رسالة إلى الأساتذة واللغويّين

د. الياس متّى الحايك

1 – الهويّة: بداية أذكّر أنها تبدأ بفتحة في اللغة المحكية. وتقول المعاجم إنها مشتقّة من الضمير هو بضم أوّله! لكن هذا خطأ! سنرى لماذا؟

أولاً: هي مشتقة من السريانيّة هَاو إسم إشارة . وجليّ أن بطاقة الهوية هي إشارة إلى صاحبها أكثر مما هي راجعة للضمير الغائب هو . والأفضل أخذ الكلمة المحكيّة…

ثانياً: هناك أكثر من عشر كلمات على وزن فَعيلة بفتح أوّله : 1 هوية 2 ظهيرة 3 فصيلة 4 جريدة 5 خصيصة 6 طبيعة 7 قبيلة 8 فريسة 9 ضفيرة 10 عجينة 11 عريشة 12 زريبة… الخ. وليس من أسماء جنس على وزن فُعيلة تبدأ بالضمّ!..

ثالثاً: ثم إن لا شيء يوجب الإبقاء على الحركة ذاتها بعد الاشتقاق! فكلمة ظُهر نشتق منها ظَهيرة: كانت مضمومة الأول وصارت مفتوحة الأول! المهم هو الوزن: فَعيلة بفتح أوله . ومثلها «هو» على افتراض أن الإشتقاق منها نشتقّ منها هَوية بفتح أوّلها! والاشتقاقات التي تغيّر الحركات تعد بالألوف… إن معظم الذين يكتبون هوية بالضم هم ذوو عقل محدود لأنهم أطاعوا المشاكس السخيف الذي اخترع هذا الشكل للهوية بالضم ناسياً اللغة المحكيّة!..

2 – الحروف الغليظة: نلاحظ في ما سبق أن اللسان العربي يتجنب صعوبة اللفظ. فيستوجب عدم تلاحق الضم والكسر مع الحرف الغليظ ه! فما بالهم يتصرفون بعكس العقل والمنطق والسهولة؟ إن في اللغة حروفاً ناعمة: ب ت ن… وحروفاً غليظة مفخّمة: ه ط ظ خ… وهذه الغليظة لا تستمزج الكسرة عليها وعلى ما قبلها! أمثلة:

أولاً: كلمة t che صاروا يترجمونها مَهَمَّة لأن مُهمّة صعبة اللفظ بكسرة وضمّة متلاحقتين!

ثانياً: إن كل أهل سورية يلفظون مهم بقولهم مُهُمّ للسبب المذكور .

ثالثاً: اللبنانيون يقولون المخدَّرات بفتح الدال، لأن الخاء والراء حرفان غليظان متلاحقان وصعب لفظ الكسرة عليهما أو بينهما.

رابعاً: لنأخذ جملتين: رأيت أولادهم + مررت بأولادِهِم: هنا الهاء حرف غليظ، ومع أن الضمير النهائي «هم» هو أصيل بالضمّ، ففي الجملة الثانية، ما الذي جعل الهاء تصير مكسورة؟ جواب: الهاء حرف غليظ ولا يسمح بكسرة وضمّة متلاحقتين، فانقلبت ضمة الهاء إلى كسرة! هذا بالفصحى العتيدة، فكيف باللغة المحكيّة؟ وكذلك نقول بِهِم بكسر الهاء التي كانت مضمومة .

خامساً: لنأخذ كلمة نَفْط: لا أعلم من أين جاء البعض بكسر أوّلها. إن راحة اللسان والحنجرة لا تسمح بكسر النون بينما الطاء مضمومة أو ساكنة بعدها، والطاء حرف غليظ! ثم إن أوروبا أخذت عنّا نفط فكتبت Naphte بالفتح! وقد نكون نحن أخذناها عن اليوناني «نَفط». فما بالهم يتفذلكون بالنِفط في الإذاعات وقنالات التلفزيون؟

3 – المنطقة:

أولاً: كانوا يقولون مِنطقة بكسر الميم ولها معنيان: معنى القشاط، ومعنى الناحية الأرضيّة. وفجأة صار البعض يقولون: مَنطِقة بفتح الميم وكسر الطاء، وجاء المنجد المعاصر يكرّس هذه الفذلكة ليميّز بين المعنيين: القشاط والناحية. أليس هناك آلاف الكلمات لها كل واحدة معنيان أو ثلاثة؟ كان يجب أن نبقي الكلمة ذاتها مِنطقة للمعنيين ولا التباس بذلك. وهل ميّزوا بين الحزام القشاط والحزام الأمني الجغرافي بقولهم للثاني: حُزيم؟

ثانياً: أمّا إذا أرادوا التمييز فكان عليهم أن يأخذوا الكلمة المحكية: مَنطَقَة، وهي محكية بفتحات ثلاث! لماذا؟

يقول العلاّمة أحمد ذكي باشا: إن ابراهيم اليازجي هو «أكبر خادم للغة العربية» على الإطلاق! فاليازجي يكشف عن 225 غلطة في «لسان العرب». وكلمة ينطِقُ واحدة منها. فيجب القول: ينطُقُ بضم الطاء لأن كل عمرها الطاء حرف غليظ لا يسمح بكسرة وضمّة متلاحقتين في الفصحى كما رأينا، وكم بالحري باللغة الدارجة؟ . أو يجب أن يجوز الوجهان: الضمّ والكسر. وإذن نشتق منها مَنطَقَة بفتح الطاء وليس بكسرها. وللسبب ذاته نقول ينطُر بالضم ويلفُظ بالضم… إذن يجب القول مَنطَقَة حيث لا تجوز الكسرة على أحد الحرفين الغليظين المتلاحقين: الطاء والقاف لا بالفصحى ولا بالمحكيّة! ثم إن النسبة من منطق: منطِقي. وتصير النسبة من منطِقة: منطِقي. وهذا التباس! أراد المنجد تجنّب التباس فأوقعنا في التباس أبشع! .

4 – الرئيسيّ:

أولاً: بعض رفاقي بطّلوا يحضروا قنال «الجديد» التلفزيوني لأنه يقول: الشارع الرئيس والعناوين الرئيسة. أنا عقلاتي كبار ولن أقلدهم. لكن أريد أن أقول لـ«الجديد» شيئاً مهمّاً: قولوا للمستشار اللغوي تبعكم: إذا أراد أن يقول: الطريق الرئيسة، فهو مجبور أن يطبق القاعدة ذاتها ويقول: الديانة المسيحة! أو يقول الإثنين أو يرفض الإثنين … ثم إذا كان عندكم معجم هرائي فارموه بالزبالة واشتروا «المورد»، وإذا كان أحد يملي عليكم قواعد غير عقلانية فازعبوه إلى بيته!.

ثانياً: لماذا جاز قول: 1 حديدي 2 مسيحي 3 حقيقي 4 حريري 5 أميري 6 بريدي 7 ربيعي 8 بديهي 9 جليدي 10 معيشي 11 طبيعي …؟ ولا تجوز كلمة رئيسيّ؟ وكلّها على وزن فعيل! وتصير فعيليّ!

ثالثاً: لماذا المجمع العلمي العربي أقرّ هذه الكلمة منذ 30 سنة؟ ولا يُستغنى عنها! ، والمنجد المعاصر أقرّها. والمورد الثلاثي أقرّها. والمورد الجديد سيصدر 2015 ويقرّها! لماذا؟ لأن في مخّهم عقل خلاّق سويّ وليس في مخهم تبن عبد للسان العرب!…

رابعاً: إن المنجد المعاصر أضاف 1000 كلمة على مفردات لغتنا. والمورد الجديد سيضيف عليها 1500. وبريطانيا احتفلت البارحة ببلوغ قاموسها المليون كلمة! ونحن إلى خلف! أما حان لنا أن نقبل كلمات: رئيسيّ وأساسيّ وقيَّمَ وتقييم؟ لإغناء لغتنا؟

ملاحظة: ما قلناه لـ«الجديد» نعيده لقنال MTV ولجريدة «البناء».

5 – بالرغم: يقال ما يلي: صحيح أن الأمر كذا… إلاّ أن النتيجة كذلك…!

لكننا نقول: بالرغم من أن الأمر كذا… فإن النتيجة كذلك! فكلمتا رغم وبالرغم لا تستوجبان الجواب: إلاّ أن، بل الجواب: فإن. أو بدون الإثنين إطلاقاً! فإن الفرنسي يقول: malgr tout cela, nous sommes l حيث القسم الثاني لا يبدأ بكلمة mais ولا بكلمة cependant! بل بفاصلة فقط. قليل من المنطق!…

6 – البرلمان: إن هذه الكلمة ضرورية. وهي أفضل من «المجلس» الذي قد يكون للوزراء، كما للنواب، كما لغيرهما! ثم إن «جلسة نيابية» هي للّجان. بينما «جلسة برلمانية» هي لكامل البرلمان للتمييز! .

لكن معظم المتفرنجين في لبنان يقولون هذه الكلمة فيلفظون الباء P. وهذا خطأ! بل يجب لفظها باء عربيّة، خاصة وهي إسم جنس وليست إسم علم… كما أن اللام عليها فتحة وليس ضمّة! بالمختصر يجب أن نعرّب هذه الكلمة. فالأجانب لا يُستعبدون لحرفيّة لغتنا عندما يأخذون ألف كلمة من العربي والفينيقي! مثلاً: كلمة «عام»= سنة أخذوها وحوّلوا الميم إلى نون: ann e + an ! فلنعتبر!

7 – هناك قضايا أخرى يجب أن نفكر بها في تعقّل! فنبطل بعض أخطاء المعاجم وفذلكة بعض المتفذلكين. ولن أطيل أكثر هنا بل قد فنّدت ذلك في كتابي الجديد: في العربي الفصيح الحديث.

دكتور في الألسنيّة والفلسفة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى