وتأمين مختلف اللوازم والأدوات اللوجستية لإنجاز وظيفة تدمير سورية وتفتيت شعبها وسرقة ثرواتها ونهب معاملها ومصانعها.
وإذا كنا نعتبر أنّ تركيا ليست دولة شقيقة، وهي دولة من دول حلف «الناتو»، وهي أساساً دولة مستعمرة نكلت بالشعوب عبر تاريخها العثماني البغيض وهي أيضاً تتطلع، كما «إسرائيل»، إلى بسط ما يمكن من سيطرتها على الجوار، فماذا نسمي السعودية وهي الدولة العربية الشقيقة، العضو في جامعة الدول العربية والمؤتمنة على العروبة والإسلام والمقدسات؟
أكد المستشار السابق للأمن القومي «الإسرائيلي» عوزي آراد في آخر تصريحاته الذي نشرته صحيفة هآرتس الصهيونية، أنّ ما يجمع «إسرائيل» والسعودية أكبر بكثير مما هو معلن، مؤكداً وجود تعاون أمني بين البلدين، بالإضافة إلى تعاون أوسع في مجالاتٍ أخرى عديدة لم يسمِّها المستشار، ونترك للقارئ المجالات مفتوحة على مصراعيها لتقدير وتسمية هذه المجالات الأخرى.
وللتدليل على أبعاد تلك المجالات الأخرى، يمكننا العودة إلى عدد من الوقائع والأحداث القديمة قبل أن نسوق أكبر البراهين على الدور السعودي «الإسرائيلي» في المؤامرة الكونية على سورية والتي تخدم مصالح «إسرائيل» في المنطقة. فقد نشرت الباحثة نورا الحايك مقالاً في الموقع الرسمي لمؤسسة القناة الإعلامية في آب عام 2010، قالت فيه: في الحرب الأخيرة في اليمن استخدمت السعودية نوعاً من غاز الأعصاب من شأنه تخدير المقاتلين اليمنيين الذين يدافعون عن أرضهم، وشلّ حركتهم.
المهم في الموضوع هو أنّ الغاز المشار إليه غاز «إسرائيلي» الصنع قامت «إسرائيل» بتزويد السعودية بكميات كبيرة منه في إطار التعاون الذي أشار إليه عوزي آراد، وأسماه بالمجالات الأخرى لأنّ تسمية هذه المجالات وتوضيحها يشكلان إدانة فاضحة للطرفين «الإسرائيلي» والسعودي معاً.
وتُظهر الوقائع أشكالاً أخرى من التعاون والتنسيق بين «إسرائيل» والسعودية وعدد من دول الخليج، لسنا في صدد استعراضها والخوض في تفاصيلها الآن، وهي تفاصيل عديدة وهامة وقديمة العهد وفي طور التطور.
كما تُظهر الوقائع والوثائق، ومنها تسريبات «ويكيليكس»، اللقاءات الحميمة بين عدد من المسؤولين الأمنيين الصهاينة والسعوديين، ورفع السعودية الحظر عن المنتجات والبضائع «الإسرائيلية»، عدا عن العديد من الوثائق التي تشير إلى أنّ السعودية تعتمد سياسة علنية تختلف عن الحقيقة التاريخية للعلاقات بين البلدين، خصام ظاهر وتوافق قديم مخفي، قدر الإمكان.
إذ لم يعد في إمكان أحد إخفاء الحقيقة بعد هذا التطور الهائل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وبعد فضائح «ويكيليكس» التي تمّ وأدها ريثما يخرج إلى العلن «ويكيليكس» جديد، لم يعد في الإمكان نفي سياسة العداء الظاهر والتعاون الباطن مع «إسرائيل» التي تنتهجها السعودية في علاقتها مع التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وهي بالتالي العداء الظاهر للإرهاب ودعم الإرهاب بالمال والسلاح في الباطن.
لم تكتفِ السعودية من تمويل الإرهاب بعد، بل هي تعتمد في ذلك أساليب حديثة وتحاول اللف والدوران حول الموقف الرسمي من الدعم وتستخدم المموِّلين من أصحاب رؤوس الأموال، بحيث تقوم في الباطن بعقد صفقات حكومية مع أغلب هؤلاء المموِّلين و هذا ما تعرفه الولايات المتحدة الأميركية حق المعرفة لكنها تغضّ الطرف عنه لأنها لا تريد من التحالف أساساً، أكثر من الضربات التجميلية كما قال الرئيس السوري بشار الأسد.